المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما الفرق بين شعار <<تأييد حق العودة للفلسطينيين>> وشعار <<رفض توطين الفلسطينيين في لبنان>>؟ لا شيء للوهلة الأولى. الكثير عند التدقيق.
الأول شعار وطني لبناني ووطني فلسطيني وقومي عربي وموجّه ضد إسرائيل.

الثاني شعار شوفيني لبناني عنصري ضد الفلسطينيين ولا يمكنه أن يزعج إسرائيل.

الأول يؤسّس لمعركة مشتركة لبنانية فلسطينية جامعة. الثاني لا يفعل سوى إثارة أجواء تحريض لبنانية ضد الفلسطينيين.

الأول هو في امتداد انجذاب لبنانيين إلى تأييد الحق الفلسطيني بصفته عنصراً في نهضة المنطقة. الثاني هو في امتداد انجذاب لبنانيين إلى تأييد المشروع الإسرائيلي في صيغة جديدة تأخذ في الاعتبار متغيّرات ما بعد غزو 1982.

الأول هو تعبير أصلي وأصيل عن عروبة لبنان بالمعنى النبيل للكلمة. الثاني هو تعبير عن التقاء تيارين: تيار الانعزال الذي راهن على إسرائيل وتيار <<المستعربين>> من حديثي النعمة بالعروبة ومكتشفي ربع الساعة الأخير للوطنية.

الأول هو ترجمة لاستعداد لبناني لمساندة الفلسطينيين في معركتهم برغم الظروف الصعبة التي تحيط بها. الثاني هو اختراع للتبرؤ من هذه المهمة والسعي إلى تحييد لبنان في الصراع وتحقيق حلم قديم لدى البعض.

الأول يبقي الباب مفتوحاً أمام صياغة وطنية لبنانية يمكن لها أن تستوعب، أخيراً، قانوناً للتجنيس. الثاني يعبّر عن انغلاق يصدّق نفسه حين يتشدّق بمزايا خاصة للجنسية اللبنانية.

يمكن الاستطراد في استعراض الفروقات بين شعارين يبدوان على قدر من التطابق في حين أن مضامينهما شديدة التباين. كما يمكن، في هذا السياق، الاشتباه بأن لا علاقة للصدفة وحدها بميل لبناني إلى تفضيل الثاني وذلك في عز التطبيل لعروبة البلد.

لقد ارتؤي في لبنان، الآن، تصحيح <<خطأ>> حصل قبل أقل من عشر سنوات. والواضح أن القصد غير ذلك. إن الهدف هو إرضاء بعض الموتورين، وتقديم كبش محرقة من أجل أن يبرّر البعض انحيازات يصعب على جمهوره تحمّلها أو تجعله في موقع يفتقد إلى القدرة التنافسية المطلوبة في بلد موبوء بالطائفية ويحتاج زعماء فيه، بين المسيحيين خاصة، إلى <<عربي>> أو <<مسلم>> تسلّط الكراهية عليه.

والأنكى من ذلك أن بين هؤلاء الموتورين من هو شديد الحماس للحملة الأميركية على العراق ولمشروع إعادة هيكلة الشرق الأوسط. وبما أن إسقاط حق العودة للفلسطينيين هو من النتائج الممكنة للحملة، ومن الاستهدافات المؤكدة لواشنطن، فإن الجمع بين الحماس للسبب وبين رفض العواقب يقود إلى هذه التسوية الغريبة: إسقاط حق العودة (المزعج لإسرائيل) والتمسّك برفض التوطين (المواجه بلا مبالاة إسرائيلية).

إن قضية اللاجئين ستكون مطروحة بقوة في المستقبل القريب وفي سياق المسعى الأميركي لتحريك <<خريطة الطريق>>. ولقد تعمّد أرييل شارون المطالبة بإسقاط حق العودة كشرط لبدء التفاوض. وهناك من اقترح، في إسرائيل، صيغة توفيقية تطالب فقط بإسقاط حق العودة إلى الكيان الإسرائيلي على أن تبحث جوانب أخرى من قضية اللاجئين في مرحلة لاحقة من المفاوضات. لقد رفض الفلسطينيون هذه الشروط الإسرائيلية وتميّز رئيس الحكومة أبو مازن بموقف قاطع.

وكان سبق لقضية اللاجئين أن أثيرت عند زيارة كولن باول إلى بيروت. فلقد استخدمها رسميون لبنانيون من أجل شرح عدم الحماسة لخريطة طريق تترك الموضوع معلقاً وإن كانت تعتبره مادة للبحث. ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليكتشف أن ما هو مثار في لبنان عن <<التجنيس>>، وفضلاً عن اعتباراته الداخلية، موصول بهذا البُعد الإقليمي ويهدف إلى إثبات جدية لبنان برفض إنهاء النزاع مع إسرائيل قبل الحصول على أجوبة شافية تخص هذا العنوان الحساس.

إلا أن هناك طريقة وطريقة في طرح القضية. ولقد اختارت السلطة اللبنانية الطريقة الأسوأ، أي تلك التي تضعها، في الواقع، بمواجهة مع الفلسطينيين وليس مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. ولقد بدا وزير الداخلية أمس متلذذاً وهو على أهبة اكتشاف <<عبدة شيطان>> جدد بحيث أنه تجنّب التشديد على أن رفض التوطين لا يعني مشروع تهجير جديد للفلسطينيين يكون هو الطريقة اللبنانية الفذة في رفض التوطين.

لن يستغرب أحد أن يشهد لبنان في الأيام المقبلة حملة تفوح منها روائح كريهة وتُخاض باسم شعارات ملتبسة. ولن يكون سهلاً التصدي لها ضمن أجواء تتميّز بادعاء محبة فلسطين وتمارس كراهية للفلسطينيين، كما ضمن أجواء تتهم المعترضين على رفض التوطين باسم حق العودة بأنهم قد يخلّون بتوازنات البلد الدقيقة.

... وقل ان هذا ما يحصل في وطن يستعد ل<<الاحتفال>>، بعد أيام، بذكرى تحرير. هناك، منذ الآن، من يستعد، هو الآخر، لإقامة احتفال مؤجل بتحرير لبنان من فلسطينييه بتحويل الاضطهاد إلى <<ترانسفير>>.

(السفير، بيروت 10 ايار)

المصطلحات المستخدمة:

حق العودة, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات