أظهر إستطلاع للرأي نشرته اليوم الأربعاء صحيفة "هآرتس" أن حوالي نصف الاسرائيليين (47 بالمئة) يعتقدون بأنه لا ينبغي الإفراج عن "جاسوس الذرة" الاسرائيلي، مردخاي فعنونو، الذي أفرج عنه اليوم الأربعاء،بعد أن أمضى مدة محكوميته، فيما قال 27 بالمئة إنه ينبغي الإفراج عنه بشروط تؤدي إلى تقييده وفقط 17 بالمئة أيدوا الإفراج عنه بدون شروط كهذه بينما بلغت نسبة الذين لا يتبنون رأيًا محدّدا من الموضوع 9 بالمئة.
وشمل الاستطلاع الذي أجراه معهد "ديالوغ" 500 شخص يشكلون عينة من السكان البالغين في إسرائيل مع هامش خطأ نسبته القصوى 4.38 بالمئة للسلب أو للإيجاب.
هذا ولدى تقسيم النسب المختلفة في الاستطلاع بموجب الانتماء السياسي- الحزبي تبين أن نسبة الذين يؤيدون الإفراج عن فعنونو بدون أية تقييدات تذكر، في أوساط اليسار الاسرائيلي، لا تتجاوز 37 بالمئة، في حين أن نسبة المعارضين للإفراج عنه في أوساط هؤلاء هي 17 بالمئة. وتبلغ نسبة المعارضين 63 بالمئة في أوساط اليمين و50 بالمئة في أوساط المركز.
هذا وأعاد السجال الدائر في إسرائيل حول الإفراج اليوم عن مردخاي فعنونو، الذي كشف قبل عقدين من الزمن أسرار الذرة الإسرائيلية، إلى الواجهة السلاح النووي الإسرائيلي وسياسة الغموض النووي. وكشف بحث نشر في مجلة علماء الذرة الأميركيين أن سياسة الغموض النووي الإسرائيلي لم تعد تخدم المتطلبات الأميركية ولذلك لا بد من إلغائها. ويظهر السجال المحتدم حول فعنونو الخلاف الدائم حول احتياجات إسرائيل الأمنية في الوضع الجديد.
وأبدت إسرائيل الرسمية انزعاجها من التركيز العالمي على قضية فعنونو والقيود المفروضة عليه. وجرى التركيز على محاولات من يوصفون بأعداء إسرائيل لإظهار التعامل الإسرائيلي مع فعنونو على أنه تعبير عن الوجه القمعي للنظام الإسرائيلي. وانتدب العديد من الوزراء والساسة أنفسهم لإظهار أن إسرائيل لم تعدم فعنونو كما كانت بريطانيا تفعل في الماضي ولم تفرض عليه السجن مدى الحياة كما تفعل الولايات المتحدة الآن مع الجاسوس جوناثان بولارد. ومع ذلك لم تفلح كل التبريرات الرسمية في الإجابة على سؤال جوهري هو: لماذا تقيد إسرائيل حركة فعنونو وتفرض عليه العزلة رغم أنه قضى مدة عقوبته القانونية كاملة؟
وسعى العديد من الساسة والمعلقين الإسرائيليين للإجابة عن هذا السؤال. وقال بعضهم إن الأمر يتعلق من الناحية الجوهرية برغبة ردعية تتجاوز فعنونو لتطال كل من يمكن أن يقدم على عمل كهذا في المستقبل. وذهب آخرون إلى القول بأن فعنونو ينوي كتابة كتاب يفضح فيه كل أسرار الذرة الإسرائيلية. ويشدد الوزراء الإسرائيليون، وخاصة وزير العدل يوسف لبيد، المكلف رسميا بالرد على جميع الاتهامات الموجهة لحكومته بهذا الشأن على أن فعنونو ما يزال يمتلك الكثير من المعلومات السرية. واعتبر لبيد أن فعنونو يحظى بدعم من جانب كل كارهي إسرائيل. وقال إن إسرائيل لا تريد المخاطرة بإلغاء القيود.. وهاجم لبيد مؤيدي فعنونو الدوليين الذين يطالبون بإلغاء القيود المفروضة عليه.
ولكن النبرة الأعلى جاءت من رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يوفال شطاينيتس، الذي طالب باعتقاله إداريا فور الإفراج عنه بدعوى انه يشكل خطرا على أمن إسرائيل. وقال إنه اطلع على مواد استخبارية تؤكد ذلك.
وأشار الكاتب رونين بيرغمان في "يديعوت أحرونوت" إلى أنه ليس من الصحيح أن فعنونو لا يزال يمتلك أسرارا نووية. ولكن ذلك لا يمنع الأجهزة الإسرائيلية من إعلان ذلك لا لشيء إلا لأنها لا تريد لأسرار أخرى أن تظهر إلى العلن. وأشار على وجه الخصوص إلى قضية الاختطاف، "فإذا روى فعنونو بالضبط أين وكيف اختطف، فقد يلحق ذلك حرجا دبلوماسيا شديدا بإسرائيل وبالموساد إزاء إيطاليا وأجهزتها الأمنية". وكتب أن "يحيئيل حوريف، المسؤول عن الأمن في وزارة الدفاع وعن سياسة "الغموض النووي" يخشى أساسا من "انفجار إعلامي" لناحية إعادة نشر وتوضيح الأمور التي سبق وإن نشرت". وكان حوريف قد شبه في الماضي الغموض بكأس الماء قائلا: "وظيفتي هي الحرص على ألا تسكب المياه من حافة الكأس. وإلى حين حدوث قضية فعنونو كان منسوب الماء منخفضا جدا. وفي أعقابها ارتفع بشكل كبير، ولكن الماء لم ينسكب بعد".
ووفق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فإن الأميركيين يغضون الطرف بعد أن تعهدت إسرائيل أمامهم بالمحافظة على الغموض. ونهاية الغموض سيجعل غض الطرف الأميركي أمرا متعذرا. وكتب بيرغمان أنه وصلت إلى الأجهزة الإسرائيلية معلومات عن برنامجين تلفزيونيين هامين في الولايات المتحدة توجها إلى فعنونو وعرضا عليه مبالغ مالية هائلة مقابل مقابلة تلفزيونية.
ولكن صحيفة "هآرتس" أعادت من ناحية أخرى نشر نبأ عن مقالة نشرت في مجلة "علماء الذرة الأميركيين" حول عدم حاجة أميركا الآن للغموض النووي الإسرائيلي. وكتب المقالة كل من الممثل الخاص السابق للرئيس بيل كلينتون لقضايا السلاح غير التقليدي، السفير توماس غراهام والباحث الإسرائيلي الشهير في الموضوع النووي، أفنير كوهين. وتقترح المقالة أن تكشف إسرائيل عن قدرتها النووية وتنضم إلى اتفاق جديد لمنع انتشار الأسلحة النووية بصفة مراقب على أن تنضم كذلك كل من الهند وباكستان إلى هذا الاتفاق.
وفي مقابلة مع "هآرتس" قال غراهام أن إسرائيل ستربح من وجود نظام تفتيش ناجع لأن إلغاء الغموض النووي الإسرائيلي سيسهم في إطالة عمر المعاهدة وسيساعد إسرائيل في إبرام اتفاقيات إقليمية لمراقبة التسلح. وفي نظره "لم يعد السلاح النووي الإسرائيلي سرا، فالجميع بشكل أو بآخر يعرفون ذلك. وقد حان الوقت لإنهاء سياسة: لا تسألوا ولن نحكي لأحد، وهي السياسة الضارة بإسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء".