المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1127

إسرائيل أداة تدمير وهدم في ظل شارون

الكتاب: الإبادة السياسية (بوليتيسايد) : حرب أريئيل شارون ضد الفلسطينيين

المؤلف: باروخ كيمرلينغ

الناشر: فيرسو ـ لندن، نيويورك

الصفحات: 234 صفحة من القطع المتوسط

مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور باروخ كيمرلينغ، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تورنتو في كندا، وهو ايضا استاذ في الجامعة العبرية في القدس، وكان قد نشر سابقا العديد من الكتب عن فلسطين واسرائيل في آن معا، ومن اشهرها كتابه "الفلسطينيون: صيرورة شعب" بالاشتراك مع شموئيل مغدال، والذي صدرت ترجمته العربية عن "مدار"- المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية.

واما كتابه هذا الذي صدر مباشرة بعد الكتاب السابق فيتحدث عن الدور الاجرامي لسياسة شارون في الاراضي المحتلة. ومنذ البداية يقول المؤلف ما يلي: على الرغم من ان شارون تورط بشكل مباشر او غير مباشر في جرائم معروفة ومضادة للقانون الدولي الا انه اصبح رئيسا لوزراء اسرائيل عام 2001 . ومنذ بداية مهنته كان الجميع ينظر الى شارون بصفته الاكثر دموية وقسوة من بين جنرالات اسرائيل وسياستها، والرجل ذو رؤيا وحشية او متوحشة بالفعل، فهو يهدف الى استئصال اي شيء اسمه الشعب الفلسطيني، بل ويريد تهجيره الى الاردن لان دولته هناك بحسب زعمه، وبين الاردن واسرائيل لا يوجد اي شيء.

ثم يردف المؤلف قائلا: وكلنا يعرف الدور الذي لعبه في غزو لبنان عام 1982، وهو الغزو الذي انتهى بمجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة، والواقع ان شارون يريد تغيير موازين القوى على الارض لكي يحقق اهدافه السياسية بتشكيل اسرائيل الكبرى، ومحو الشعب الفلسطيني من الخارطة سياسيا على الاقل.

انه يريد تدمير الهوية السياسية للشعب الفلسطيني، وقد نال موافقة القوى اليمينية المتسلطة في اسرائيل بالاضافة الى الادارة الاميركية الحالية. ولتوضيح كل ذلك يقسم المؤلف يقسم الى ثلاثة اجزاء:

الجزء الاول يحمل العنوان التالي: الحاضر الماضي، وفيه يتحدث الباحث عن التناقضات الداخلية في اسرائيل، وعن السياق التاريخي للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ثم يتحدث عن اول محاولة لتدمير الفلسطينيين سياسيا على يد شارون، وبعدئذ يتناول الكاتب مسألة الايديولوجيا والممارسات العسكرية.

ثم يتحدث المؤلف عن طفولة شارون في فلسطين إبان الانتداب الانجليزي، وكان قد ولد عام 1928 في قرية صغيرة تدعى «كفار ملول» غير بعيدة عن تل ابيب ولم تكن طفولته سعيدة جدا بسبب الطابع السلبي لشخصية والده، ويبدو انه كان فظا ومتخاصماً باستمرار مع جيرانه، ويبدو ان ابنه ورث هذه الطباع السيئة والشرسة عن والده.

ثم يتحدث عنه بعد ان كبر وانخرط في سلك الجيش واصبح ضابطا ويقول بانه لم يكن لطيفا، هذا اقل ما يمكن ان يقال، ثم اصبح شارون بعدئذ زعيم المستوطنين الذين يستولون على اراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

وفي الجزء الثاني من الكتاب نجده يتناول القضايا التالية: من التمرد الديني الى الحرب بين الطرفين، اوسلو، تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، ثم الفشل الكبير في كامب ديفيد حيث اجتمع عرفات بباراك وكلينتون.

واما الجزء الثالث من الكتاب فكرس لموضوع التالي العودة: اي عودة شارون الى واجهة الاحداث بعد فشل باراك، وسقوطه. وهنا يتحدث المؤلف عن تنوع المجتمع الاسرائيلي والتعددية الموجودة فيه، كما يتحدث عن شارون الجديد الذي لا يقل وحشية عن شارون السابق مع فارق واحد: هو انه هذه المرة اصبح على رأس الدولة الاسرائيلية وبالتالي فكل السلطات اصبحت في يده.

ومنذ بداية الكتاب يقول المؤلف ما يلي: في السادس من فبراير عام 2001 اصبح شارون لاول مرة رئيسا لوزراء اسرائيل، وكان ذلك يمثل منعطفا في تاريخ المنطقة كلها وليس فقط اسرائيل، فقد تغيرت طبيعة الحكومة الاسرائيلية وثقافتها السياسية، ثم ترسخت مكانة شارون عام 2003 عندما أعيد انتخابه كرئيس للوزراء وبنسبة عالية من الاصوات.

وكان أول رئيس وزراء لاسرائيل يعاد انتخابه منذ بيغن عام 1981 وقد اصبحت اسرائيل في ظل شارون أداة تدمير وهدم لان الهدف الاساسي لسياستها اصبح هو التالي: الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني! ثم يردف المؤلف قائلا: واقصد بالإبادة السياسية تفكيك الشعب الفلسطيني، والقضاء على وجوده ككيان اجتماعي وسياسي واقتصادي، وربما تضمنت هذه العملية القيام بعملية تطهير عرقي تؤدي الى طردهم كليا من "أرض اسرائيل".

ولكن هذا ليس مؤكدا، وهذه السياسة المغامرة الخطرة سوف تؤدي الى تفكك نسيج المجتمع الاسرائيلي نفسه والى تدمير الاساس الاخلاقي لدولة اسرائيل في الشرق الاوسط، ونقصد بذلك ان المبرر الاخلاقي لوجودها سوف يزول لانها تكون قد ساهمت في تدمير شعب بأسره.

وبالتالي فسياسة شارون سوف تؤدي الى إبادة سياسية مزدوجة، اي تدمير سياسي للفلسطينيين على المدى القصير، وتدمير سياسي للدولة اليهودية ذاتها على المدى الطويل، ولهذا السبب نقول بأن الحكومة الاسرائيلية الحالية تشكل خطرا كبيرا على استقرار شعوب المنطقة كلها.

ثم يردف المؤلف قائلا: ان التدمير السياسي يعني تدمير الوجود السياسي والقومي لشعب بأسره ومنعه من ممارسة حق تقرير المصير والغاء ارادة الشعب، انها عملية قتل بكل ما للكلمة من معنى، وسياسة شارون كانت تهدف باستمرار الى تدمير المؤسسات الفلسطينية، وقتل القيادات العسكرية والسياسية للشعب الفلسطيني، وهذا هو معنى الإبادة السياسية، هذا بالاضافة الى مصادرة اراضيه وتقطيع أوصال ما تبقى كيلا تستطيع القيادة الفلسطينية أن تصنع منها دولة وطنية مترابطة مع بعضها البعض. ولكن ينبغي الاعتراف بأن التدمير السياسي للشعب الفلسطيني لم يبتديء مع شارون، وانما كان نتيجة لحرب حزيران/يونيو 1967، كما انه نتيجة لطبيعة الحركة الصهيونية ذاتها، ثم دعمتها سلسلة من الاحداث المحلية والدولية.

ويقول المؤلف بإن اسرائيل لم تكن ابدا ديمقراطية ليبرالية بشكل كامل، وذلك لان ظروف ولادتها وجذورها لم تسمح بذلك، وعلى الرغم من ذلك فقد اعتبرت من قبل شعبها اليهودي والعالم الغربي ككل بمثابة الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، ولذلك بعض المبررات، فالواقع انها كانت ديمقراطية اذا ما قسناها بالانظمة السائدة في الشرق الاوسط. فهي تجري انتخابات حرة، وهذا ما يتيح لشعبها ان يغير قادته اذا ما أراد، يضاف الى ذلك ان حرية التعبير والتفكير والصحافة موجودة فيها نسبيا اذا ما قسناها بجيرانها، ولكن سكانها اليهود هم الذين يتمتعون بهذه الحرية او الديمقراطية اكثر من العرب بكثير، يضاف الى ذلك ان حكم القانون موجود، وهو يضمن الحريات والحقوق الفردية للمواطنين، وهناك محاكم وقضاء مستقل، ولكن كل هذه الانجازات هي في طور التدمير الان على يد الحكم شبه الفاشي لاريئيل شارون. وتتمثل هذه الاتجاهات الفاشية فيما يلي:

ـ تقليص حرية التعبير الى اقصى حد ممكن في ظل حكم شارون بحجة الحفاظ على أمن المواطنين، وكل من يعترض على ذلك يتهم بالخيانة، والواقع انه لم تعد توجد معارضة في اسرائيل، فبعد ان تشكلت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة شارون وعضوية شيمون بيريس اصبح الجميع سواء بسواء، ولم تعد هناك سياسة بديلة لسياسة العصا الغليظة التي يتبعها شارون، وحتى بعد ان انسحب حزب العمل في الحكومة فإن الامور ظلت على ما هي عليه.

- نلاحظ اكثر فأكثر هيمنة العسكر على الحياة المدنية والسياسية الاسرائيلية، فالضباط الكبار حتى الصغار لهم تأثير كبير على المجتمع الاسرائيلي، والواقع انه يصعب التمييز بين الحياة المدنية والحياة العسكرية في اسرائيل، فهما متداخلتان الى حد كبير بسبب طبيعة تلك الدول ونشأتها وظروفها.

وعندما يترك الضباط الحياة العسكرية فإنهم يتحولون الى قادة سياسيين عادة، او رجال كبار او قادة مخابرات. وهناك سيطرة لضباط المخابرات على وسائل الاعلام الاسرائيلية بشكل مباشر او غير مباشر، وهم الذين يصنعون السياسة اصلا، واما الوزراء المدنيون او النواب في الكنيست فلا يسمعون بالقرارات المهمة الا بعد صدورها احيانا، وبعض هؤلاء الضباط كموشي يعلون مثلا هم اكثر تطرفا من شارون نفسه!

وهم الذين يتخذون القرارات الخاصة بقمع الفلسطينيين، او تدميرهم سياسيا، بل وحتى جسديا وعسكريا وماديا، واما المدنيون فلا قيمة لهم، شارون لا يثق كثيرا بالوزراء، وبالطبقة السياسية الاسرائيلية وهو ككل مستبد يتخذ القرارات بنفسه، وقد استطاع تحييد المعارضة بل والقضاء عليها، ولذلك فهناك رجل واحد مهم في البلاد، رجل يتخذ القرارات في كل المجالات، هو شارون.

أهم دلالة على توجهات اسرائيل الفاشية، في رأي الباحث، هي طريقة تحديدها للآخر: اي للفلسطيني او للعربي الذي يعيش داخلها ويحمل الجنسية الاسرائيلية، فهو معتبر بمثابة خطر ما على وجود اسرائيل عامة، وكأفراد في آن معا، وهذا التمديد يرهص بصدور قرارات خطيرة لاحقا.

ويرى المؤلف أن حكومة شارون سوف تستهدف الفلسطينيين اكثر فأكثر في الفترات المقبلة، فما كان مستحيلا التفكير فيه قبل وصول شارون الى السلطة اصبح الان امرا محتملا وواقعياً، ونقصد بذلك الحل المتمثل بالتطهير العرقي، فهم يعتبرونه الان بمثابة الحل الوحيد للمسألة الديمغرافية: اي للتزايد السكاني للفلسطيني، فاذا ما استمر الامر على هذا النحو فإن عدد الفلسطينيين داخل اسرائيل والاراضي المحتلة سوف يتفوق على عدد الاسرائيليين اليهود قريبا، وبالتالي فقد يلجأ شارون الى تطبيق سياسة "الترانسفير" اي نقل العرب الى خارج اسرائيل بل والاراضي المحتلة، الى اين؟ الى الاردن.. او سواه. ولكن لا أحد يعرف فيما اذا كانت اسرائيل ستتجرأ على تطبيق هذه السياسة.

ثم يردف المؤلف قائلا: وفي الوقت الذي تغذي فيه الحكومة المتطرفة مشاعر العداء للعرب نلاحظ انها تهمل القضايا الداخلية كالفقر والبطالة وسوى ذلك، فالاحصائيات تقول بأن عدد الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر في اسرائيل في نهاية عام 2001 وصل الى مليون ومئتي الف شخص تقريبا، وهذا عدد كبير بالقياس الى بلد لايزيد عدد سكانه عن خمسة او ستة ملايين نسمة بمن فيهم عرب اسرائيل. واما نسبة البطالة فقد تزايدت كثيرا اثناء سنوات الانتفاضة فقد كانت 8,8% عام 2000 فأصبحت 11% عام 2001، ثم اصبحت 12% عام 2002. ونحن نعلم ان انتفاضة الاقصى ابتدأت بتاريخ 29 سبتمبر في عام 2000، وفي اثناء السنتين الاوليين لهذه الانتفاضة بلغت الخسائر الاقتصادية لاسرائيل سبعة مليارات دولار، وقس على ذلك.

ثم يقول المؤلف بما معناه: السياسة الاسرائيلية واقعة في تناقض رهيب، فاما ان تقوم بعملية تطهير عرقي وتطرد الفلسطينيين في ديارهم الى الاردن وبقية البلدان العربية، واما ان تقبل بالتفاوض مع الفلسطينيين وتعود الى حدود 5 حزيران مع بعض التعديلات على الحدود.

ولكن اليمين الاسرائيلي يرفض الحل الثاني بشكل قاطع، اما الحل الاول اي التطهير العرقي او ما يدعوه الاسرائيليون بكلمة مخففة "الترانسفير" فإن الظروف الحالية لا تساعد عليه، وربما توافرت ظروف تحقيقه في المستقبل. وبانتظار ذلك الوقت فان الازمة مستمرة والصراع سوف يظل مشتعلا.

والواقع ان شارون احاط نفسه بشخصيات متطرفة تفكر مثله، من بينها وزير الدفاع شاؤول موفاز ورئيس الاركان، الذي ذكرناه سابقا موشي يعلون، ولهذا السبب فإن البعض يعتقد بان اريئيل شارون يحضر لمخطط كبير ورهيب، ولا احد يعرف ما هو بالضبط، ولكنه سيحاول تنفيذه في المستقبل. وهذا الحل لا يمكن ان يكون الا التطهير العرقي او الترانسفير او طرد ما تبقى من العرب من اراضيهم في الضفة الغربية على وجه الخصوص، ولكن هل سيطرد ايضا عرب اسرائيل اي عرب 48؟ هذا هو السؤال وهو غير مستبعد، ولكن ربما لن يطرد الا قسما منهم، او قسما كبيرا، وهذا ما ستكشفه الايام المقبلة.

كما ان شارون عرف كيف يستغل ضربة «11» سبتمبر ايما استغلال وقد حصلت هذه الضربة في الوقت المناسب بالنسبة له من اجل التغطية على جرائمه، فقد اصبح العالم كله مشغولا بابن لادن والحرب على الارهاب ولم يعد احد يهتم بالقضية الفسطينية، يضاف الى ذلك ان المتطرف او الارهاب في نظر العالم لم يعد شارون وانما العالم العربي والاسلامي بل وحتى الفلسطينيين الذين هم ضحية شارون بالذات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات