المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* وكالات الانباء، "السفير"، "هآرتس"، "المشهد الاسرائيلي":أعلنت السلطات العسكرية الإسرائيلية أن وحدة الكوماندو البحري <<شييطت 13>> سيطرت على سفينة مصرية تدعي انها كانت معدة لتهريب الأسلحة الى المناطق الفلسطينية، وأوضحت أن عملية السيطرة جرت قبالة شاطئ حيفا وتمّ اعتقال سبعة أفراد هم طاقم السفينة و<<الراكب الثامن>> الذي قالت إنه <<خبير متفجرات>> من <<حزب الله>>، الذي أعلن في بيان رسمي أن لا علم له بالرواية الإسرائيلية، وأن أياً من أفراده لم يتعرض للاعتقال في الأيام الماضية.

وقد وقعت عملية السيطرة على <<سفينة الأسلحة>> التي سرعان ما تبين أنها زورق صيد مصري ليلة الثلاثاء الماضي. وبحسب آخر المعلومات فإن الحديث بات يدور ليس عن <<تهريب أسلحة>>، وإنما عن <<تهريب تكنولوجي>>. إذ أن الزورق لم يكن يحمل أسلحة، وإنما <<نماذج>> أعتدة. وبحسب التلفزيون الإسرائيلي كان على الزورق <<خبير متفجرات من حزب الله يحمل معه نماذج وإرشادات مفصلة من الصناعة العسكرية لحزب الله وإيران>>. وضمت <<الشحنة>> نماذج لدوائر توقيت كهربية وصواعق لصواريخ من عيار 122 ملم، وأشرطة وأقراص كمبيوتر تحتوي على إرشادات مفصلة لكيفية إعداد الأحزمة الناسفة والعبوات وصواريخ الكاتيوشا.

وكان زورق الصيد المصري الذي يحمل اسم <<أبو حسن>> قد خرج قبل أكثر من أسبوع من ميناء رشيد قرب الإسكندرية وتوجه الى ميناء مرسى مطروح. وحسب المعلومات الإسرائيلية انطلق من هناك باتجاه الشواطئ اللبنانية. وقبالة بيروت توجه نحو زورق سريع يقل، حسب الادعاء الإسرائيلي، ثلاثة من رجال حزب الله الذين قاموا بنقل <<الراكب الثامن>> من الزورق السريع الى زورق الصيد المصري. ولم يكن هذا <<الراكب الثامن>> إلا <<خبير المتفجرات>> الذي أصرّ في التحقيق معه على أنه مصري يعيش في لبنان ويحمل اسم حامد مسلم أبو عمرة. وتشير إسرائيل الى عدم تصديقها أن <<الراكب الثامن>> هو مصري يحمل هذا الاسم، فهي بحاجة لإثبات أنه خبير متفجرات وتصنيع معدات عسكرية من حزب الله لإتمام صورة <<العلاقة الدولية الخطيرة>> بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وكل من حزب الله وإيران. وهي هنا تحاول تكرار الادعاء الذي غيّر الموقف الأميركي، في حينه، من الرئيس عرفات بعد ضبط سفينة السلاح <<كارين أ>> عام 2002.

وبموجب هذه العلاقة، فإن ستة من المصريين، أفراد الطاقم، هم أناس لا شأن لهم بالقضية. ولكن <<قائد الزورق>>، المصري السابع، وبحسب الادعاء الإسرائيلي، سبق أن تدرب لدى حزب الله، وهو يقيم علاقات عمل مع عادل المغربي. ومن جهة، فإن عادل المغربي، وفق الرواية الإسرائيلية، هو المسؤول في منظمة فتح عن تهريب الأسلحة، وهو يرتبط بشكل مباشر بفتحي رازم، النائب السابق لقائد الشرطة البحرية الفلسطينية. أما رازم فهو <<المقرب>> من الرئيس عرفات.

وقد سوّقت إسرائيل هذه التشكيلة نفسها عندما تحدثت عن سفينة <<سنتوريني>> وسفينة <<كارين أ>>. وهي تردد اليوم أن <<قائد الزورق>> المصري كان على صلة مع عادل المغربي وفتحي رازم بتهريب السفن الثلاث.

ورغم الاتهام الإسرائيلي الصريح للسلطة الفلسطينية بأنها تقف خلف هذه <<السفينة>>، إلا أنها تشير من ناحية أخرى الى أن هدف السفينة لم يكن الأراضي الفلسطينية مباشرة. بل توضح أن السفينة كانت ستعود الى الشواطئ المصرية، وفقط بعد ذلك يتم تهريب <<خبير المتفجرات>> الى قطاع غزة عبر الأنفاق السرية في منطقة رفح.

وأوضحت مصادر صحافية إسرائيلية أن أبو عمرة أشار في التحقيق الذي جرى معه أنه متزوج من لبنانية ولذلك يقيم هناك. وتجري الآن محاولات للضغط عليه للتحقق من جنسيته الحقيقية. وحاولت إسرائيل أن تخلق من <<السيطرة>> على <<السفينة>> قصة بطولية، فأوكلت مهمة قيادتها لأحد قادة أكبر القواعد البحرية الإسرائيلية، وهو ضابط برتبة عميد، وأشركت في العملية أفضل وحدة نخبة لديها. ولذلك ربما تحاول تصوير القضية وكأنها عملية مشتركة بين الرئيس عرفات والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

وبغية إضفاء هذه الصورة على <<زورق الصيد>> الذي لا يزيد طوله عن سبعة أمتار، جرى الحديث هذه المرة عن أن الحيلولة دون وصول <<الشحنة التكنولوجية>> الى الفلسطينيين منع حدوث <<قفزة نوعية>> في <<الأداء العملياتي>> الفلسطيني. إذ ان وصول <<الخبير>> و<<الوسائل الإرشادية>> الى الأراضي الفلسطينية كان سيقود، حسب إسرائيل، إلى إنتاج صواريخ كاتيوشا، وبالتالي وضع مدينة عسقلان و<<مزرعة شارون>> في دائرة الخطر، وليس فقط سديروت.

وأوضحت مصادر إسرائيلية أن السيطرة على الزورق استغرقت بضع ثوان، ولم تطلق فيها طلقة واحدة.

اسرائيل ليست متفاجئة

السيناريو الذي أُحبط هذا الاسبوع، في الليلة الواقعة بين الثلاثاء والاربعاء، في عرض البحر الأبيض المتوسط، لم يكن غير متوقع من قبل اجهزة الأمن الاسرائيلية. ففي آب 2001، قال ضابط كبير في شعبة الاستخبارات العسكرية لصحيفة "هآرتس" ان تخوف اسرائيل الأكبر في مجال "الارهاب" هو من ادخال "مهندس" - خبير متفجرات أجنبي تلقى تدريباته لدى حزب الله - الى المناطق (الفلسطينية)، بحيث يتمكن الفلسطينيون، بواسطته، من تحقيق تقدم كبير في نوعية المواد المتفجرة التي يستخدمونها في العمليات الانتحارية.

وبالرغم من التوقعات المسبقة، تبدو الخطة التي تدعي اسرائيل احباطها هذا الاسبوع، في عملية الكوماندوز البحري، طموحة بشكل خاص: رجل "حزب الله" الذي تم اعتقاله، حماد مسلم موسى ابو عمارة، ضُبط وفي حوزته معدات مختلفة لتحضير عبوات ناسفة وكمية هائلة من المواد النظرية - التعليمية حول الموضوع.

في اللقاء مع الصحفييين (22/5)، ادعى ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي ان الشركاء الكاملين في هذه الخطة هم مسؤولون رفيعون في السلطة الفلسطينية، "من أتباع الرئيس ياسر عرفات".

من التفاصيل الجزئية التي سُمح بنشرها، فإن ان العملية الفلسطينية - اللبنانية، التي كان هدفها النهائي بحسب المزاعم الاسرائيلية هو تهريب خبير المتفجرات الى قطاع غزة، بدأت في 16 أيار في شاطئ رشيد قرب الاسكندرية في مصر. قارب الصيد المصري "ابو حسن" انطلق، آنذاك، في طريقه الى لبنان. في البداية، أبحر غربا، على طول الشواطئ المصرية، في محاولة منه ـ كما يبدو ـ للتمويه على هدف رحلته وإظهار إبحاره وكأنه مهمة صيد عادية.

على متن القارب كان سبعة اشخاص، جميعهم مواطنون مصريون: صاحب القارب، صياد سيتبين لاحقا – بحسب اسرائيل، مرة اخرى - انه كان قد اقام في السابق علاقات مع حزب الله، وستة صيادين آخرين، يصفهم الجيش الاسرائيلي بأنهم "سُذّج". في 17 أيار، بعد ان رسا في شاطئ "مرسى مطروح" في مصر، غادر القارب متوجها شمالا ـ شرقا. وفي ليلة 19 أيار اتفق على لقاء بحري مع قارب آخر، كان يستقله رجال حزب الله.

سيطرة سريعة

في تمام الساعة العشرة مساء، على بعد كيلومترات قليلة من شاطئ بيروت، حمل "ابو حسن" الرجل الذي يسميه سلاح البحرية الاسرائيلية اليوم بـ "المسافر الثامن". وفقا لأنظمة الارتباط التي تم الاتفاق عليها مسبقا، صعد ابو عمارة الى القارب المصري، من قارب حزب الله، الذي كان على متنه ثلاثة من مقاتلي المنظمة المسلحين. كان ابو عمارة يحمل ثلاث رزمات من المعدات والوسائل القتالية والارشادية. غيّر قارب الصيد اتجاهه، مرة اخرى، وبدأ يبحر غربا، باتجاه مصر. تقديرات الجيش الاسرائيلي تدعي ان النية كانت تتجه نحو انزال ابي عمارة على الشاطئ المصري ليتم ارساله من هناك، سوية مع المعدات التي كانت على القارب وبواسطة رجال اتصال، الى مناطق السلطة الفلسطينية في غزة، "عبر الأنفاق في رفح".

وتمضي الرواية الاسرائيلية في نسج خيوط الرواية: "بعد يوم من اللقاء مع رجالات حزب الله، ضبط سلاح البحرية الاسرائيلي القارب المصري قبالة شواطئ حيفا. التصقت قوة من الكوماندوز البحري بقارب "ابو حسن"، بواسطة قارب مطاطي. طاقم القارب لم يبد اية مقاومة لاعتقاله. "وخلال التفتيش تم التعرف، مباشرة، على "ابو عمارة" وصاحب القارب وتم وضع اليد على الرزم التي كانت بحوزتهم".

وكما حصل في محاولتي التهريب السابقتين عبر البحر ـ "سانتوريني" في ايار 2001 و "كارين إيه" في كانون الثاني 2002 ـ انتهت عملية السيطرة على القارب دون اية تشويشات. وقد تولى قيادة العملية العميد يوفال، قائد قاعدة سلاح البحرية الاسرائيلي في حيفا، والعقيد رام، قائد الأسطول. فقط في وقت لاحق تم اختيار اسم لهذه العملية - وكما هو متوقع لم يستطع الجيش التخلي عن المقارنة الهوليوودية، فأطلق عليها اسم "المسافر الثامن".

مسؤولو سلاح البحرية يقولون انها كانت عملية "تهريب هاي - تك". الحمولة التي كانت بحوزة ابي عمارة كانت مثيرة في حجمها. وقد اشتملت على صمامات لقذائف صاروخية بقطر 122 ملليمترا، متوفرة لدى حزب الله (قذائف من هذا النوع تم ضبطها ايضا على متن سفينة كارين إيه لكنها ، على الأرجح، غير متوفرة الآن لدى الفلسطينيين)، 15 جهاز توقيت الكتروني لاعداد وتحضير عبوات ناسفة، ثلاث منظومات تشغيل لاسلكي، والأهم - مجموعتان تضم كل واحدة منها 36 قرصا مضغوطا، لا يزال الجيش يفحص محتوياتها، لكن ما تم ضبطه حتى الآن مثير جدا.

توجيهات للانتحاريين

القراص المضغوطة يحتوي على أفلام ارشادية، تشرح تفصيليا كيفية تركيب عبوات ناسفة متنوعة وكيفية استخدامها وتشغيلها. بين العبوات الناسفة التي تشرح عنها هذه الأفلام: مادة متفجرة قاتلة من نوع "آر دي إكس"، وعبوات ضد الدبابات وأحزمة متفجرات. وتشمل الأفلام، ايضا، شرحا عن كيفية تشغيل أجهزة التوقيت الألكترونية والمنظومات اللاسلكية، بل ونصائح حول الموقع الأفضل الذي يتعين على الانتحاري الوقوف فيه في الحافلة لدى تفجيره العبوة، من اجل ايقاع اكبرعدد من الضحايا بين الركاب.

ضابط اسرائيلي كبير قال ان المستوى المهني لهذه الأفلام راق جدا. "ليتنا نحافظ، نحن، على مستوى كهذا دائما"، اضاف.

"على الرغم من ان الفلسطينيين في المناطق (الفلسطينية) يجيدون، بالتأكيد، تركيب وتحضير أحزمة متفجرات، الا ان تحضير العبوات الأخرى التي تظهر في الأفلام كان، حتى الأن، من اختصاص جنوب لبنان فقط"، يكتب عاموس هرئيل في "هآرتس" (23/5). "ويبدو ان بعض هذه الافلام تم تصويرها في مناطق تدريبات تابعة لمنظمة حزب الله في البقاع اللبناني".

ويعتقد الجيش الاسرائيلي بأن مهمة ابي عمارة كانت، اساسا، "تدريب وتأهيل أجيال جديدة من المهندسين، استنادا الى التجربة التي اكتسبها في لبنان".

المعدات والوسائل القتالية هذه كان من المفترض ان تساعد في تحضير عبوات ناسفة أكثر نجاعة وفتكا. وكانت تلك - كما يقول الجيش - الاسرائيلي محاولة لتحقيق "قفزة نوعية" في تحضير العبوات، "تماما كما كانت قذائف الكاتيوشا التي تم ضبطها على "كارين إيه" معدة لتحقيق هدف مماثل".

لغاية الآن، كانت غالبية العمليات الانتحارية تنفذ بمواد متفجرة غير ذات مواصفات وبوسائل ارتجالية. اما الوسائل التي احضرها المهندس معه فقد كان من المفترض ان تضمن حدا ادنى من الأعطال والتشوشات في تشغيل العبوات الناسفة. "هآرتس": "صمامات القذائف الصاروخية كان من شأنها مساعدة الفلسطينيين في تحسين جودة القذائف المتوفرة في حوزتهم اليوم، بغية زيادة مداها وتعزيز قوتها الضاربة، لزيادة الأضرار التي توقعها".

"تورط" السلطة الفلسطينية لم يثبت بعد

ويقولون في الجيش الاسرائيلي انه "ثبتت العلاقة بين صاحب قارب الصيد المصري وبين عادل المغربي، "مخطط المشاريع" في السلطة الفلسطينية في كل ما يتصل بتهريب الأسلحة". وكان الرجلان – بحسب المصادر الاسرائيلية أيضا – "قد عملا معا في عمليات تهريب سابقة". المغربي يعمل تحت امرة نائب قائد سلاح البحرية الفلسطيني سابقا واحد مقربي ياسر عرفات: "الرجلان يقضيان اوقاتهما في لبنان وتونس لتنظيم عمليات تهريب الأسلحة. اوساط المخابرات الاسرائيلية تقول ان تمويل نشاطاتهما يأتي من مكتب عرفات".

"في الاسبوع الذي يتحدثون فيه عن التغيير الذي يبشر به ابو مازن"، قال ضابط اسرائيلي كبير، " تأتي الدلائل على ان عناصر في السلطة الفلسطينية، مرتبطة كما يبدو بالقيادة العليا، بمحور عرفات، تواصل الكفاح المسلح، والارتباط مع عناصر راديكالية مثل حزب الله. "في ليلة واحدة فقط يتقزم التغيير الاستراتيجي في السلطة الفلسطينية". ضباط الجيش الاسرائيلي حرصوا على تأكيد العلاقة الوهمية للرئيس عرفات، غير ان هذا يبدو - حتى الآن - الجزء الأقل اقناعا من بين المعلومات التي يقدمها الجيش الاسرائيلي.

الضباط اعترفوا بأنهم لا يعلمون، حتى الآن، الجهة التي كان من المفترض ان تستقبل "المهندس" في القطاع وبأن ليست لديهم، حتى اللحظة، اثباتات على تورط الرئيس مباشرة في هذه القضية. "هآرتس": "اذا كان صحيحا، حقا، ان ابي عمارة كان مبعوثا الى السلطة الفلسطينية، فان السؤال المطروح هو ما اذا كانت السلطة تخطط لتشغيل "مهندسين" خاصين بها، في الوقت الذي ترسل "حماس" و "الجهاد الاسلامي" عددا اكبر من الانتحاريين، مما يرسله "التنظيم" (الذين تربطهم علاقات مع افراد الاجهزة الأمنية في السلطة)".

اما في ما يتعلق بمصر، فالاعتقاد السائد لدى الجيش هو انها غير ضالعة في القضية. "المصريون ليسوا طرفا في القضية. فهم لا يؤيدون الارهاب، ولو كانوا يعلمون لقاموا بتوقيف القارب واعتقال افراده"، قال احد الضباط.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الكاتيوشا, قائد سلاح البحرية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات