تقرير اخباري من وديع عواودة
في محاولة لصد التداعيات الاعلامية والسياسية لقرار ادانة جدار الفصل العنصري وتقليص حجم الاضرار الناجمة عنه في الحلبة العالمية بادرت الاوساط السياسية المتنفذة داخل اسرائيل الى شن حملة مضادة اتهمت فيها محكمة لاهاي (هاج) الدولية باصدار حكم احادي متحيز وسياسي. ولهذا الغرض اصدرت وزارة الخارجية الاسرائيلية بيانا غاضبا حاول الطعن بشرعية المحكمة بالزعم ان المحكمة تجاهلت الدافع الذي من اجله بني الجدار وبان نحو 30 دولة ديموقراطية رفضت في حينه بحث المحكمة للقضية مشيرا الى عدم صلاحيتها البت في الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين. وقبل اعلان القرار في هاج كان المتحدثون الرسميون الاسرائيليون قد شرعوا بحملة دفاعية معتمدين خطابا اعلاميا موحدا لكنه متلعثم وتعتريه شارات الارتباك يستند الى ادعائين اساسيين اولهما ان تل ابيب ملزمة بمثل هذه الحالة بقرار محكمة العدل العليا الاسرائيلية لا بقرار هيئة اجنبية. وقاد هذا الادعاء وزير القضاء تومي لبيد، حيث ادلى بتصريحات غاضبة منذ صباح الجمعة مفادها أن "عاصمة إسرائيل هي القدس وليست لاهاي، وأن الذي يقرر بشأنها هي محكمة العدل العليا الإسرائيلية وليست المحكمة الدولية".
وأشار لبيد الى ان قرار هاج يمت بقضية سياسية ينبغي الا تصل إلى لاهاي أصلا ونوه الى إنه ليس قرارًا، بل" رأيـًا استشاريًا طلبته الأمم المتحدة" لافتا الى ان اسرائيل اعتادت على أن تكون أقلية في الأمم المتحدة منذ 56 سنة وانها ستستمر بالعيش مع هذا "الحدث العرضي" الذي اعتبره "خدمة للدعاية الفلسطينية" واضاف "لا نفكر بتنفيذ القرار وأعتقد أنه تم تقديم التوصية قبل انعقاد أول جلسة للمحكمة. إنها لعبة مبيوعة".
وبموازاة حملة القدح والتقريع الموجهة ضد المحكمة الدولية استعان المتحدثون والمسؤولون الاسرائيليون بذوي ضحايا العمليات الفدائية الفلسطينية مادة دعائية زاعمين ان الجدار العنصري ينقذ حياة البشر وأنه مشروع امني يساعد اسرائيل في اداء واجبها بحماية مواطنيها في اعقاب حصول نحو 20 الف "عملية ارهابية " اودت بحياة الف " اسرائيلي" واصابة 20 الف بجراح منذ اندلاع الانتفاضة. كما كانت اسرائيل ارسلت وفدا من العائلات الثكلى نتيجة العمليات الفلسطينية للتظاهر قبالة المحكمة في هاج وهم يحملون صور الضحايا. وفي السياق ذاته وفي هذا الوقت بالذات قال يوني بيلد، المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية، تعقيبا على القرار ان مثل هذه القضايا يجب ان تحسم على طاولة المفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني بعد وقف "الارهاب" مشيرا الى ان اسرائيل "ماضية في بناء الجدار مع الموازنة بين احتياجاتها الامنية وبين الاحتياجات الفلسطينية".
ومنذ ان بدأت ترشح تفاصيل القرار القضائي في هاج عقب المسؤولون في وزارة الخارجية بصدمة على التقرير وقالوا إنه يجسد وجهة نظر قاسية جدا معربين عن خيبة أملهم من عدم تطرق القرار إلى "الإرهاب" وهم يتأهبون للمرحلة القادمة والتي سيتم فيها رفع الرأي الاستشاري إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة معولين على الفيتو الامريكي لمنع اي عقوبات تفرض على اسرائيل، ولهذا الغرض كان وزير الخارجية، سيلفان شالوم، قد باشر اتصالاته قبل ايام مع الادارة الامريكية.
في المقابل حمل عضو الكنيست يوسي سريد، من كتلة "ياحد- ميرتس"، حكومة شارون "البلهاء"، على حد وصفه، المسؤولية بعد ان ارتكبت جميع الأخطاء الممكنة رغم ان" المسألة هي بناء جدار للدفاع عن النفس". اضاف" وإذا أراد مواطنو إسرائيل أن يعرفوا كيف تـُدار شؤون الدولة في كل المجالات، فلينظروا إلى الجدار ليحكموا على أداء حكومة يمينية مع يدين يساريتين". كما هاجم رئيس حزب"ياحد"، د. يوسي بيلين، الحكومة الاسرائيلية معتبرا إن إقامة الجدار في الأراضي الفلسطينية "يتعارض مع مصلحة إسرائيل بغض النظر عن القرار الدولي".
الى ذلك قال عضو الكنيست إيهود يتوم من حزب "الليكود"، تعليقـًا على القرار: "على الرغم من أن الجدار يفصل بين يهود ويهود وبين الفلسطينيين والفلسطينيين، ويخلق مشكلة لإسرائيل على الصعيد الدولي، غير أنه يجب إدانة القرار". وأضاف "إن قرار المحكمة الدولية نابع من عمًى مطلق تجاه الضحية الحقيقية ويتجاهل السبب في بناء الجدار والمتمثل بالرفض الفلسطيني للتوصل إلى سلام معنا". وتطابق موقف زعيم المعارضة، شيمون بيريس، مع مواقف قادة "الليكود" حيال قرار محكمة العدل الدولية، إذ اتهمها بتجاهل الحقيقة ان الحق بالبقاء على قيد الحياة هو حق اساسي للانسان. واضاف" تقاس جدوى المحكمة في قدرتها على اصدار حكم ضد الارهاب لا ضد من يحاربه اما مشكلة مسار الجدار فيجب حلها بالمفاوضات وليس بالوسائل القضائية". كما دعا رئيس الدولة، موشيه قصاب، الاجهزة الامنية والحكومة الى استئناف بناء الجدار فيما اكد رئيس قسم القانون الدولي في كلية الحقوق في الجامعة العبرية انه ليس بوسع اسرائيل تجاهل قرار محكمة لاهاي بالكامل لافتا الى فاعليته من ناحية التأثير على الرأي العام الدولي حتى لو حالت الولايات المتحدة دون اتخاذ قرار بمعاقبة اسرائيل في مجلس الامن واقتصر موقف الامم المتحدة من القرار الاستشاري الصادر عن المحكمة الدولية والتي كانت توجهت اليها على قرار ادانة "بدون اسنان" من قبل الجمعية العامة.
في المقابل رحب رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في الكنيست، عضو الكنيست محمد بركة، بقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، ووصفه بأنه قرار لا بد منه.
وقدمت كتلة الجبهة الديمقراطية- الحركة العربية للتغيير اقتراحًا لحجب الثقة عن الحكومة، على خلفية السياسة الإسرائيلية في كل ما يتعلق ببناء الجدار الفاصل، وسيبحث الكنيست الاقتراح الأسبوع المقبل.
وقال بركة في هذا السياق: "إن الهدف من بناء الجدار الفاصل ليس منع العنف، لأن الجدار نفسه كان وما زال العنف بحد ذاته. إنه مشروع كولونيالي هدفه التهام الأراضي وتحويل حياة الفلسطينيين إلى حياة تعيسة، على أمل أن يهاجروا من هنا. إسرائيل لا تستطيع تجاهل القرار في لاهاي وإلغاءه، وإلا ستساعد في عزل نفسها عن المجتمع الدولي".
وأعلن عضو الكنيست جمال زحالقة من كتلة "التجمع الوطني الديمقراطي" أنه سيقدم اقتراحًا لهدم الجدار الفاصل، وذلك في أعقاب قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي. وقال زحالقة: "لقد انتصر العدل في لاهاي. انتقلنا إلى مرحلة جديدة من النضال ضد بناء الجدار الفاصل. إن عدم تنفيذ القرار هو بمثابة جريمة". ودعا زحالقة المجتمع الدولي إلى عدم تخفيف الضغط على حكومة إسرائيل واتخاذ خطوات عملية لإجبارها على تنفيذ القرار.
ورحب أيضًا عضو الكنيست أحمد طيبي بالقرار ودعا حكومة إسرائيل إلى الاستجابة له والأخذ بعين الاعتبار التسويغات التي وصفها بأن لها وزنـًا كبيرًا.
وأضاف: "إن الجدار يخلق المعاناة ويخرق القانون الدولي. إن المجتمع الدولي سينبذ إسرائيل، إذا ظلت "مارقة دولية" تدوس الحقوق الأساسية للفلسطينيين".
وحمّل عضو الكنيست يوري شطيرن من كتلة "هئيحود هليئومي" (الاتحاد الوطني- إسرائيل بيتنا) الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن قرار محكمة العدل الدولية. وقال شطيرن: "إن موقف الحكومة الخامل على الصعيد الدولي والمعاملة الفاترة مع السلطة الفلسطينية وعدم الاستعداد للقضاء على الإرهاب بالقوة، كل ذلك يلحق ضررًا متراكمًا بالدولة ويصعب عليها مواجهة المؤامرات العربية".