لا نغالي إذا قلنا إن إسرائيل ترى أن مصيرها بات معلقاً، وإلى حد كبير، على نتائج الحرب ضد العراق، إذ أن تصاريف القدر شاءت أن تكون هذه الحرب، إلى حد ما، بمثابة صراع على النظام الدولي الجديد، بين الأحادية والتعددية القطبية، بين أمريكا وأوروبا وحلفائها (روسيا ـ الصين)، لا سيما أن نتائج هذا الصراع ستقرر شكل النظام الإقليمي وكيفية حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
سددت الحرب، التي لم تنل تصديقًا دولياً، ضربة كبيرة إلى القانون الدولي وإلى دور الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع لها. وفي الواقع فإن هذه الحرب قد تدخل كتاب التاريخ بوصفها نقطة تحول من وضع القوة المتعاظمة والاحترام اللذين اكتسبهما المجتمع الدولي إلى وضع تكون فيه القوة العظمى الوحيدة ليس فقط الطرف الذي يتجاهل الشرعية الدولية، بل الذي يستبدل بها الأحادية. تستند عملية سلام الشرق الأوسط إلى الشرعية الدولية وإلى الحاجة إلى التمسك بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتطبيقها. والآن نرى الدولة ذاتها التي تشرف على عملية السلام قد أشاحت بوجهها عن المنبر الدولي وقررت أن تسلك السبيل الذي اختارته منفردة.
من مفارقات الأقدار وسخرياتها ان بغداد رفعت في حربها ضد إيران شعار <<الطريق الى القدس يمر بطهران>>. ثم دارت دورة الزمن وإذا بنا نفاجأ بإسرائيل وقد رفعت شعار <<الطريق الى القدس يمر ببغداد>>. وأخشى ما أخشاه ان يكون الفرق بين الحالتين بحجم المسافة بين الهزل والجد.
حروب المنطقة كلها كانت تصب في خدمة السياسة الإسرائيلية وفي منبع التآمر الأمريكي على الشعوب العربية وتطورها، فحرب العراق وإيران جاءت لتخدم المشروع الإسرائيلي الأمريكي في الإنفراد بالمنطقة، وكذلك ديمومة التفوق الإسرائيلي على جميع أنظمة الحكم في الشرق الأوسط. ونتائج الحرب العراقية - الإيرانية وبدايتها كما نهايتها كانت مؤسفة ومخجلة، وكانت تعبر عن جهل وقلة تفكير الذين فرضوها على شعوبهم وعلى المنطقة وعلى العالم.
الصفحة 69 من 81