يدعي مؤيدو الحرب الإسرائيلية على لبنان ومنتقدو "مغامرة" المقاومة المزعومة بأن هذه الحرب عادلة وشرعية، فهي ليست إلا رداً على خرق السيادة الإسرائيلية المتمثلة في اجتياز مقاتلي حزب الله للخط الأزرق وأسر جنديين إسرائيليين.
وعلى الرغم من أن هذا الخط هو ليس حداً معترفاً به دوليا بين إسرائيل ولبنان، إلا أن الحكومة اللبنانية أرسلت رسالة إلى الأمم المتحدة بعد انسحاب إسرائيل من معظم جنوب لبنان تقول فيها إنها ستحترم هذا الخط إلى أن يتم ترسيم الحدود نهائيا بين البلدين. ترفع إسرائيل، إذا، أو كما يبدو، حقها بالدفاع عن النفس واستعمال القوة وفقا للبند السابع لميثاق الأمم المتحدة.
حرب إسرائيل على لبنان غير عادلة وغير شرعية من وجهة نظر القانون الدولي، وذلك للأسباب التالية:
1. منذ خروج إسرائيل من معظم جنوب لبنان في العام 2000 تم خرق حدوده، وليس فقط خرق الخط الأزرق، جويا عشرات المرات على الأقل من قبل سلاحها الجوي، غالبا لتنفيذ عمليات استخباراتية. إذا كان اختراق الخط الأزرق يشرعن إعلان الحرب، فكان من حق الدولة اللبنانية إعلانها على إسرائيل عشرات المرات على الأقل، ومن حق المقاومة أن تقاومها. كما تؤسس هذه الاختراقات المتعاقبة، واستمرار احتلال مزارع شبعا واحتجازها لأسرى لبنانيين، حالة عدوان مستمرة من قبل إسرائيل على لبنان، وليست حالة جيرة طيبة أو اتفاق سلام بين البلدين. وننوه هنا إلى أنه لا يوجد مصطلح "اختطاف جنود" في القانون الدولي. فهؤلاء يحق استهدافهم قانونيا، ويمكن أسرهم. المدنيون يختطفون وليس الجنود، خاصة حين يرتدي هؤلاء زيهم العسكري ويقومون بمهمات عسكرية.
2. حتى لو كان هناك مبرر قانوني لشن الحرب الإسرائيلية في أعقاب عملية حزب الله، فإن هذه الشرعية مختزلة لإزالة آثار العملية العدوانية المفترضة. أي في حالتنا رد معين على حزب الله ومحاولة إرجاع الجنديين الأسيرين. لكن إسرائيل لم ترد على المقاومة اللبنانية، ومنذ اليوم الأول لعدوانها أعلنت أن أهداف الحرب هي تغيير قوانين اللعبة السياسية في لبنان، ملوحة بقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 1559. اختفى الأسيران الإسرائيليان مع انتصاب كرامة قيادات الجيش الإسرائيلي وسياسييها المضروبة. كل ذلك على الرغم من أن سماحة السيد حسن نصر الله أعلن مباشرة بعد عملية أسر الجنديين انه بالإمكان إرجاعهما بواسطة التفاوض غير المباشر وانه غير معني بمواجه شاملة، إلا انه مستعد لها إن فرضت.
3. جزء لا يتجزأ من تشريع حرب هو ممارستها أيضا. ولا شك أن ممارسات إسرائيل منذ اليوم الأول لعدوانها على لبنان خرقت ابسط القوانين الدولية الملزمة لها، فضلا عن أكثرها تعقيدا. وأنا لا أتحدث عن أن القصف الإسرائيلي لم يكن متناسبا مع حجم "العدوان الذي تعرضت له"، بل عن عدم قانونية استهدافاتها بشكل مطلق. لا يمكن اليوم إنكار أن إسرائيل استهدفت المدنيين والمنشآت المدنية والبنى التحتية المدنية كوسيلة ضغط على الحكومة اللبنانية. ويمكن طبعا اعتبار هذه العمليات إرهابا، لأنها استهداف لمدنيين من اجل تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية. ولكن يمكن ويجب، عطفا على سمتها الإرهابية، وصفها بالتسمية القانونية باعتبارها ليست جرائم حرب فحسب، وإنما جرائم ضد الإنسانية أيضا.
4. لم يضرب حزب الله العمق الإسرائيلي إلا كرد على القصف الإسرائيلي العشوائي للمدنيين في لبنان. وكان الجيش الإسرائيلي قد صرح للإعلام الإسرائيلي في بداية عدوانه الأخير، ربما سهوا وقبل تشغيل براثن الرقابة العسكرية، إن 75% من استهدافات حزب الله لإسرائيل هي مناطق عسكرية وسائرها هي مناطق مدنية.
5. تقول إسرائيل بأن حزب الله يقوم باستغلال المدنيين كدروع بشرية فيقوم بأعمال عسكرية من بينهم. إلا انه حتى الآن ومن الصور التي استطاع سلاح الطيران تصويرها عند إصابة إطلاق صواريخ هنا أو هناك، نرى أن هذا الإطلاق يتم من بين الأشجار وليس من المنازل كما يدعي الجيش الإسرائيلي. وقامت إسرائيل بقصف الضاحية الجنوبية في بيروت لأن قيادات حزب الله العسكرية تجلس هناك. حسب هذا المنطق، يمكن قصف حي مركزي في تل أبيب، فقيادة الجيش الإسرائيلي تجلس هناك، في الكرياه، وسط أهم بلدة إسرائيلية.
6. تستند إسرائيل في قصفها وعملياتها العسكرية الأخرى، في لبنان وغزة على حد سواء، إلى نظرية قانونية غريبة ابتدعها قانوني إسرائيلي يدعى يورام دينشطاين. وحاضر الأخير في كلية الحقوق في جامعة تل أبيب لسنوات طويلة إلى أن اشغل منصب رئيس هذه الجامعة. ويعمل اليوم كمستشار لمركز أبحاث حول القانون الإنساني الدولي في جامعة هارفرد. أما موضوع استشارته فهو القصف الجوي. وكان هذا المستشار قد قدم المساندة القانونية لإسرائيل في دحضها لقرار محكمة العدل الدولية في مسألة الجدار أمام المحكمة العليا الإسرائيلية. ووفقا لنظرية دينشطاين يجوز إصابة مدنيين إذا كان استهداف القصف هو لموقع عسكري. يدعى ابتداع الخبير القانوني "ضرر عرضي" وبلغة كتابه الانجليزية من العام 2004 “collateral damage”. وتتعارض هذه النظرية مع أبسط قواعد القانون الدولي وهي تحييد المدنيين عن أي صراع عسكري. كما أن تطبيقها غير ممكن، لا بل هو يطلق أيدي الجيش الإسرائيلي للفتك أكثر وهو غير المكترث بالقانون أصلا.
7. بما أن إسرائيل ولبنان لم تصادقا على معاهدة روما التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، فمن الصعب أن نتوقع إمكانية محاكمة المسؤولين الإسرائيليين لارتكاب هذه الجرائم فيها. ونحن نقصد هنا بالمسؤولين قيادات عسكرية ميدانية وغيرها سياسية مثل قائد سلاح الجو الإسرائيلي، اليعيزر شكيدي، وقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أودي ادم، ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس، ووزير الدفاع الإسرائيلي، عمير بيرتس، ورئيس الحكومة، إيهود أولمرت. بالرغم عن ذلك، بالإمكان ملاحقة هؤلاء المسؤولين قضائيا، في دول تشمل قوانينها صلاحية المحاكمة الدولية، وذلك بعد انتهائهم من إشغال مناصبهم الحالية كي لا يتمتعوا بحصانتهم كادعاء دفاع ناجح.
8. لا مجال للشك اليوم أن لبنان هو بلد محتل من قبل إسرائيل. فالأخيرة تمارس السيطرة الفعلية على البلد من ناحية حرية الحركة، وهو الامتحان الأول والأبرز لاعتبار منطقة معينة كمنطقة محتلة. فلا دخول ولا خروج من لبنان إلا بسماح من إسرائيل التي تحكم السيطرة على مثل هذه الحركة بريا، جويا، وبحريا. وتخضع إسرائيل لواجبات جمة وفقا للقانون الدولي في أعقاب سيطرتها الفعلية المذكورة، ولا بأس بتذكيرها بوضعيتها الجديدة، بدلا من توفير الغطاء السياسي لممارساتها الكارثية.
يمكن الإسهاب أكثر في خروقات إسرائيل للقانون الدولي، وتطويرها لنظريات مريبة تنسف انجازات تقدّم هذا القانون على مدى سنوات. ونكتفي بهذا الحد من الملاحظات، مع إدراكنا أنه لا طائل من المعايير القانونية في غياب إرادة سياسية لتوظيفها لصالحها. كما أننا نعي أن الأخيرة، أي الإرادة السياسية، تتدفق بجدارة ووقاحة من جهة جون بولتون، ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إلا أنها لا تستطيع استبدال القانون الدولي الذي بدأ يدخل محاكم بلده ولا بمقدورها إخفاء خروقات إسرائيل المتكررة له.
__________________________________
(*) الكاتبة حقوقية من مدينة حيفا.