صدر العدد الجديد (10 – 2003) من فصلية "قضايا اسرائيلية" الصادرة عن "مدار"، متضمنا مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات والمراجعات في الشأن الاسرائيلي. وقد اختار الكاتب سلمان ناطور مدير تحرير المجلة تكريس مقاله الافتتاحي "محاولات تربيع الدائرة:
اسرائيل ديمقراطية ويهودية" لأحد اهم القضايا المطروحة على المجتمع الاسرائيلي وهو طابع الدولة، وهل يمكن ان تكون ديمقراطية ويهودية في الوقت نفسه، كما يحاول الاسرائيليون المنتمون الى التيار المركزي بين اليسار الصهيوني واليمين المعتدل، ان يثبتوه ويقنعوا الرأي العام ان هذا أمر ممكن. وهو يؤكد ان هذا مستحيل ويشتمل على تناقض لأن اليهودية في نهاية الأمر هي ديانة، لها نصوصها ولها نظريتها في المجتمع والدولة، وهي لا تلتقي، بصفتها فكراً غيبياً مع مفاهيم الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين والتي تبلورت في القرنين الماضيين كفكر علماني، عملي يفصل بين الدين والدولة.
يناقش الكاتب طروحات المفكرين الاسرائيليين أمثال روث غابيزون، وفي الوقت نفسه يدعو الى مواصلة طرح هذا الموضوع للنقاش، فهو ليس مسألة يهودية يهودية، بل يهودية عربية أيضاً، وتحديد طابع الدولة اليهودية يعكس أثراً في نهاية الأمر على توجهها الى العالم العربي وتوجه العرب اليها.
الدكتور ايلان بابه الباحث والاستاذ الجامعي الاسرائيلي المعروف يكتب عن "مرحلة ما بعد صدام والسياسة الإسرائيلية"، ويتابع رصد الأحداث الكبيرة التي تجري في منطقتنا وتنعكس على المجتمع الإسرائيلي، أو إسرائيل تكون فيها أحد المحركات، ضمن تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. والعدوان الأنجلو - أميركي الأخير على العراق والذي صفى نظام صدام حسين يعتبر نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة، ستنعكس آثارها ليس على العراق وحسب بل على المنطقة بأسرها.
الكاتب يقرأ المشهد الذي نتج عن هذا العدوان، وكيفية تعامل الاسرائيليين معه وتوظيفه لتحقيق المصالح الإسرائيلية في المنطقة والعالم.
وفي العدد الجديد ايضا دراسة مترجمة للدكتور ليف غرينبرغ "عن السلام و الديمقراطية والاغتيال السياسي". ومع اقتراب الذكرى العاشرة لتوقيع اتفاقات أوسلو، وانتهاء ثلاث سنوات على انتفاضة الأقصى فإن العودة إلى هذه السنوات العشر، فيها من الإثارة ما شملته هذه الحقبة من أحداث مثيرة شكّلت منعطفات في مسيرات مختلفة في المنطقة. وربما ان المنعطف الأساس هو اغتيال رئيس الحكومة اسحق رابين في الرابع من تشرين الثاني 1995.
د. ليف غرينبرغ، يتناول المجتمع الإسرائيلي من اتفاقات أوسلو وحتى بداية الحديث عن خارطة الطريق في محاولة جادة لفهم الروح التي تسود هذا المجتمع والتيارات التي تتنازعه بين رغبة غير محدودة لسلام غير واضح وبين نزعة الاستعلاء والقوة والسيطرة وسط تعقيدات اجتماعية لا حدود لها.
ويجري بلال ظاهر حواراً مع الكاتب بوعز عيفرون احد المفكرين الاسرائيليين الجريئين في طرح مسائل يهودية واسرائيلية هي في صلب الاجماع القومي، مثل التاريخ اليهودي والموقف من الكارثة ونهاية الصهيونية وغيرها. وقد خالف بما كتبه معظم المؤرخين والسوسيولوجيين الاسرائيليين، عبر مقالات نشرها خلال سنوات طويلة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ومجلات أخرى، وفي العام الأخير صدرت طبعة جديدة من كتابه المهم "الحساب القومي" الذي يثير فيه هذه القضايا بتوسع وإسهاب.
ويكتب د. ناجي صادق شراب عن دور الأحزاب الدينية في الائتلافات الحزبية في اسرائيل ويوضح معنى أن تكون الدولة يهودية، فالأحزاب الدينية اليهودية لعبت وتلعب في السنوات الأخيرة الدور الأكبر في صياغة الحياة السياسية للمجتمع الإسرائيلي. وقد حرصت كل الحكومات وحتى حكومة شارون الأخيرة على الائتلاف مع الأحزاب الدينية، المتشددة دينياً، والقومية والدينية المعتدلة. وفي خلال كل هذه الفترة حققت هذه الأحزاب انجازات دينية كبيرة بالنسبة لها ولفكرها وبرنامجها وخدمة مؤيديها، من الحفاظ على حرمة السبت ومنع الزواج المدني وحتى عرقلة وضع دستور للدولة، ا ضافة الى الامتيازات المالية التي تحظى بها مؤسساتها.
د. نزيه بريك يكتب عن انعكاس الفكر الصهيوني على وضع الفئات الاثنية في المجتمع الإسرائيلي، في الجزء الثاني من دراسته (نشر الجزء الأول في عدد 9) يتناول انعكاس الفكر الصهيوني على الجماهير العربية داخل المجتمع الاسرائيلي. ويقول في مقدمة الدراسة: إن المجتمع الإسرائيلي يبرّر الاجحاف بحق المواطنين العرب واضطهادهم بأمرين: الأول، وهو الظروف الخارجية وما يسمى "حالة الحرب"، والثاني عدم الخدمة في الجيش. الكاتب يكفر بهذه التبريرات ويؤكد بطلانها "لأن مسألة اضطهاد العرب، متجذرة أسبابها في الفكر الصهيوني الذي يرفض مبدئياً التواجد العربي". ويدعم أقواله بممارسات الدولة منذ قيامها وحتى اليوم.
د. إيلان غور زئيف يكتب عن الحالة الإسرائيلية والتربية على المنفى، في مسعى لتشخيص ما يسميه "الحالة الإسرائيلية"، التي يميّزها "غياب الجماهيرية"، أي الشمولية المشتركة والمتفق عليها، حيث تلتقي الاختلافات والتمايزات الثقافية والاجتماعية والسياسية. بمعنى آخر غياب التعددية في المجتمع الإسرائيلي، وهيمنة ثقافة على أخرى وبالتالي سيادة ثقافة القوة. غور زئيف هو مفكّر باحث في التربية وهو ناقد مثابر لجهاز التربية والتثقيف في المجتمع الإسرائيلي، وفي دراسته هذه يضع التربية على المنفى، بشكل جريء حيث ان كل أجهزة التربية في "الدولة الإسرائيلية اليهودية" حاولت التربية على "نفي المنفى"، أي الخلاص مما يسمى "ثقافة وعقلية الدياسبورة"، وقد أدى ذلك في نهاية الأمر، ليس إلى نفي المنفى، بل إلى اقامة المنفى الجديد، ثقافة "الغيتو"، وفي نظر غور زئيف فإن التربية على المنفى تعني التربية على الانسجام في المجتمع الشرق أوسطي أو العربي، فاليهود في ما يسمى "المنفى"، عرفوا كيف ينسجمون ويتفوقون في المجتمعات التي عاشوا فيها، وهذا هو سر بقائهم، ليس التقوقع في "الغيتوات". ويلخص غور زئيف نظريته بالدعوة الى التربية على المنفى بقوله: "التربية على المنفى ستؤدي إلى اتباع نهج حياة أخلاقي وإبداعي، يرضع من فلسفة الدياسبورا وأفكار المنفى في اليهودية، وفي الوقت نفسه فإن هذه التربية تحقق البعد اليهودي بشكل عملي كبعد شمولي وإمكانية عيش إنساني لا تحصر نفسها في مساحة اقليمية أو جماعة أو تقاليد يهودية".
د. مروان دويري يكتب مقالة بعنوان "بدون الحقوق الجماعية للعرب، لا تناقض بين ديمقراطية الدولة ويهوديتها"، وهي مساهمة عربية في الحوار حول طبيعة وطابع الدولة اليهودية، يقدمها الباحث النفسي د. مروان دويري، والذي يأخذ المسألة انطلاقاً من التواجد العربي الفلسطيني في الدولة اليهودية، معتبراً أن الديمقراطية الإسرائيلية قد تكون يهودية، لو أن كل مواطني اسرائيل هم من اليهود فقط، أي أن الدولة اليهودية تمنح الحرية والحقوق لمواطنيها اليهود بصفتها دولتهم وأقيمت لأجلهم وهكذا تعرّف نفسها. وفي صلب مقاله يؤكد ان ما يسمى الديمقراطية الفردية، الليبرالية، التي يتغنى بها كثيرون، وهناك من يطالب بتطبيقها في الدولة، لن تحل مسألة الحريات والحقوق القومية للأقلية القومية العربية. وهو يقترح في ختام مقاله طرح بديل ديمقراطي تعددي يعطي الجواب للحقوق الجماعية للعرب ولا يهدد حقوق اليهود الجماعية.
إفرايم دافيدي يكتب عن "إسرائيل والعولمة: الحلم وانكساره"، ويتساءل: هل العولمة جيدة لمواطني اسرائيل؟ وبعد أن يقوم بفحص أسس العولمة الرأسمالية وانعكاساتها على اسرائيل، فإنه يقوم بتحليل الاقتصاد الاسرائيلي وارتباطه برأس المال الأميركي والأجنبي، هذا الارتباط الذي يعمق الفوارق الطبقية والاجتماعية ويجعل اسرائيل تعاني أزمة اقتصادية لم تشهدها من قبل. كذلك يربط الكاتب بين الوضع الاقتصادي والوضع السياسي في ظل حكومة تدعم رأس المال المالي وتواصل اتباع سياسة معادية للسلام.
د. خالد أبو عصبة يكتب عن أزمة التربية على القيم في إسرائيل والتعليم العربي، ويتناول هذا الموضوع باعتباره الطريق إلى أزمة التربية في جهاز التعليم العربي، ويستعرض التيارات المختلفة في التربية الإسرائيلية، ويركز في بحثه على المدرسة العربية وما طرأ عليها من تطورات وتغيرات فيما يتعلق بموضوع القيم والتربية عليها.
د. جوني منصور يكتب عن "العقيدة والسياسة - الزمان والمكان في أناشيد الجوقات العسكرية والفرق الموسيقية التابعة للجيش الإسرائيلي، التي يءكد انها لم تكن مجرّد فرق ترفيه للجنود وفي المعسكرات، بل كانت في فترات تمتد من قبل العام 1948 وحتى سنوات الثمانين تحظى برعاية واهتمام المجتمع الإسرائيلي بأسره، وكانت تقدم عروضها على الجمهور المدني في حفلات ومهرجانات يحضرها المئات والألوف، كذلك، فإن العديد من أغاني هذه الفرق ما زال شائعاً حتى اليوم ويسمع يومياً في جميع الاذاعات العبرية. إن كبار المطربين والموسيقيين الاسرائيليين هم من خريجي هذه الجوقات.
وفي باب قراءات، جولة في مجموعة من أحدث الإصدارات العبرية، أو تلك المتعلقة بالشؤون الإسرائيلية.