المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اعتبر حجاي بن أرتسي، أحد رموز اليمين الاسرائيلي المتطرف بين المستوطنين في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ان ما دفع رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئيل شارون، الى الاعلان عن خطة "فك الارتباط" هو صرف النظر عن التحقيقات ضده في قضية "الجزيرة اليونانية". ومن دون هذا الربط لا يتمكن بن أرتسي "من فهم المنطق الذي جعل شارون يعلن عن انسحاب احادي الجانب من قطاع غزة واخلاء المستوطنات هناك"، على حد قوله.

يشار بداية الى ان بن أرتسي يحمل شهادة الدكتوراة في الفلسفة،وهو شقيق زوجة رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق بنيامين نتنياهو، وأحد ابرز انصار "ارض اسرائيل الكاملة"، يتبنى افكارا دينية قومية وكان من انصار الرابي المتطرف مئير كهانا. ويسكن بن أرتسي في مستوطنة "بيت إيل" وانتقل في الماضي للسكن في بؤرة استيطانية في قلب الخليل ويعلن دائما التزامه بـ"رؤيا الخلاص المسيحاني لارض اسرائيل الكاملة". ويعمل بن أرتسي في مجال التعليم.

ويخطط بن أرتسي في هذه الاثناء للانتقال الى احدى المستوطنات في قطاع غزة في محاولة لمنع تنفيذ اخلاء محتمل للمستوطنين هناك. وقال في مقابلة مع ملحق صحيفة "هآرتس" انه لن يخرج من القطاع الا محمولا في تابوت "مع كتب التوراة". وقال حول الاخلاء: "آمل الا تقع هذه الكارثة. أصلّي للخالق بأن يوقف هذا التدهور. ولكن اذا تم تنفيذ ذلك وسنشهد كيف سيتم اقتلاع مستوطنات من ارض اسرائيل وطرد يهود من ارضهم ومن بيوتهم في ارض اسرائيل، على يدي حكومة اسرائيل، عندها سيتحول غوش قطيف الى مسادا ثانية. هذا وعد. انتحر في مسادا 969 يهوديا. سيكون عددنا في غوش قطيف 970. انني واثق من ان الكثيرين من رفاقي سينضمون الى هذا العمل (الانتحار)".

وفي رده على سؤال نفى بن ارتسي انه يبالغ في وصف الامور. وقال: "في نزل المجانين يتوجب التصرف كالمجانين. وما يفعله شارون هو جنون، انهيار لكافة الاجهزة، كما يقول الاطباء. وأمام هذا ليس من خيار سوى باعطاء رد قاتل. هذا ما يحدث لي وهذا ما افعله".

ووصف بن ارتسي لحظة سماعه عن خطة "فك الارتباط" من خلال مقابلة اجراها الصحفي يوئيل ماركوس من "هآرتس" مع شارون، وصفها بـ"اللحظة السوداء. يوم اسود. كأن تبلغ احدا بمصيبة فظيعة. لقد كان هذا اليوم بالنسبة لي موازيا لليوم الذي صعد فيه هتلر الى الحكم. يوم بداية الهولوكوست. ان شارون يهدم عالمنا".

لكن بن ارتسي قال ان هناك فرقًا بين فك الارتباط الان واتفاق اوسلو. واضاف: "حتى رابين وبيرس ويوسي سريد وشولاميت الوني لم يفعلوا ما يفعله شارون الان. هؤلاء ايدوا اوسلو طبعا، لكنهم فعلوا كل ذلك من خلال اتفاق. وفي اوسلو تم الاتفاق بشكل واضح على الا تتحرك اية مستوطنة من مكانها والا يتم نقل اي انسان من بيته خلال الاتفاقيات المرحلية وانما من خلال الاتفاق الدائم فقط. هذا يعني انه فقط عندما يكون المقابل سلاما حقيقيا، آمنا، قابلاً للتنفيذ، لا تليه حالة من الحرب. وهنا، ما الذي يفعله شارون عمليا؟ ليس اتفاقا دائما، ليس اتفاقا مرحليا، لا شيء. خطوة احادية الجانب. سيدمر هذا الرجل 21 مستوطنة، سيدمر مشروعا استيطانيا نفذه جيل كامل، اقامه رابين وبيرس وحزب العمل بشكل علني من خلال رؤية ايديولوجية، وسيقتلع 8000 انسان من بيتهم، مقابل ماذا؟ مقابل لا شيء؟"… "هذا الوضع اسود من السواد. انها نهاية الطريق. لن يكون هناك شيء بعد ذلك. انها بداية هولوكوست جديدة. لا يمكن السماح بتنفيذ ذلك".

وطالب بن ارتسي شارون بالاجابة على السؤال: "ما هو المقابل لهذا الاقتلاع؟ هل هناك اتفاق سلام في الافق؟ لكن الاجابة على هذه الاسئلة لن تصدر عن شارون. ولن يتمكن احد من استخراج الجواب منه"، قال.

لكن بن ارتسي أكد انه يعلم الاجابة وقال انه "لا منطق في هذه الخطة. ثمة منطق واحد فقط (يفسر) هذه الخطة: المنطق الذي يقود شارون مقابل النيابة العامة والمستشار القضائي (للحكومة الاسرائيلية)، ميني مزوز. ثمة شفافية في الامر. أليس كذلك؟ والا ما الذي جرى؟ فالوضع المحيط بنا لم يتغير. لقد حدث امر واحد وما يهمه هو امر واحد: ملفه. والا كيف يمكن تفسير التغيير الجذري في مواقف هذا الرجل؟ من الذي علمنا انه لن يتم تفكيك مستوطنة ابدا، وانه في اي اتفاق مستقبلي ستكون المستوطنات على شكل نتوءات وانه لن يتم اقتلاع اي مستوطن، اذا لم يكن هذا اريك شارون. من الذي وصف خطة (عمرام) متسناع للانفصال من جانب واحد بانها خطة جبانة وشريرة؟ من الذي قال لشمعون بيرس ان نيتساريم مثلها مثل النقب وتل ابيب؟ ما الذي حدث اذا؟ ان هذه (الخطة) احدى الخدع المخزية للغاية في التاريخ الحديث للعالم. لاول مرة في تاريخ اسرائيل يتلاعب رئيس حكومة بالدولة كلها وبشعبه، وفقا لمصالحه الشخصية. من اجل انقاذ نفسه. انه يفضل مصلحته الشخصية ومصلحة اولاده على مصلحة الدولة ووجودها".

ويرى بن أرتسي ان شارون "ادرك انه وصل الى طريق مسدود وبقيت لديه امكانية واحدة بالالتفاف على اليسار من اليسار. ولانه يعرف الروح السائدة لدى اليسار الاسرائيلي ورغبته بالسلام والثمن الذي يعرب اليسار عن استعداده لدفعه مقابل السلام، وشارون يعلم ان اليسار مستعد دفع ثمن "تبييضه" مقابل اخلاء القطاع. والفرضية التي ينطلق منها شارون هي ان بيرس وقيادة حزب العمل سيغضون النظر عن شؤونه القضائية، اولا لانهم سياسيون ويرغبون بالعودة الى الحكومة وثانيا اذا اقتنعوا بانه سينفذ اخلاء المستوطنات فانهم سيسامحونه على المخالفات القضائية".

ومضى بن أرتسي قائلا، وفق هذا المنطق، ان "النيابة العامة، وزارة القضاء، اجهزة الاعلام وكل النخبة الاسرائيلية تتكون بالاساس من اليساريين من ذوي النفوس الجميلة. هؤلاء الذين يملكون القدرة على اسقاط شارون. واذا اقنعهم بانه جدي في مسألة فك الارتباط فانهم سيماطلون ويؤجلون (اتخاذ قرار في ملاحقته قضائيا) ومن يعرف ربما ايضا يمنحونه عفوا. فلا احد يرغب بان يسجل التاريخ اسمه كمن اوقف مسيرة تاريخية باتجاه السلام مع الفلسطينيين فقط لانه اصر على مسألة قضائية ارتبطت باسم رئيس الوزراء".

ويوجه بن ارتسي انتقادات الى جميع الوزراء في حكومة شارون، لكن بشكل خاص ضد نتنياهو "لانه كان رئيسا للوزراء وعليه ان يبدي مسؤولية بشكل خاص". ويذكر ان نتنياهو اعلن تأييده لخطة فك الارتباط.

ولم تخفف القرابة العائلية بين بن أرتسي ونتنياهو من حدة الانتقادات التي يوجهها الاول للاخير. ففي نهاية العام 1996، عندما قرر نتنياهو الانسحاب من الخليل، اعلن بن ارتسي انه اخطأ عندما صوت لصهره لرئاسة الحكومة وانه ارتكب خطأ كبيرا لانه شجع اخرين على التصويت لنتنياهو. وقال بن ارتسي لنتنياهو من خلال المقابلة ان الأخير "يعتبر الزعيم القادم، وهو زعيم قومي. وانت ترى كيف ان شارون يبيع الدولة من اجل انقاذ ذاته. دعك من الاعتبارات الصغيرة، كن رجلا، انهض واضرب بيدك على الطاولة".

وأضاف بن ارتسي ان ما دفع نتنياهو الى تأييد خطة فك الارتباط هو الحفاظ على مكانته في الليكود وان لا ينتقم منه شارون اذا عارضها. وقال "انني اعرف تماما موقف نتنياهو من الخطة. فقد التقيته في حفل عائلي قبل بضعة اسابيع. سمعت رأيه بان انسحابا من دون مقابل كبير هو خطأ لا يجوز ان ترتكبه اسرائيل. لقد قال انه يعتقد بان خطة فك الارتباط سيئة للغاية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات