يصعب تفسير هذه الحرب بغير التفسير الأقرب الى منطق الامور الحالي: أي أنها <<حرب إسرائيل السابعة>>، وأن كل مشارك بها إلى جانب أمريكا ومن معها من الغزاة أنما يقاتل في خدمة المشروع الصهيوني الأمريكي التوسعي، مشروع بوش وزمرته الحاكمة، الذين يستندون في رؤيتهم إلى نظريات دينية وعنصرية واستعلائية وتوسعية واستعمارية، تعتبر بكل تأكيد أكبر خطر يهدد البشرية ومستقبل العالم.
بقلم: نضال حمد
يصعب تفسير هذه الحرب بغير التفسير الأقرب الى منطق الامور الحالي: أي أنها <<حرب إسرائيل السابعة>>، وأن كل مشارك بها إلى جانب أمريكا ومن معها من الغزاة أنما يقاتل في خدمة المشروع الصهيوني الأمريكي التوسعي، مشروع بوش وزمرته الحاكمة، الذين يستندون في رؤيتهم إلى نظريات دينية وعنصرية واستعلائية وتوسعية واستعمارية، تعتبر بكل تأكيد أكبر خطر يهدد البشرية ومستقبل العالم.
الحرب الدائرة رحاها في العراق ليست إلا تعبيرًا دقيقاً عن مصلحة مشتركة ورؤية موحدة لمستقبل بلاد العرب، تجمع بين أمريكا وربيبتها إسرائيل. كما أن هذه الحرب تعتبر بمثابة هبة من الهبات الكثيرة التي تقدمها أمريكا للمشروع الصهيوني الذي يريد إخلاء المنطقة العربية من أي قدرات حربية أو عسكرية عربية أو حتى أسلامية قد تشكل في يوم من الأيام تهديدًا حقيقياً لإسرائيل. وقد نالت هذه من المساعدات والهبات والقروض ما يكفيها ويقيها العوز في ظل الضغط الذي تمارسه عليها الانتفاضة الفلسطينية المستمرة. وتلقت أيضا مساعدات حربية بأشكال وعروض مختلفة من أمريكا وأوروبا، جعلتها تزداد تفوقًا رغم تفوقها الكبير على عدة دول أوروبية ولا نقول عربية فقط. ستستفيد إسرائيل سياسياً أيضاً من الحرب، بحيث ستجيَّر نتائجها - في حال انكسار العراق بشكل سريع – في خدمة السياسة الإسرائيلية القاضية بجلب الفلسطينيين والعرب خاضعين وخانعين لطاولة المفاوضات.
عبرت الإدارة الأمريكية عن نيتها العلنية ولم تُخفِ نواياها في احتلال العراق والسيطرة على منابع واحتياطي النفط في بلاد الرافدين (من المعروف أن العرق يملك أكبر مخزون احتياطي نفطي في العالم). ولم ينفِ أركان الإدارة الأمريكية نيتهم السيطرة على العراق وتنصيب حاكم عسكري أمريكي يقود البلاد لعدة سنوات ومن ثم إقامة إدارة انتقالية مدنية أو حكومة تابعة لأمريكا تكون عمليا بقيادة الحاكم العسكري الأمريكي في العراق. وسيكون أول ما ستقوم به هو إغلاق سفارة فلسطين وفتح سفارة إسرائيلية مكانها في بغداد، كذلك إقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل، وهذا ما ينادي به بعض أركان وأعضاء المعارضة العراقية المتأمركة.
ومعروف أيضا أن الحرب الميدانية الأمريكية – البريطانية على العراق ترافقت مع حروب سياسية ودبلوماسية باءت معظمها بالفشل الذريع بعد أن أبدى الكثير من الدول معارضتها ورفضها لتلك الحرب، التي لم تجد أي مبرر لها.
قبل بداية العدوان رفضت أمريكا جميع الحلول السياسية والدبلوماسية وألغت وأفشلت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441 رغم أنه قرار يتدخل بشكل سافر في الشؤون السيادية العراقية وفي كل صغيرة وكبيرة في العراق. كما عطلت الإدارة الأمريكية عمل فرق الأنموفيك من المفتشين الدوليين بقيادة بليكس والبرادعي. كل هذا حدث لأن أمريكا لم تكن معنية بالحلول العملية للأزمة العراقية، بل لأنها وضعت لنفسها هدفاً محددًا وواضحًا وهو الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ونظام حكمه البعثي، إما عبر استسلامه لمطالبها أو عبر إجباره بالحرب على ذلك.
وهنا بالذات وجدت الإدارة الأمريكية نفسها وحيدة في حربها إلا من قلِة من المتأمركين فكرياً من أمثال توني بلير وإزمار وهوارد وكفاشنيفسكي بالإضافة لبعض الحكام العرب الذين يعرفهم كل مواطن عربي عادي، فالقواعد الأمريكية والبريطانية موجودة في دول الخليج والجنود الأمريكان موجودون بأشكال مختلفة في الكثير من الدول العربية والإسلامية.
كما أن الحملات العدوانية على شعب وأرض العراق ينطلق معظمها من تلك القواعد في الكويت والسعودية وقطر والبحرين وعمان. ومن يدري، فقد يكون للأردن دور هام في الهجوم على بغداد من الجهة الغربية ومن القاعدة الأمريكية المقامة على الأراضي الأردنية. أما السفن الحربية للحلفاء فهي موجودة وتحتل بحر العرب والفرس في الخليج، كذلك تعبر السفن الحربية الأمريكية وغيرها قناة السويس وباب المندب والبحر الأحمر ومياه البحر الأبيض المتوسط وتتزود بالمساعدات في المغرب والمشرق العربيين، كأنها في مهمة سياحية أو سلمية.
إذن هناك دول عربية لا تحترم نفسها ولا شعوبها ولا سيادتها ولا حتى عروبتها، ومن الحكام من يتحدث بلسان الرفض وعدم الاعتداء أو مساعدة العدوان على العراق لكنه بنفس الوقت يقوم بفعل كل ما يطلبه منه الأمريكان. وخير دليل على الخنوع الرسمي العربي ما فعلته إحدى الدول العربية التي قامت يوم (23/3) بطرد خمسة دبلوماسيين عراقيين من أراضيها. وجاءت عملية الطرد استجابة للطلب الأمريكي الذي رفضته الكثير من الدول في العالمين العربي والغربي. لكن تلك الدولة فضلت عملاً يرضي أمريكا وإسرائيل وبنفس الوقت يثير سخط الشعوب العربية.
كذلك هناك دول عربية لها وزنها وثقلها طرحت على لسان قادتها طروحات غريبة عجيبة قد يفهم منها أنها تبرر العدوان على العراق، ومن تلك الأقاويل: "أن العراق هو الذي أجتاح الكويت أولا وكان البادئ في الحرب". هذا الكلام كان له ما يبرره قبل سنوات طويلة وبعيدة يوم اجتاح الجيش العراقي الكويت وأحتلها مما جعل العراق شعباً وجيشاً يدفعون ثمناً غالياً، لكننا اليوم في حرب جديدة مفروضة على العراق والعالم العربي، فأين هذه الدول وهؤلاء الزعماء من تلك الحرب القذرة؟
بكل بساطة نقول إن المستفيد الأول من الحرب الجارية في بلاد الرافدين هو اسرائيل التي تخوض حربها السابعة ضد العرب، لكن هذه المرة بدون تكلفة مادية أو بشرية حتى الآن، فالفواتير وتكاليف الحرب ستدفعها الدول العربية الخانعة والشعب العراقي الذي يتعرض للحملة الأمريكية الأطلسية الحالية وكذلك القوات المهاجمة المؤلفة من عدة دول فضلت حكوماتها التضحية بجنودها من أجل تطبيق نظرية التقسيم العالمي الجديدة، وهذه النظرية تقر لإسرائيل بالموقع السيادي في المنطقة وموقع الضابط الذي يحفظ أمن المصالح الاستعمارية الأمريكية والغربية في البلاد العربية.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو كيف ستتطور الحرب في العراق، وذلك في ضوء الصمود العراقي المثير، فالأداء العراقي على ارض المعركة وفي كافة المواقع الميدانية يؤكد أن الجيش العراقي في حالة جيدة قد تساعده على الصمود والمقاومة وإيقاف المد الهمجي الأمريكي البريطاني. وما موقعة "أم قصر" وانكشاف الدجل والزيف الأمريكيين سوى دليل على أن العراق جهز نفسه جيدًا للمعركة التي فرضت عليه فرضاً، وهذا ما يعزز من مصداقية الأعلام العراقي في تعاطيه مع سير الأمور على الأرض، بعكس ما كان عليه في حرب "عاصفة الصحراء".
http://home.chello.no/~hnidalm