المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

انشغلت الصحافة الإسرائيلية بأنفلونزا الطيور رغم عدم مرور أكثر من ثلاثة أيام على عملية اختطاف المعتقلين الفلسطينيين من سجن أريحا والتي تم تصويرها إسرائيليا على أنها عملية استعادة الكرامة. ولكن في المقلب الآخر لم يكن للفلسطينيين موضوع للنقاش أكثر من العملية الإسرائيلية ونتائجها. ومن الجائز أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بالوكالة إيهود أولمرت كان يتمنى أن تكون الأمور معكوسة: أن يبقى الإسرائيليون يطبلون ويزمرون للعملية حتى ما بعد الانتخابات وأن ينسى الفلسطينيون الأمر بسرعة.

ومع ذلك فإن موجة الاهتمام بأنفلونزا الطيور سوف تنحسر بسرعة ليحل محلها أي اهتمام آخر، لكن عملية أريحا ستظل تلقي بظلالها على العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية ولزمن طويل قادم.

ولا تكمن أهمية العملية في أنها طالت الأمين العام لفصيل فلسطيني رئيس ولا في أعداد المختطفين، وإنما في المناخ الدولي الذي قاد لاتخاذ القرار والذي لا يمكن لأحد المرور عنه مرور الكرام.

فالمناخ الدولي، الأميركي البريطاني تحديداً، أتاح لإسرائيل الفرصة لتأكيد المدى الذي يمكن أن تذهب إليه في رفضها "الشريك الفلسطيني" ومدى تأييد هؤلاء لها. ورغم أن كثيرين من العرب ضجروا لفرط ما تم في الماضي من تبرير كل الإخفاقات بـ"التآمر" الدولي، فإن في ما جرى في مقاطعة أريحا أكثر من شارة على وجود هذا التآمر. ولست مضطراً أن تكون عربياً لترى أن العملية رتبت بشكل مسرحي مثير لإيصال رسالة واضحة فحواها أنه إذا كان هناك في حماس من يفكر في تغيير قواعد اللعبة فإنه من المؤكد سيكون خاسراً.

ولا تتمثل الخسارة التي يخططون لها بما ستصل إليه الأمور على صعيد الشعب الفلسطيني في حياته اليومية، وإنما كذلك في مستقبله السياسي. وليس صدفة أن هناك بين الإسرائيليين من يعتبر عملية أريحا نهاية المراهنة الإسرائيلية على الخيار الفلسطيني وبداية عهد جديد أو عودة لعهد قديم.
وثمة بين الإسرائيليين من بات يراهن على أن المعنى الحقيقي لعملية أريحا هو الدوران في حلقة مفرغة لا نهاية لها. وبين هؤلاء مراسل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" تسفي بارئيل الذي اعتبر أن عملية أريحا مسرحية تمتلك فيها إسرائيل قدرة جذب وإخراج أفضل من الفلسطينيين. وقد أشار إلى أن الأهم هو "أن الادعاء وكأن إسرائيل قد أعادت فتح "دائرة العنف" الآن هو ادعاء مريح جدا. ليس لأنه لا ينطوي على قدر من الحقيقة، بل لأن هذه الحقيقة تفترض أن هناك "وضعاً راهناً" من الهدوء الذي يقوم فيه كل جانب بقياس ما يفعله الطرف الآخر بمسطرة دقيقة ويرد على ذلك بما يتلاءم معه. واحد مقابل واحد: عندما تضرب إسرائيل ترد الفصائل وعندما تهدأ إسرائيل تكبح الفصائل نفسها. وعليه فإن مواصلة إسرائيل لضبط النفس سيتيح مواصلة السيطرة على المناطق من دون رد عنيف من جانب الفلسطينيين. هذا وهم لطيف ينسب كل العنف في المناطق إلى ميزان القوى والردع والتصدي الوقائي".

ويشدد بارئيل على أن "خرق الاتفاقات" ليس "حكراً على الفلسطينيين"، كما أن الحال في عملية أريحا هو "الخشية المحتملة" من انتهاك اتفاق. وأن قواعد السلوك الإسرائيلي تقوم على أساس أنه "ليس أمام إسرائيل خيار آخر" وهي ملزمة بالعمل. ويتساءل: "ما الذي تريده إسرائيل في مواقفها هذه؟ إذا كان الإرهاب عظماً من عظام الفلسطينيين فلا جدوى إذاً من فرض الشروط عليهم وان لم يكن ذلك مسألة جينية إرهابية فلماذا لا يجربون المفاوضات مع السلطة الفلسطينية حتى برئاسة حماس؟".

ولكن من قال إن إسرائيل الحالية تريد السلطة الفلسطينية؟ لقد كانت هذه السلطة مصلحة إسرائيلية عندما كانت إسرائيل في عزلة دولية، ويبدو أنها لم تعد تحتاج إليها عندما شعرت مقدار تمسك الفلسطينيين بها ومدى لا مبالاة العالم بها. وربما لهذا السبب ثمة بين الفلسطينيين من يشعر بأن القيادة الفلسطينية لم تدخر من السلطة في يومها الأبيض شيئا ليومها الأسود. وهذا ما يبرر ذلك التجاهل للدعوات التي صدرت عن عدد من قادة فتح لإنهاء السلطة الفلسطينية وتفكيكها. فقد رأى بعض الفلسطينيين، وخصوصاً من قادة حماس، أن هذه الدعوات ناجمة فقط عن شعور بالمرارة لدى قادة فتح عن هزيمتهم في الانتخابات. وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد كبير ولكن هذا القول لا يمنع أحداً من الإيمان بأن السلطة الفلسطينية التي فرضت في بداياتها فرضاً على الشعب الفلسطيني كانت تعبيراً عن التقاء مصالح فلسطينية وإسرائيلية ودولية، وأن هذه المصالح، على الصعيد العملي، فقدت الكثير من صدقيتها بحيث باتت السلطة ستاراً لأسوأ ممارسات من جانب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وبدرجات متفاوتة من القبول الدولي.

ومن المنطقي الافتراض أن أحداً من الأميركيين والبريطانيين والإسرائيليين، بعد كل هذا المستوى الذي أبداه الفلسطينيون من مظاهر تدمير السلطة، لم يعودوا يفترضون أن أحداً من الفلسطينيين يفكر بالتخلي عنها. والأدهى أن هؤلاء جميعاً يؤمنون بعجز الفلسطينيين عن قلب الطاولة وبالتالي سوف يتقبلون في نهاية المطاف الإملاءات الإسرائيلية تحت ستار "الشرعية الدولية".
في إسرائيل وواشنطن ولندن يراهنون على نعمة النسيان الفلسطينية، ولكن عملية أريحا الإسرائيلية أعادت تذكير الفلسطينيين بوجوب عدم النسيان. لقد ظل اليهود يدعون آلاف السنين باللقاء "في العام القادم في القدس" وعملوا على "استعادة" كرامة وزيرهم بعد سنوات وقد بات يصعب على الفلسطينيين تقبل أفكار من يطالبهم بالنسيان.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات