قرر وزير العدل الإسرائيلي، يوسف لبيد، الغاء لقاء كان من المقرر عقده مع وزير الخارجية الألماني، يوشكا فيشر، بعض أن رفض الوزير الألماني إجراء اللقاء في مكتب وزارة العدل الاسرائيلية الواقع في القدس الشرقية المحتلة.وأوضح لبيد في معرض تعليقه على قراره بأن "القدس هي عاصمة إسرائيل ولن يقرر وزير الخارجية الألماني لنا أي أجزاء منها تخضع لسيطرتنا وسيادتنا". وأضاف لبيد في حديث مع "يديعوت احرونوت" أن تصرفه ليس ضد فيشر شخصيًا وهو غير نابع عن موقفه الشخصي من ألمانيا، وأضاف في هذا الصدد: "قد يعتقد الكثيرون أنني أريد التحرش بالوزير الألماني لأنني نجوت من الكارثة، لكن هذا غير صحيح إطلاقاً".
وأطلع فيشر على قرار لبيد وهو على متن الطائرة في طريقه إلى مطار "بن غوريون" الدولي، بعد اتصالات جرت بين الوزارتين. وسيمكث الوزير الألماني في إسرائيل مدة يومين، وسيزور السلطة الفلسطينية ليوم واحد، حيث سيحاول دفع الدور الأوروبي بخصوص "خريطة الطريق".
من جانبه، هاجم يوسي بيلين قرار لبيد وقال إن "المساس بصديق لإسرائيل لا يغير شيئا. شارع صلاح الدين لن يبقى تحت السيطرة الإسرائيلية في أي اتفاق دائم. قرار إقامة المكتب في هذا الشارع كان خطأ فادحًا. مكتب وزارة العدل والمحكمة المركزية التي أقيمت بالقرب منه تخلق بؤرة في مكان لا تربطه بإسرائيل أية علاقة".
وبحسب أقوال بيلين، فقد رفض مسؤولون أجانب أثناء توليه منصب وزير العدل عقد لقاءات في المكتب المتواجد في القدس الشرقية، وعليه تم عقدها في فندق في غرب المدينة أو في المكتب في تل أبيب. وأضاف بيلين: "ماذا يعتقد لبيد، أنه إذا لم يلتق به هناك، فسوف يحكم سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية؟ هذه حماقة. ليس لإسرائيل هناك سيطرة على شيء. كلما تجنبت إسرائيل السيطرة أمكنة لا تخصها، كان أفضل".
وتأتي زيارة وزير الخارجية الألماني، يوشكا فيشر، الى اسرائيل (7/4) في اطار جولة رسمية الى المنطقة تستغرق ثلاثة ايام، وتشمل ايضًا، السلطة الوطنية الفلسطينية. ومن المتوقع ان يكون برنامج زيارة فيشر في اسرائيل مكثفاً جداً، حيث سيلتقي كلا من: رئيس الحكومة ارئيل شارون، ووزير الخارجية سيلفان شالوم، ووزير الدفاع شاؤول موفاز، ووزير العدل يوسف لبيد، والرئيس الاسرئيلي موشيه قصاب، ورئيس حزب العمل عمرام متسناع، كما سيلتقي ايضاً ابناء عائلات الجنود الاسرائيليين المفقودين. اما في مناطق السلطة الفلسطينية، فسيلتقي فيشر كلا من الرئيس ياسر عرفات ورئيس الحكومة الجديد ابو مازن.
وكان فيشر ينوي زيارة البلاد منذ فترة، لكنه اضطر الى تأجيلها مرارًا، بسبب الانتخابات في المانيا اولا، ثم الانتخابات في اسرائيل، ثم النشاط الدبلوماسي الذي قام به بشأن الحرب على العراق.
ومنذ بداية الازمة حول العراق، اتخذت المانيا موقفاً واضحاً ضد الحرب واقامت محورًا مشتركًا مع فرنسا وروسيا. وفي شهر كانون الثاني انضمت المانيا الى مجلس الأمن عضواً مؤقتاً، فتقدم فيشر الى طليعة الحلبة الدولية. وكرئيس دوري للمجلس، تولى فيشر ادارة عدد من جلساته الدراماتيكية حول العراق.
ويرى بعض المحللين السياسيين الاسرائيليين ان توقيت الزيارة الى اسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية ـ بينما الحرب في العراق في ذروتها ـ بعيد جدًا عن يكون بريئاً. وفي ذلك تكتب "يديعوت احرونوت" (7/4): "لو كانت اسرائيل تعرضت الى هجوم صاروخي، لكان بامكان فيشر ان يعرض زيارته كأنها لفتة تعاطف معها. ولكن، بما ان الخطر العراقي قد زال على ما يبدو، فان فيشر ينوي استغلال محادثاته هنا لدفع افكاره السياسية بشأننا].
ويقوم فيشر بهذه الزيارة ليس فقط كوزير للخارجية الألمانية، وانما ايضًا كرأس حربة "الهجمة الاوروبية المستقبلية على الهدف التالي في الشرق الاوسط ـ اسرائيل"، كما تقول "يديعوت". مقربوه يدعون بأن الوقت مناسب الآن لاجراء اتصالات سياسية: فهناك حكومة جديدة في اسرائيل، وفي الجانب الفسطيني يدل تعيين ابو مازن على تقدم في تطبيق الاصلاحات المؤسساتية في السلطة الفلسطينية.
ويسود بين الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي اجماع على انه "بعد العراق ينبغي ثني اسرائيل، وكذلك الفلسطينيين بدرجة ما، من اجل تحقيق تسوية سياسية بين الطرفين". وفي برلين يقولون صراحة، ان زيارة فيشر الى البلاد ترمي الى اعادة الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني الى مركز الاهتمام الدولي، لكي لا يلفه النسيان حيال مشاهد الحرب في العراق. "اسرائيل ستكون الضحية القادمة للحرب في العراق"، يقول دبلوماسي اسرائيلي يعمل في اوروبا، بسخرية.
ويدعي الاوروبيون أن الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني هو "مصدر كل المصائب في الشرق الأوسط، وفي العالم كله ايضا بدرجة غير قليلة". وتعزز هذا التوجه بشكل كبير في اعقاب احداث 11 أيلول 2001. فبينما طور الأمريكيون توجهًا اقليمياً تجاه الشرق الأوسط ينظر الى الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني باعتباره عنصرًا واحدًا في دائرة اوسع من المشاكل، يفضل الأوروبيون التركيز على هذا النزاع فحسب. ويقولون انه طالما لم ينته هذا الصراع الى حل، فلن يكون بالامكان تهدئة الاوضاع في المنطقة ومحاربة التطرف الديني الذي يهدد اوروبا بموجات من الارهاب.
ويعد الألمان، الذين يعتبرون حتى الآن الاصدقاء الأكثر اهمية لاسرائيل في الاتحاد الاوروبي، هم شركاء كاملين في هذا التوجه السياسي. "العراق يشكل، بلا شك، مشكلة"، يقول مصدر الماني لصحيفة "يديعوت احرونوت" (7/4)، "لكن الطريقة الوحيدة لمواجهة المشكلة الاقليمية هي حل النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني. سيكون لذلك تأثير ايجابي على المنطقة بأكملها، يسمح ايضًا بعزل الأنظمة المتطرفة وممارسة المزيد من الضغوط عليها".
وعبَّر المستشار الألماني غيرهارد شرودر، عن هذا التوجه في الخطاب الذي القاه في البرلمان الالماني الاسبوع الفائت. "بعد انتهاء الحرب في العراق"، قال، "ينبغي المبادرة الى عملية استقرار شامل في الشرق الأوسط، تستوجب ايضا التطبيق السريع لـ "خارطة الطريق". واشار شرودر الى انه في المرحلة الاولى من تطبيق الخطة، يتعين على السلطة الفلسطينية اعتماد اصلاحات. ويتعين على اسرائيل، من جانبها، وقف اعمال الاستيطان.
وبشكل مفاجىء، لم يضمّن شرودر خطابه مطالبة بوقف الارهاب الفلسطيني واعمال العنف.
"يجب الحذر من خلق علاقة بين العراق وبين المسألة الفلسطينية"، يقول رئيس البرلمان الألماني، وولفغانغ تيرزه، عضو الحزب الاشتراكي الدمقراطي الحاكم.
فيشر - خلافاً لبعض زملائه في الاتحاد الاوروبي - معروف بأنه صديق حقيقي لاسرائيل. يستطيع الاوروبيون استخدامه قرصًا مهدئاً في القدس الغربية، تمهيدًا للضغوطات المخطط ممارستها. بدلا من المواجهة مع الاسرائيليين، سيقول فيشر ان كل ما يفعله انما هو لصالح اسرائيل، وقد تلقى اقواله آذانا صاغية. خلال اشهر المواجهة الطويلة مع الولايات المتحدة حول قضية العراق، صرح فيشر بأن معارضته للحرب نابعة من القلق العميق على اسرائيل - خوفًا من تعرضها لهجمات عراقية و"لموجات غير مسبوقة من الارهاب".
سيقوم فيشر بحملة "علاقات عامة" لـ "خارطة الطريق" التي وضعتها اللجنة الرباعية - وهي خطة مبنية على مبادرة سياسية كان هو نفسه طرحها قبل سنة بالضبط، في اوج المواجهة العسكرية بين اسرائيل والفلسطينيين. وفي صلب هذه المبادرة، اقامة جسم دولي يشرف على التوصل الى تسوية ويراقب تنفيذها في اطار جدول زمني محدد وملزم.
في اسرائيل ينظرون بعين الريبة الى هذه "التبشيرية الألمانية". "اوروبا ليست ذات اهمية في موضوع خارطة الطريق"، يقول مصدر سياسي اسرائيلي (يديعوت 7/4). "اوروبا معنية بالعمل من اجل التوصل الى تسوية بين اسرائيل والفلسطينيين، لكنها لن تكون قادرة على دفع أي تحرك في الشرق الأوسط لوحدها. فعلى الرغم من كل الجهود التي بذلوها، لم يفلح الاوروبيون في اقناع حركة حماس بالموافقة على وقف لاطلاق النار، وبذلك تأكدت محدودية قدرتهم وتأثيرهم. سيتعين عليهم ملاءمة انفسهم للولايات المتحدة ومن الصعب عليهم الاقرار بذلك وتقبله".
لكن ثمة تفاهم الآن بين اوروبا والولايات المتحدة على ضرورة دفع "خارطة الطريق"، بأي ثمن، من خلال ممارسة ضغوط شديدة على الطرفين. ومن الواضح للأوروبيين ان نجاحاً امريكيا في العراق سيضعف حضورهم ووزنهم الساسيين في المنطقة.