المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعاد ارتقاء فريق كرة القدم من مدينة سخنين في الجليل إلى المباراة النهائية للفوز بـ"كأس إسرائيل" إلى الواجهة العلاقة بين الرياضة والسياسة في الدولة العبرية. وكان لافتاً أن تتناول كل وسائل الإعلام العبرية بضوء ايجابي, هذا الخبر في صدر عناوينها وهي التي اعتادت ان تذكر سخنين أو غيرها من البلدات العربية داخل إسرائيل فقط حين يأتي منها "تهديد قومي" يتمثل غالباً في نشاطات احتجاج على سياسة التمييز المتبعة ضد عرب الداخل وتواجه دوماً بقمع الشرطة.

رياضياً, اعتبرت الصحف الارتقاء إلى مصاف النهائي "انجازاً تاريخياً لفريق عربي" بات مرشحاً لتمثيل إسرائيل في المسابقات الأوروبية! "حقيقة أم كابوس؟" - تساءل كثير من أنصار اللعبة وهم يعقبون على الانترنت على هذا الاحتمال, "بالذات سخنين... هذه البلدة المتطرفة" صرخ أحدهم, فيما ردد كثيرون الهتاف العنصري "الموت للعرب" تعبيراً عن عمق كراهيتهم. وهذا الهتاف يدوي في الملاعب الإسرائيلية على نحو متواتر منذ بداية الموسم الكروي الحالي الذي جاء بفريقين عربيين إلى دوري الأضواء: سخنين والناصرة, ليقاوما لاحقاً مقاومة شديدة محاولات عدة لاسقاطهما.

تعتبر سخنين في عُرف المؤسسة الإسرائيلية الرسمية "بلدة قوموية متطرفة", فهي بلد الشهداء التي شهدت أحداث يوم الأرض الأول عام 1976 حين هبّ أهلها وفلسطينيو الجليل متصدين لمصادرة ما بقي لديهم من أراضٍ, وسقط ستة شهداء برصاص قوى الأمن, منهم شابان من سخنين. وانضم آخران إلى موكب الشهداء إبان الهبّة الشعبية تضامناً مع الانتفاضة في تشرين الأول (اكتوبر) 2000.

"عبر وصول فريق سخنين إلى نهائي الكأس, حصل المجتمع العربي على تذكرة الدخول المنشودة إلى الدولة اليهودية. هذا الارتقاء يفيد كرة القدم الإسرائيلية, لكنه يعود بالفائدة العظمى على المجتمع الإسرائيلي كله", كتب المعلق الرياضي في صحيفة "معاريف" رون عميتام. "هذا النجاح لسخنين يعزز الأمل بأن تتبدل الأوضاع في الدولة إلى الأحسن", يضيف معلق آخر, فيما يرى المحرر الرياضي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عمير بيلغ أن غالبية الإسرائيليين تصفق لهذا الانجاز. ويذهب أبعد من ذلك ليقول إنه عبر الرياضة يمكن أن تتحقق المساواة الكاملة بين المواطنين العرب واليهود, آملاً بأن ينتزع الفريق العربي الكأس ويمثل إسرائيل في أوروبا "مما سيثبت أنه يمكن أن تكون الأمور في الدولة على غير ما هي اليوم".

لكن أحداً من المعلقين لم يجرؤ على لوم مؤسسات الدولة بسبب تجاهلها البلدات العربية وفرقها الرياضية على رغم محاولات رؤساء هذه الفرق الإثبات أن التعايش الحقيقي ممكن بين الشعبين إذا توافرت الإرادة والنية الصادقة, كما يقول رئيس فريق سخنين مازن غنايم, مشيراً إلى أن فريقه يضم لاعبين من الأديان الثلاثة والقوميات المختلفة ويدربه مدرب إسرائيلي يحظون جميعاً باحترام يفوق كل تصور.

قبل ثلاثة شهور تعهد رئيس الحكومة اريئيل شارون, بعدما بلغه أن هناك فريقاً عربياً ناجحاً من بلدة سخنين يفتقر إلى أدنى الشروط لبقائه على قيد الحياة, توفير نحو مليون دولار لإقامة استاد عصري في المدينة تصل كلفته إلى ثلاثة أضعاف المبلغ. صفق كثيرون من العرب لهذه اللفتة التي انتزعها النائبان العربيان محمد بركة وأحمد طيبي.

الدكتور تمير شوريك، الذي أعد اطروحة الدكتوراه في علم الاجتماع عن كرة القدم العربية في إسرائيل, رأى ان التفاتة شارون بمثابة "مغسلة ضمير" من سياسة التمييز والقمع حيال العرب على جانبي الخط الأخضر. وكتب ان وعد شارون لا يفاجئ من يتابع عن كثب سياسة حكومة إسرائيل ازاء كرة القدم العربية, فحتى خلال الحكم العسكري (في الخمسينات والستينات من القرن الماضي) استخدمت السلطات (الإسرائيلية) بصورة ذكية لعبة كرة القدم أداة للمراقبة والسيطرة. حتى أن اللعبة حصلت على مساعدات طالما ان الفرق العربية تلعب في إطار الاتحاد العام الإسرائيلي لكرة القدم. وتابع انه بواسطة "الاستثمار الحكيم والموضعي في مؤسسة تثير الانفعال والتماثل والافتخار الجماعي في أوساط العرب, مواطني إسرائيل, تستطيع الحكومة أن تسجل لمصلحتها نقاطاً ايجابية لدى الرأي العام" وحين يكون الحديث عن كرة القدم فـ"حتى شارون يظهر للحظة كإنسان ليبرالي حقيقي غير ملوّن, يتركز كل اهتمامه في رفاهية مواطني الدولة يهوداً وعرباً على حد سواء".

ولفت شوريك الى ان شارون معني بكسب سمعة تختلف عن صورته المعروفة "لكن سخنين ليست كرة قدم فقط. سخنين تناضل منذ سنوات طويلة ضد سياسة أراضٍ فضائحية. المدينة احيطت بطوق من البلدات اليهودية ومعسكر للجيش للجم تطورها. وسخنين أيضاً تتبوأ دائماً صدارة لائحة البلدات المنكوبة بالبطالة وتعاني أيضاً من الفقر مثل كثير من البلدات العربية".

بقي أن يحقق فريق سخنين أمنية عشاقه, في كل البلدات العربية, بانتزاع "كأس الدولة" من منطلق القوة والنجاح والتباهي ونكاية بالعنصريين خصوصاً, فيما يتمنى أقطابه أن ينجحوا, عبر المنصة الإعلامية الواسعة المتاحة أمامهم الآن, ان ينقلوا رسالتهم إلى عموم الإسرائيليين, بأن العزيمة أقوى من كل الأموال والشروط المتوافرة لدى الفرق المنافسة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات