المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

جوزف سماحة

عن أرييل شارون، اقرأ باروخ كيمرلنغ. الأول رئيس وزراء. الثاني عالم اجتماع. الأول يحارب. الثاني يحلّل. الأول معروف بقدرة كبيرة على المراوغة والكذب. الثاني معروف بنزاهة تعززها كفاءة أكاديمية. الأول صهيوني راديكالي. الثاني يدرك الخطايا الأصلية اللصيقة بجوهر الحركة الصهيونية.


كتب شارون سيرته. أسماها <<المحارب>>. كتب آخرون سيرته وفعل بعضهم ذلك بسلبية. ميزة كيمرلنغ أنه أعطى لحياة شارون معنى. فالرجل، في رأيه، رجل مهمة واحدة: الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني.
يقر كيمرلنغ بأن الإبادة السياسية (لا الجسدية) للشعب الفلسطيني جزء عضوي من المشروع الصهيوني. فثمة مشاريع استيطانية تبيد السكان الأصليين. وثمة مشاريع تستغلهم. وثمة مشاريع تنشر بينهم دينها وثقافتها. أما خصوصية المشروع الصهيوني فهي التشتيت، والإبعاد، والإنكار، والإلغاء السياسي. إنه مشروع يحوّل الديموغرافيا، أي الحد الأدنى من مجرد الوجود، إلى مقاومة.
شارون شخص فاعل في هذه المحاولة. يساهم فيها، باستمرار، بأكثر من الموقع الذي يحتله في هرم المسؤولية. لقد كان حاضراً في مشروع الإبادة الأول المتمثل في حرب 48 والممتد إلى ما بعد الاحتلال في 67. كان حاضراً كجندي وضابط، ثم كمسؤول يتدخل في تشجيع الاستيطان، وتشديد القمع، وتشجيع الهجرة، ومحاولة اختراع روابط قرى ملتحقة وعميلة.
ثم كان شارون موجوداً بقوة في المحاولة الثانية: غزو لبنان في 1982. فالغزو، في رأيه، قصم لظهر المنظمة العسكرية السياسية بما يمكنه أن يقود إلى وضع اليد على الضفة والقطاع. يساجل كيمرلنغ ضد الأطروحة القائلة إن وزير الدفاع آنذاك خاض مغامرته متجاوزاً رئيس الوزراء مناحيم بيغن. ويحاول أن يثبت أن <<التيار التحريفي>> كان متورطاً كله، وأن شارون لم يذهب أبعد من المتفَق عليه إلا بقدر ما اعتاد على مخالفة الأوامر وجذبها نحو قراءة متطرفة. ويضع الكاتب <<فظاعة صبرا وشاتيلا>> في سياق المجازر التي تميَّز شارون بارتكابها ضد الفلسطينيين، والتي تنتمي، كلها، إلى حساب بارد يملك هدفاً واضحاً: الإبادة السياسية.
بدأت الموجة الثالثة في 6 شباط 2001 عند فوز شارون على إيهود باراك، وهو الأمر الذي تكرّس في كانون الثاني 2003 بعد الانتصار الساحق لليمين في الانتخابات العامة.
يعتبر كيمرلنغ أن شارون بات أكثر حرية في وضع <<أحلامه>> موضع التطبيق. وهو يفنّد أكذوبة باراك عن العرض السخي (راجع مقالة له في <<نيو لفت ريفيو>>، عدد أيلول تشرين الأول 2003). ففي رأيه، في معرض عرضه للكتاب عن فترة باراك في السلطة، أن العرض لم يكن سخياً وأن الرفض لم يكن عرفاتياً. يرى أن الإسرائيليين لم يكونوا راغبين وأن ما قاله باراك عن <<افتقاد شريك في التسوية>> ترجمه شارون، كما كان متوقعاً، إلى رفض أي شريك في السيادة على الضفة والقطاع.
يعرّف كيمرلنغ الإبادة السياسية بأنها <<عملية تضم مروحة واسعة من الأنشطة الاجتماعية والعسكرية تهدف إلى إنهاء الوجود السياسي والوطني لمجموعة من البشر، وإنكار أي إمكانية لتقرير المصير. إن الاغتيالات، والمجازر الموضعية، وقطع رأس النخبة، والتدمير الجسدي للمؤسسات والبنى التحتية العامة، ومصادرة الأراضي، والتجويع، والعزل الاجتماعي والسياسي، وإعادة التأهيل، والتطهير الإثني الجزئي، إن هذه العناصر كلها تشكل الأدوات الرئيسية المستخدمة من أجل التوصل إلى هذا الهدف>>.
يضيف في كتابه <<الإبادة السياسية>> الصادر قبل أسابيع، أن <<هذه الرؤية المرعبة هي الآن أكثر احتمالاً ممّا كانت عليه عام
1948>> (ص 15). وهو، إذ يشير إلى 48، فإنه لا يفعل سوى استعادة عبارة شارون الشهيرة التي رأت إلى المواجهة الدائرة حالياً بصفتها <<مجرد استمرار لحرب الاستقلال>>. إن الإبادة السياسية هي الحل الشاروني للقضية الفلسطينية، وهي حل <<فاشيّ>> لأنه يحوّل الآخر، بمجرد وجوده حيث هو، إلى <<مصدر خطر وجودي>>.
لا مبالغة في القول إننا قد نكون أمام أكثر التعريفات دقة للمهمة التي انتدب شارون نفسه لها. محاربة الإرهاب ذريعة. المفاضلة بين ياسر عرفات ومحمود عباس مناورة. لا يرى شارون سوى <<الشعب الفائض>> الذي يجب الخلاص منه بصفته شعبا، من دون الاعتراض على أن يتدبر الفلسطينيون، كأفراد، أمرهم. وليس التعريف دقيقاً لجهة العنوان العام، بل أيضاً، وخاصة، لجهة الأساليب التفصيلية التي يمكن للبعض رفض أي إدراك لاندراجها في سياق واضح المعالم.
إن أي سياسة فلسطينية، من أي موقع كان، ومع دخول <<الانتفاضة>> عامها الرابع، يجب أن تنطلق من التسليم بهذا التعريف للهدف الإسرائيلي في ترجمته الشارونية. هذا أولاً.
ثانياً، يصعب القفز فوق أن مشاريع الإبادة هذه تحظى، على الدوام، برعاية الدولة الاستعمارية الأقوى في الشرق الأوسط.
فإذا وضعنا جانباً تبجّح صهاينة بأنهم قادوا حركة تحرّر وطني من الانتداب البريطاني، يبقى أن تقسيم فلسطين، وتوسع إسرائيل، وقبل ذلك الاستيطان الزاحف، لم تكن ممكنة من دون النفوذ البريطاني في الشرق.
أما المحاولة الثانية للإبادة، حسب كيمرلنغ، في 1982، فلقد تمّت برعاية أميركية في ظل تجدد الحرب الباردة على صعيد كوني. إن ما فعلته واشنطن في ذلك الوقت هو مصادرة غنيمة الحرب الشارونية لصالحها من أجل إدراج المشروع <<الإمبراطوري>> لحليفها المحلي الاستراتيجي في إطار مواجهة أعمّ تمسك مباشرة بنواصيها.
أما المحاولة الثالثة، التي نعيشها حالياً، فتتم برعاية أميركية كاملة. إنها، والكلام لكيمرلنغ، <<استمرار للإبادة السياسية للشعب الفلسطيني تحت مظلة باكس أميركانا>>.

السفير 30 – 9 - 2003

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات