المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • العرب في إسرائيل
  • 1205

مع افتتاح السنة الدراسية في إسرائيل يعود الطلاب الى مدارسهم يحدوهم الامل بالنجاح وقضاء اوقات ممتعة ومفيدة في صفوفهم. أما الاهالي فتختلط عندهم الفرحة بانتهاء العطلة الصيفية وبالقلق على ظروف التعليم وبالحمل الثقيل لتكاليف العودة الى المدرسة، التي تبلغ بالمعدل ألفي شيكل للطالب الواحد فيما يسمى اعتباطا "التعليم الالزامي المجاني". وتجد الكثير من العائلات صعوبة كبيرة في توفير الملابس واللوازم المدرسية لابنائها وبناتها، ما يضع على عاتقنا كمجتمع مهمة المبادرة الى تفعيل التكافل الاجتماعي لمساعدة ودعم هذه العائلات.

 

ولكن ما الذي ينتظر الطلاب العرب وذويهم مع إفتتاح السنة الدراسية؟.

- يعود الطلاب العرب الى مدارسهم وهناك نقص لحوالي 1500 غرفة دراسية، بالاضافة الى الف غرفة للتعليم الخاص وروضات الاطفال في القرى غير المعترف بها. وبدل التسريع في البناء تلجأ وزارة التربية والتعليم الى استئجار الغرف أو الى وضع "كرفانات" مؤقتة تتحول عادة الى دائمة، خاصة حين يتعلق الامر بالتعليم العربي. وهناك مدارس عربية توجد فيها هذه "الكرفانات" المؤقتة منذ اكثر من عشرين عاماً. لقد كانت المشاريع والبرامج التي وضعتها الوزارة لحل ازمة النقص في الغرف منقوصة وغير كافية بالمرة. لكن الوزارة لم تلتزم حتى بقراراتها هي. ففي العام 2003 مثلا خصصت ميزانية بمقدار 59 مليون شيكل لبناء غرف جديدة، لكن ما صرف منها فعلا ليس اكثر من 22 مليون شيكل. والحقيقة ان ازمة النقص في الغرف الدراسية، ليست في طريقها الى الحل كما تدعي وزارة الربية والتعليم، بل تتفاقم اكثر فأكثر مع التكاثر الطبيعي وازدياد عدد الطلاب في كل فوج جديد.

- يعود الطالب العربي الى المدرسة ليحصل خلال السنة الدراسية على تمويل يعادل 17% فقط مما يحصل عليه الطالب في جهاز التعليم العبري. فقد تبين من مسح رسمي وشامل أجرته دائرة الإحصاء المركزية ان الاستثمار السنوي للطالب (بدون معاشات المعلمين) في جهاز التعليم العربي هو 862 شيكل، أما لدى نظيره اليهودي فيبلغ 4935 شيكل. في ظل هذا الاستثمار الشحيح والفاضح تبدو انجازات التحصيل الدراسي لطلابنا كبيرة ومثيرة. وعادة ما يحلو للمسؤولين والمسؤولات الرسميين ان يتحدثوا عما يسمونه "سد الفجوات"، ولكن الارقام، حتى الرسمية منها، تفضحهم وتفضح كذبهم وسياستهم العنصرية.

 

- لا يعود الكثير من الطلاب العرب الى مدارسهم. فنسبة التسرب من الدراسة، وفق المعطيات الرسمية لوزارة التربية والتعليم، هي 11% مقارنة بنسبة 5% في الوسط اليهودي. هناك اذن عشرات الالوف من الاولاد والبنات العرب لا يشاركون في التعليم ويقذف بهم الى الهامش، الى الفقر وإلى الجهل وليست هناك اطر بديلة لاستيعابهم ومساعدتهم في العودة الى الدراسة. التعليم، في الواقع، ليس مجانيا وهو في الحقيقة ليس الزاميا بالمعنى الفعلي للالزام. وللدقة فإن "التعليم المجاني الالزامي" هو مطلب وطموح وليس قائما في الواقع.

 - يعود الطلاب ومعظم المدارس غير جاهزة لاستقبالهم بما يستحقونه من بيئة تعليمية. ولا يجري الحديث هنا عن نواقص هنا وهناك، بل عن بنية تحتية مهترئة هي اقل بكثير من الحد الادنى المطلوب. ولو أجريت فحوصات السلامة والامان والصحة وفق المعايير الملزمة، لتطلب الامر إغلاق عدد كبير من المدارس العربية لعدم صلاحيتها في ضمان سلامة الطلاب. لم تستطع سلطات محلية عربية كثيرة ان تقوم باعمال الصيانة اللازمة بسبب ازمتها المالية، أو بسبب عدم حصولها على الميزانيات المخصصة لذلك. لكن ما يهم الاهالي هو السطر الأخير، وهو ان ابناءهم يتعلمون في ظروف صعبة وأحيانا خطرة.

 

جهاز"الشاباك" هو المقرر في تعيين المعلمين العرب

 

- تفتتح السنة الدراسية وتبلغ وقاحة وزيرة "التربية والتعليم"، ليمور ليفنات والمديرة العامة للوزار، رونيت تيروش، أوجها. فعندما سئلت ليفنات عن احوال جهاز التعليم العربي، أجابت: "لست مسؤولة عن التعليم العربي، إسألوا تيروش". أما عن علاقة التعليم بالظروف الاجتماعية والاقتصادية فقالت :"لست مسؤولة عن الفجوات الاجتماعية" (نسأل من؟). تيروش من جهتها كانت واضحة في إعترافها بتدخل "الشاباك" (جهاز الأمن العام) في التعيينات في جهاز التعليم ووقحة في تبريرها لهذا التدخل. لم تكشف تيروش سراً، لكن الوقاحة في التبرير تؤكد ان وزارتها لا تنوي الغاء أو حتى تخفيف دور "الشاباك" في المدارس لضمان استمرار سياسة التجهيل القومي ومنع استحواذ الطلاب على ثقافة وطنية وذاكرة تاريخية "خطيرة على أمن الدولة". هذا وحده كاف لنسف كل كلامها عن تحسين اوضاع التعليم العربي. فهي تعلم قبل غيرها ان الاعتبارات غير المهنية لها اثر مدمر على جهاز التعليم.

 

  - يعود الطلاب الى مدارسهم ومن حقهم ان نباركهم، ولكن الظروف الصعبة، بل الصعبة جداً للتعليم العربي، كانت تتطلب إعلان الاضراب العام في المدارس، حتى لا يكون السكوت علامة الرضى. هذا هو موقفنا وقد شاركنا فيه الاتحاد القطري لاولياء الامور العرب وعدد من رؤساء السلطات المحلية، لكن لجنة المتابعة في اجتماعها الاخير عشية افتتاح السنة الدراسية قررت افتتاح السنة الدراسية بانتظام. ورغم التحفظ من هذا القرار، الذي يعكس فيما يعكس حسب رأينا عدم إيلاء قضية التعليم الاولوية اللازمة، فإن المطلوب هو وضع التعليم في رأس سلم اولوياتنا، والشروع بحملة جماهيرية جدية يشارك فيها الطلاب واولياء أمورهم والسلطات المحلية والاحزاب والمنظمات والجمعيات وغيرها. إن العمل البرلماني يؤتي ببعض النتائج، لكنه غير كاف بالمرة اذا لم يرافقه تحرك شعبي من اضرابات ومظاهرات وحملات تجنيد للرأي العام ضد سياسة التمييز العنصري والتجهيل القومي، التي تتبعها وزارة التربية والتعليم.

لقد سبق لنا أن صغنا مشروعا شاملا ومفصلا لإحداث تغيير جذري في التعليم العربي، وفي مركزه الادارة الذاتية الثقافية. وقد تبنى الكثيرون هذا المشروع. ولعل من واجب جميع الاحزاب السياسية ان تصوغ مواقفها ومطالبها بشكل اوضح وأن لا تكتفي بانتقاد ومعارضة هذا المشروع. إن المطلوب من الجميع هو توظيف جهود اكبر والدفع بطاقات مجتمعنا كلها في سبيل تحقيق مطالبنا وحقوقنا العادلة في حقل التعليم، الذي له دور رئيسي في صياغة مستقبل أبنائنا ومجتمعنا.


* عضو في الكنيست، رئيس كتلة "التجمع" البرلمانية

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات