طلبت الحكومة الأردنية من الوكالة الدولية للطاقة النووية حسب صحيفة "الرأي" الأردنية إجراء فحوص للاشعاعات في منطقة الحدود الجنوبية خشية تسرب إشعاعات نووية من المفاعل الإسرائيلي في ديمونا. وقالت الصحيفة ان السلطات الأردنية تريد من المنظمة الدولية الحسم في النقاش الدائر حول أثر التسرب الاشعاعي في زيادة معدلات الوفاة والاصابة بالسرطان في مناطق أردنية، وخصوصا في منطقة الطفيلة. وكانت الحكومة الأردنية، على لسان الناطقة الرسمية باسمها اسمى خضر، قد نفت قبل أسابيع ما أدلى به الخبير النووي الإسرائيلي المعارض، مردخاي فعنونو، من ان إسرائيل تشغل اسطوانات المفاعل وقت نشوب الرياح باتجاه الأردن. وقالت خضر ان الفحوص التي أجريت في المنطقة لم تظهر وجود أية مخاطر.
غير ان الخطر الحقيقي من وراء المفاعل النووي الإسرائيلي لا يتمثل في الجانب البيئي، وإنما من امتلاك إسرائيل قدرة تستطيع من خلالها التأثير على المواقف السياسية للدول العربية. وفي هذا السياق، نجد ان أحد أبرز مبررات إبرام الاتفاقيات مع إسرائيل تلخص في تفوق إسرائيل العسكري، وخصوصا امتلاكها السلاح النووي. غير ان ما هو أخطر من ذلك هو نجاح إسرائيل في دفع الإدارة الأميركية، وربما أيضا العالم الغربي، الى التزام الصمت تجاه سلاحها النووي من جهة، والى بذل كل جهد ممكن للحيلولة دون امتلاك العرب أو المسلمين قدرة موازية.
ويمكن في هذا السياق ملاحظة ان الولايات المتحدة التي ضخمت من خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية لتبرير حرب الهيمنة التي قامت بها، تحاول في الوقت ذاته منع ايران من امتلاك مشروع نووي سلمي. ورغم ان الحكومة الإيرانية تعلن جهارا نهارا استعدادها لتلبية جميع الاشتراطات الدولية للتأكد من الطابع السلمي لمشروعها النووي، إلا ان ذلك لم يخفف البتة من شدة المعارضة الأميركية والإسرائيلية لهذا المشروع. فالمطلوب هنا بقاء الدول العربية والإسلامية في مسار محدد بعيدا عن التكنولوجيا والتقدم. وعلى هذه الدول في أحسن الأحوال، ان تقبل بمصيرها المحدد لها، سواء كسوق استهلاكية أو كمكان لتصدير المواد الخام أو المواد شبه المصنعة. وإذا راقت دولة من هذه الدول ل"الامبراطورية الأميركية" فيمكن حينها منحها صفة بلد يمكن التعامل معه لتصنيع أدوات وأجهزة تحتاج الى قرب من المواد الخام وعمالة رخيصة.
ومع ذلك يبدو التعامل الأميركي مع كل من إيران وإسرائيل نموذجا تقليديا لازدواجية المعايير. فإيران تطور صاروخ "شهاب 3" الذي دقت معه عدة دول أوروبية وأميركا وإسرائيل نواقيس الخطر، باعتباره "الأداة" القادرة على تحويل إيران الى قوة عالمية. فهو الصاروخ القادر على الوصول الى أغلب دول القارة الأوروبية. ولكن حديثا كهذا لم يثر أبدا عندما امتلكت إسرائيل مثل هذه القدرة قبل أكثر من عشر سنوات بصاروخ "يريحو". وقد قامت إسرائيل بتعديل هذا الصاروخ وتسميته "شافيت" لإطلاق أول قمر صناعي إسرائيلي. واعتبرت أميركا ذلك فخرا للتكنولوجيا الإسرائيلية وذخرا للتعاون بين البلدين.
بل ان دولة مثل المانيا، التي صارت مع فرنسا تشكل القوة الدافعة في الاتحاد الأوروبي الداعي الى سياسة عالمية أكثر اتزانا، عمدت منذ سنوات الى تعميق الفجوة التكنولوجية بين إسرائيل والدول العربية من خلال بناء غواصتين قادرتين على حمل أسلحة نووية لإسرائيل. والأدهى ان المانيا تبرعت بثمن الغواصتين إسهاما في تعميق إحساس إسرائيل بالأمن في مواجهة الاخطار العربية التي كانت حينها تأتي من العراق. وقد أتاح امتلاك إسرائيل للغواصتين وسعيها لشراء غواصات أخرى على طريق إكمال انتقال إسرائيل من الأمن القومي المقاس بالمساحة الى الأمن القومي المقاس بالحجم.
فامتلاك إسرائيل للأقمار الصناعية التجسسية والغواصات ذات القدرة على إطلاق صواريخ نووية، جعل إسرائيل في مقام الدول العظمى. ووفر لها قدرات ذاتية ليس فقط على تعقب التحركات العربية في كل مكان، وإنما كذلك على توجيه الضربة الثانية. وإذا كانت إسرائيل في الماضي، وما زالت، تعمل كل ما في وسعها للحيلولة دون امتلاك أي دولة معادية لها أسلحة نووية، فإنها اليوم تبني نفسها على أساس انه إذا فشل هذا المسعى فإن لديها القدرة على توجيه الضربة النووية الثانية من أي مكان في أعماق البحار.
وإسرائيل التي مارست كل أنواع الخداع والكذب والتضليل من أجل امتلاك هذه القدرات، تسعى طوال الوقت لإثبات ان كل الأطراف تمارس، بشكل أو بآخر، أساليب الخداع ذاتها من أجل الحصول على قدرات نووية أو قدرات غير تقليدية. وإسرائيل ترى في أي علاقة عربية أو إيرانية مع باكستان، كوريا الشمالية، روسيا أو جنوب أفريقيا خطرا لا يمكن احتماله. ولذلك ترفع الصوت عاليا تجاه كل محاولة للتقارب مع هذه الدول، وكل محاولة للاقتراب من التكنولوجيا.