مع أن الانتخابات الإسرائيلية قد لا تأتي بحكومة مختلفة، فإن في مقدورها أن تخلق معارضة سياسية يمكنها أن تقدم للجمهور الإسرائيلي بديلا مختلفا عن السياسات الإسرائيلية خلال عهد حكومة الوحدة السابقة التي بدا وكأن الإجماع انعقد على صوابها
وجهة نظر فلسطينية بقلم: غسان الخطيب
طالما استعصى مسار النزاع في الشرق الأوسط على التكهنات، ولمن يجرؤ على التكهن هناك مبدأ واحد ورثه المُحدثون من دبلوماسيين وصحفيين عن المخضرمين، ويتمثل في الحكمة القائلة إن خير طريقة للتكهن بدقة بشأن ما سيقع هو أن تبقى متشائما.
بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن المشكلة في التكهن هي أن جانبا كبيرا من المستقبل يعتمد على عوامل خارجية. لذا فنحن نعيش الآن مزاجا انتظاريا: ننتظر حربا محتملة على العراق، بكل عواقبها الإقليمية المتوقعة، وننتظر نتيجة الانتخابات الإسرائيلية التي ستقرر إن كان الشعب الإسرائيلي سيختار إدامة المواجهات والعنف الحاليين بانتخاب نفس النوع من الأشخاص الذين هم في السلطة الآن في إسرائيل، أم سينتخب قادة من النوع الذي يستطيع أن يشارك من جديد في عملية سلام.
وبوصفهم الجانب الأضعف فالإسهام الوحيد الذي يمكن للفلسطينيين أن يقدموه لتحديد مستقبلهم هو أن يتجاوبوا سلميا مع أي عرض سلمي من جانب إسرائيل. (ولكنهم، من ناحية أخرى، سيستمرون في الاستجابة بعنف إذا استمر العنف من طرف الاحتلال الإسرائيلي).
إن دور الطرف الثالث لا يبعث على الانشراح. وبإلقاء نظرة على الخيار الوحيد المطروح الآن، وهو خريطة الطريق، نجد أن هذه الخطة التي قدمتها حكومة الولايات المتحدة الأسبوع الماضي في واشنطن للجنة الرباعية تترك الانطباع بأنها خطة غير جادة. ففي صياغتها الحالية ليست الخطة قابلة للتطبيق إذ إنها تتبنى الفهم الإسرائيلي للوضع، ولاسيما إذ تطالب بشرطين حتى تنهي إسرائيل الاحتلال: "إصلاحات جذرية ناجحة" وإنهاء "تام وناجح" للعنف الفلسطيني. وهذا، مرة أخرى، يثير مشكلة عملية تتمثل في الخلط بين السبب والنتيجة: فكيف يتوقع من الفلسطينيين أن يقوموا "بإصلاحات جذرية" بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي العنيف ويتصاعد؟
كان في وسع اللجنة الرباعية أن تتناول الصراع تناولا أكثر توازنا بالدعوة إلى خطوات متبادلة ومتراتبة من الطرفين من شأنها أن تضمن إنهاء العنف وأسباب العنف في آن معا. ولنأخذ الحوار الداخلي الدائر حاليا فيما بين الفلسطينيين تحت رعاية الحكومة المصرية، إذ يتوقع منه أن يصل إلى إجماع فلسطيني حول عرض هدنة متبادلة، ولكن قليلين جدا يتوقعون من إسرائيل أن "توافق" على المشاركة. وعلى هذا فإن السيناريوهات المتوقعة لما بعد الحرب في العراق، والنتائج المتوقعة للانتخابات الإسرائيلية هي على الأرجح غير مختلفة عما نشهده اليوم أمامنا.
على أن هناك أملا على المدى الأبعد. فمع أن الانتخابات الإسرائيلية قد لا تأتي بحكومة مختلفة، فإن في مقدورها أن تخلق معارضة سياسية يمكنها أن تقدم للجمهور الإسرائيلي بديلا مختلفا عن السياسات الإسرائيلية خلال عهد حكومة الوحدة السابقة التي بدا وكأن الإجماع انعقد على صوابها. ثانيا وجود مشاركة لدول وهيئات أخرى ضمن الرباعية – بجانب الولايات المتحدة – لا بد أن يكون له أثر إيجابي في المدى البعيد على رعاية عملية السلام. والمؤشرات الأولية لهذا التحول يمكن أن تلاحظ من خلال المناقشات والخلافات الصحية التي برزت (والتي يجب أن تستمر) بين الولايات المتحدة وأوروبا، والأمم المتحدة وروسيا في سياق عملية صياغة خطة الطريق.
غسان الخطيب هو وزير العمل في السلطة الفلسطينية. وقد عمل لسنوات محللا سياسيا وصحفيا.