المؤتمر الأكاديمي الثاني حول الحقوق الجماعية لمركز "مدى الكرمل"
* محاضرون متخصصون من إيرلندا وأستراليا وكندا وجنوب أفريقيا يغنون المؤتمر بأبحاثهم*
"من شأن عملية الدسترة – تطوير دستور – لمجتمع ما أن تظل محدودة الفاعلية وقاصرة عن أداء مهمة التغيير الإجتماعي وإرساء الدمقراطية إذا لم تتوفر لهذه العملية الشروط السياسية والإجتماعية المناسبة أو السياق التاريخي اللازم". هذا ما خلص إليه المؤتمر الأكاديمي الدولي الثاني حول الحقوق الجماعية الذي عقده "مركز مدى الكرمل" في نهاية الشهر المنصرم في الناصرة . وقد عقد المؤتمر تحت عنوان: "الدسترة كآلية تغيير إجتماعي وسياسي- إسرائيل من منظور مقارن" .
إفتتح المؤتمر بمداخلة موجزة للبروفيسور نديم روحانا، مدير مركز مدى، طرح فيها الفكرة وراء عقد المؤتمر رابطا بينها وبين السياق الذي تعيش وسطه الأقلية العربية في إسرائيل منتقدا تغييب العرب شبه التام عن المحاولات الإسرائيلية الآكاديمية والشعبية لتطوير دستور لإسرائيل.
وألقى البروفيسور أدريان جولك (جامعة كوينس/ بلفاست) مداخلة بعنوان "الدستور والشرعية والديمقراطية في مجتمعات شديدة التصدع". وقد أكد وجوب أن تكون عملية الدسترة مرنة لضمان فرص النجاح لها مشيرا إلى التجربة في جنوب أفريقيا والإنتقال الدستوري من نظام الأبرتهايد إلى النظام الدمقراطي. أما رندة سنيورة من مؤسسة الحق فتحدثت عن التجربة الفلسطينية لتطوير دستور كان فُرض بضغوط من الخارج على النخب السيساسية الفلسطينية . وتحدث بروفيسور إيال بنفينيستي من جامعة تل أبيب عن محدودية الفائدة في لجوء الأقلية إلى المحكمة العليا لمقاضاة الدولة في طريقها إلى إحقاق تغيير سياسي وقانوني. وقال إنها يمكن أن تكون إستراتيجية واحدة من جملة إستراتيجيات يمكن للأقلية أن تعتمدها في نضالاتها للتغيير السياسي والإجتماعي والمشاركة في صنع القرار . وإختتم د. أمل جمال، مركّز المؤتمر والمحاضر في جامعة تل أبيب، الجلسة الأولى بالإشارة إلى إستحالة إحداث التغيير الجذري المطلوب في البلاد بالدسترة أو بغيرها في ظل مبنى القوة القائم بين الأقلية العربية وبين الأكثرية اليهودية .
في الجلسة الثانية، التي أدارتها د. نادرة شلهوب كيفوركيان – مدى الكرمل والجامعة العبرية- تحدثت البروفيسور شيريل ساوندرز من جامعة ملبورن – أستراليا عن مسألة بناء النص الدستوري في مجتمعات متصدعة. وشرحت الإشكالات التي يمكن أن تصطدم بها عملية الدسترة بناء على تجربتها في هذا المضمار في جزيرة فيجي وسيريلانكا والمقاطعة الشمالية لأستراليا حيث غالبية من السكان الأصليين . وأبدت تشاؤما من إمكانية تطوير دستور في مجتمعات متصدعة في بعض الحالات كما خبرت ذلك بالتجربة .
وقد بدأ اليوم الثاني للمؤتمر بجلسة تحت عنوان "الشعوب الأصلانية، الإصلاح الدستوري ولغة الحقوق والعدل في إسرائيل" ادارتها المحامية سهاد بشارة من مركز عدالة . وأشار البروفيسور بروس رايدر ( جامعة يورك – كندا) إلى مواطن التشابه والإختلاف بين التجربتين الكندية والإسرائيلية في صياغة دستور متوقفا عند التجربة الكندية التي وصفها بأنها قريبة من أن تكون نموذجية من حيث مراعاتها للهويات المتعددة وإنصافها المجموعات ذات المصالح وإضفاء الشرعية السياسية على نشاطها وحضورها . وأضاف أن تغيير الدستور ضرورة لكنها من غير المؤكد أن تكون كافية لوحدها في إحداث التغيير بل على الحكومة أن تسعى إلى إحقاق الحقوق وضمانها . وأقرّ البروفيسور كلود كلاين ( الجامعة العبرية) أن المواطنين العرب في إسرائيل غير شركاء بما فيه الكفاية في تطوير دستور للبلاد. وقال إن الوقت لم يفت لتعميق المشاركة وأن على القيادات العربية أن تستثمر الظروف الحالية لتعميق مشاركتها في وضع الدستور .
وتحدثت د. نيطع زيف (جامعة تل أبيب) متوقفة عند ما حصل للخطاب القضائي في إسرائيل حيث تستر المحامون والحقوقيون على أجندتهم السياسية بخطاب حقوق الإنسان كما هي في الفكر الليبرالي إلى أن نجحوا مؤخرا في طرح فكرة الحقوق الجماعية في أروقة المحاكم ربما بسبب ما إكتسبوه من شرعية مهنية . وقد تسنى لهم التعبير عن هذه الأفكار دون أن يكون لفكرة النضال من أجل حقوق الأقلية مراجع في الوضع الدستوري الراهن .
وتوقف د. ميخائيل كريني (الجامعة العبرية) عند الخطاب الدستوري المتأرجح بين دمقراطية الدولة ويهوديتها . واشار إلى أمثلة لذلك . وقال إن للعرب في إسرائيل حلولا أخرى لمسألة السلطة الدينية في إسرائيل وإنهم ذهبوا أبعد من الخطاب الدستوري الذي أنشأه القانون الدستوري في إسرائيل .
أدار الجلسة الثالثة للمؤتمر البروفيسور رمزي سليمان (مدى الكرمل وجامعة حيفا) . وكانت تحت عنوان " ديناميكا الإشتمال والإقصاء في عملية البناء الدستورية " . وكان اول المتحدثين القاضي يوهان فون فيستهويزن (قاضي المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا) الذي أعطى تحليلا تاريخيا للتحول الدستوري في جنوب أقريقيا . وقال إن التحول الدستوري لدولة نظام الأبرتهايد بدا معجزة في بداية الأمر إلا إن الأمر تطور بالإتجاه الصحيح . وأيد أوسع عملية إشراك للجمهور في عملية الدسترة التي فتحت للمواطنين للإسهام في تحديد مضامينه .
وتحدث د. يوسف جبارين (جامعة حيفا) عن خطاب المساواة الشكلية والبنيوية في أروقة القضاء الإسرائيلي. وقال إن إمكانيات تحقيق المساواة للعرب في إسرائيل سيظل ضئيلا طالما إعتمدت المحكمة العليا التفسير الضيق لمصطلح المساواة . وإقترح عدم إستخدام المحكمة كآلية وحيدة لإحداث التغيير المجتمعي المتوخى وإن كانت هذه الآلية تسمح بطرح قضايا حارقة على جدول الأعمال العام .
وكانت مداخلة الحقوقية سامرة إسمير (جامعة نيويورك) حول دستور إسرائيلي مستقبلي وموقع المواطنين العرب فيه . وإستعرضت ما أنجز من مسودّات لدستور إسرائيلي وقالت إن النضال الحقيقي سيكون من أجل أن تشمل المواطنة الإسرائيلية الجميع مع ضمان كامل الحقوق . وتحدثت د. ليئورا بيلسكي عن المحاكمات الجنائية السياسية في إسرائيل كبديل للقرار الدستوري متحركة بين محاكمتي د. عزمي بشارة ومروان البرغوثي . وأشارت إلى خطورة اللجوء إلى القانون الجنائي في إسرائيل لغرض حسم قضايا سياسية ولإشتمال لاعبين أو لإقصائهم عن الحيز العام .
واختتم المؤتمر بحلقة حوار أدارها البروفيسور نديم روحانا تحت عنوان "السياسة العربية وعملية الدسترة الإسرائيلية" شارك فيها أعضاء الكنيست عصام مخول وعبد المالك دهامشة ود. جمال زحالقة . وقد دعا زحالقة إلى عدم المساومة فيما يتعلق بالموقف من الدستور وإلى العمل بفاعلية للتأثير على ما يتطور في البلاد في هذا الباب منه . وقال ينبغي رفض ما يتم من محاولات لتثبيت إسرائيل دولة يهودية ودمقراطية بسبب إنعكاس ذلك على الدمقراطية وعلى مكانة المواطنين العرب في الدولة . أما مخول فأشار إلى مخاطر إقرار دستور في الظروف الراهنة التي تنطوي على خطر الإنزلاق نحو الفشستة . وقال إن لن يكون من السهل إقرار دستور للبلاد بغير موافقة المواطنين العرب . وأعرب دهامشة عن إعتقاده بوجوب أن يشارك المواطنون العرب فيما يحدث للتأثير وعلى العرب هنا ألا يغيبوا أنفسهم عن الساحة علما بوجود محاولات لتغييبهم .