المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شطب قائمة "التجمع" والنائبين عزمي بشارة وأحمد طيبي، في لجنة الانتخابات المركزية في الكنيست، في 31 من الشهر الماضي، لم يكن إجراءً قضائيًا صحيحًا، وبخاصة انه صادر عن جسم سياسي حزبي تسيّره المصالح الحزبية الضيقة...

كتب: علاء حليحل

حسن جبارين، مدير مؤسسة "عدالة"، سيقف (الثلاثاء 7 يناير) أمام أحد عشر قاضيًا في المحكمة العليا الاسرائيلية، وسيحاول إقناعهم بأن شطب قائمة "التجمع" والنائبين عزمي بشارة وأحمد طيبي، في لجنة الانتخابات المركزية في الكنيست، في 31 من الشهر الماضي، لم يكن إجراءً قضائيًا صحيحًا. جبارين، كغيره من رجال القضاء في اسرائيل، يرى في اللجنة المركزية للانتخابات جسمًا حزبيًا سياسيًا، تسيّره المصالح الحزبية الضيقة. ذلك على الرغم من أنّ قاضي المحكمة العليا، ميشيل حيشين، يرئس هذه اللجنة ويدير جلساتها. أكبر دليل على التناقض بين رئيس اللجنة واهتماماته واجتهاداته، وبين أعضاء اللجنة ممثلي الأحزاب واهتماماتهم واجتهاداتهم، هو ما قاله ممثل "شاس" في اللجنة للقاضي حيشين، بعد أن صوّتت اللجنة ضد رأي الأخير بشأن منع باروخ مرزل من الترشح للكنيست: "إنهم لا يكيّلون بصاعك.."!

* من البداية

في الخامس من أيار للعام 2002 صادقت الهيئة العامة للكنيست على اقتراح تعديل لقانون أساس: الكنيست، الذي تقدم به عضو الكنيست يسرائيل كاتس (الليكود). كاتس تقدم بهذا التعديل في أعقاب الخطاب كثير الذكر والترداد في الاعلام والأوساط الاسرائيلية، الذي ألقاه بشارة في القرداحة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة حافظ الأسد (يُنظر لاحقًا). هذا التعديل جاء تحت عنوان "منع مشاركة قائمة" نصّ على ما يلي:

"7 (أ) لن تشارك قائمة مرشحين في انتخابات الكنيست ولن يترشح مرشح لانتخابات الكنيست، إذا كان من ضمن أهداف أو أفعال القائمة أو أعمال الشخص، ضمنيَا أو علانيةً، واحد من التالي: (1) نفي وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية؛ (2) التحريض على العنصرية؛ (3) دعم الكفاح المسلح، من جهة دولة عدو أو من جهة تنظيم إرهابي، ضد دولة إسرائيل".

البندان 7(أ)(1) و7(أ)(3) أسسا الادعاءات لشطب المرشحين والقوائم العربية، والبند 7(أ)(2) أسس الادعاءات لشطب باروخ مارزل.

المستشار القضائي للحكومة، إلياكيم روبنشطاين، قدم توصية إلى اللجنة المركزية للانتخابات، مرفوقة بتقرير من "الشاباك" الاسرائيلي، حرره شخص يسمي نفسه "نداف"، بطلب منع قائمة "التجمع" ورئيسها عزمي بشارة من خوض الانتخابات الوشيكة. هذه التوصية هي الأخطر من ضمن ما حدث من طلبات شطب ومنع في الشهر الأخير، لأنها تصدر عن المستشار القضائي للحكومة أولا، ولأنها تستند إلى تقرير مخابراتي ثانيًا. سنتركز في هذا الطلب دون الخوض في تفاصيل مطلب منع الطيبي أيضًا من خوض الانتخابات، بناء على طلب من نواب اليمين، لأن الادعاءات التلخيصية أمام العليا ستكون متشابهة إلى حد بعيد، خاصةً في موضوع يهودية الدولة والتماثل مع تنظيم "إرهابي".

ردًا على توصية روبنشطاين قدم "التجمع" للجنة الانتخابات المركزية ملفات تحتوي على مقالات وكتب ولقاءات صحفية، كلها تعبر عن المضامين التي يبثها بشارة داخل إسرائيل وخارجها. بشارة قال بعد شطبه وشطب "التجمع" إن إنطباعه كان أن أعضاء اللجنة لم يقرأوا المواد المقدمة إليهم، إلا القاضي حيشين. هذا موضوع آخر، ولكن الكثيرين رأوا معارضة حيشين لمنع "التجمع" وبشارة والطيبي من خوض الانتخابات، دليلاً قاطعًا على عقم عمل هذه اللجنة وإستحالة النظر بموضوعية في مثل هذه القضايا. نفس كمية المقالات والكتب والأشرطة ستقدم إلى المحكمة العليا، مرفقة بتسويغات قضائية تلخص هذه المواد، كما رأتها "عدالة". في هذا الاستعراض سنتركز في هذه التسويغات التي جاءت ردًا على تقرير "الشاباك" المرفق بتوصية المستشار القضائي واحتمالات دحض هذا التقرير.

لكن قبل ذلك هناك إضاءة قضائية يجب ذكرها والتشديد عليها، ويمكن أن تلعب دورًا حاسما دون أن يكون أحدٌ أولاها الاهتمام اللائق. مثل هذا سبق وحدث مع بشارة. ففي الجلسة الأولى من محاكمته في الناصرة بتهمة مساعدة العرب من الداخل على زيارة سوريا، كشف جبارين عن أن هناك بندًا في قانون أساس: الكنيست، يعفي عضو الكنيست من المحاسبة والمساءلة على هذه التهمة، إذا كان يحمل جواز سفر دبلوماسيًا. هذه المرة يمكن أن تقر العليا بأنه لا يمكن إحالة سريان هذا التعديل على تصريحات وأفعال تمت قبل التصديق عليه في الكنيست. نحن نعرف أنه بعد التعديل على القانون في الكنيست، فإن أحدًا من النواب العرب أو الأحزاب لم يخرقه بأي تصريح!

* يهودية الدولة

كتب "نداف"، وهو شهد على نفسه في بداية التقرير بأنه "خريج دائرة تاريخ الشرق الاوسط ودائرة العلاقات الدولية، ويحمل درجة الماجستير في دراسات الشرق الاوسط وخريج دورة الاستخبارات في مجال جمع المعلومات والأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية وفي جهاز الامن العام، وصاحب خبرة عشرين عاما في جمع المعلومات والأبحاث في هذين الجهازين. خبرة العمل الراهن: العمل في وحدة الابحاث في الجهاز (الشاباك) منذ عام1988 في ميدان الابحاث المتصلة بالموضوع الفلسطيني وعرب اسرائيل. وحاليا يعمل في الشاباك في منصب رئيس قسم الأبحاث في مجال عرب اسرائيل". كتب نداف: "من منطلق أفكار التجمع الوطني الديمقراطي يتبين ان النشاط لإلغاء الطابع اليهودي لإسرائيل يشكل هدفا مركزيا يعمل التجمع من أجل تحقيقه بدأب. وطوال الوقت، بواسطة خطة فعلية وممنهجة، شرع بتنفيذها عمليا. وذلك عبر إساءة استخدام مكانة بشارة كعضو كنيست وحقوق الحصانة التي يتمتع بها. وعلاوة على ذلك، فان الدعم الصريح لرؤساء الحزب لحق العودة للاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل وفكرة الدولة ثنائية القومية في كل ارجاء "فلسطين التاريخية" حيث يسمح للبقاء فيها فقط من هم من سلالة اليهود الذين كانوا يعيشون في البلاد قبل عام 1948 تشهد على ان التجمع يسعى ليس فقط لإلغاء الطابع اليهودي للدولة وانما لإلغاء الدولة وتحويل الجمهور اليهودي فيها الى أقلية تخضع لسلطة الاغلبية العربية في دولة فلسطين".

اللافت للنظر في ادعاءات "نداف" أنه يقول إن الأفكار أعلاه هي منهجية وهي في صلب عمل ونشاط "التجمع" وبشارة. "نداف" يعرف حق المعرفة أن العليا كانت قالت سابقًا إنه يجب أن يكون موضوع المخالفة جزءًا من سيرورة ورؤيا الحركة أو الشخص، وهذا ما حصل بالفعل عندما شطبت العليا حركة "كاخ" من خوض الانتخابات آنذاك. هذا ما قاله أيضًا ممثل يسرائيل كاتس في لجنة الانتخابات في 31 السابق، بأن ما يقوله بشارة وما يفعله هو منهجي وهو "نهج حياة" وليس تصريحًا هنا أو هناك. الجميع إذًا يعلم أن هذه النقطة مركزية جدًا في نظر القضاة، ومن المتوقع أن تلعب دورًا غير قليل في القرار النهائي: حتى في حالة إعتبار بشارة والطيبي مخالفين للقانون (البند 7(أ))، هل تشكل هذه المخالفة تعبيرًا عن نهج متواصل، أم أن ما قيل هو تصريح عابر؟

"عدالة" ستتطرق لنقطة يهودية الدولة من هذا الباب: ليس في مطلب "دولة كل مواطنيها" أن يلغي وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية بمعنى القضاء على الدولة. وأكثر من ذلك أنه ليس في هذا المطلب أي إلغاء لديمقراطية الدولة. نحن سندعي أن فكرة "دولة المواطنين" لا تقضي على الدولة اليهودية، ولا تخرج عن الاطار الديمقراطي ولا تلغيه؛ مع تبني الفكرة تتحقق حرية التعبير وسوق الآراء الحرة، وهو واحد من اللبنات الأساسية لكل نظام ديمقراطي ليبيرالي". في هذا الادعاء إجابة على إدعاءات "الشاباك" والمستشار القضائي، وفيها أيضًا إشارة إلى عنصر ثانٍ هام سيسيّر القضاة في المحكمة العليا، وهو موضوع "القضاء على الدولة". هل الحديث هنا عن القضاء على طابع الدولة وتغيير بناء مؤسساتها وتعريفاتها، أم عن القضاء الفعلي على إسرائيل. لو نجحت "عدالة" في إقناع القضاة بأن الحديث يدور عن الحالة الأولى لانزاح هذا العبء عنهم في المحكمة.

من جهة أخرى كان بشارة صرح في لقاء نُشر هنا في الموقع، أنه يريد تحويل دولة إسرائيل من دولة يهودية في جوهرها وديمقراطية في طابعها، إلى دولة ديمقراطية في جوهرها ويهودية في طابعها". من المثير تتبع نمو ونشوء هذا التصريح إبتداءً من يوم الثلاثاء السابع من يناير 2003.

* التنظيمات الارهابية

"عدالة" ستعرض أمام القضاة معضلة غير سهلة: ما هو تنظيم الارهاب، كيف يمكن تعريفه وما هي ملامحه؟ المُشرّع في الكنيست الاسرائيلي لم يعرّف تنظيم الارهاب من يكون، وبالتالي ستدعي "عدالة" أن هذا الأمر غير سليم لأنه يقوّض مبدأ الفصل بين السلطات لأن المحكمة عندها ستضطر لتعريف التنظيم الارهابي. وستدّعي "عدالة"، "أن التعبير "دعم" هو تعبير واسع جدًا في هذا السياق، ويجب تفسير هذا البند تفسيرًا مقلّصًا وعينيًا، يتلاءم مع مبادئ الأساس وعلى رأسها حرية التعبير. لا يكفي بتحليل لواقع سياسي يُستخلص منه أن مقاومة الاحتلال هي متاحة وشرعية، ولا تكفي مقولة إن الانتفاضة شرعية، لأن هدفها إنهاء الاحتلال، ولا تكفي أية صلة كانت مع تنظيم "إرهابي" لإثبات الدعم، وإنما يجب إثبات الدعم المحسوس لتنظيم "إرهابي" عيني، يساعده في عراكه المسلح، أهمه الدعوة إلى الانضمام إلى التنظيم العيني لمساعدته، أو الدعوة الصريحة لتنظيم عيني للاستمرار في نشاطه المسلح".

في الشق الأخير من الادعاء تحاول "عدالة" الإجابة على ادعاء دعوة بشارة إلى توسيع "المقاومة"، حيث ستدعي "عدالة" أن المقاومة ليست إرهابًا، لأن الارهاب أصلاً لم يُعرّف، وإن دعوة بشارة آنذاك لم تكن لتنظيم عيني واضح ومُسمًى. في رد "التجمع" الذي أصدروه بعد تقديم المستشار القضائي للحكومة لتوصيته، وبعثوا به إلى آلاف المواطنين اليهود عبر البريد الالكتروني، كُتب: "ليس أن بشارة لم يدعُ إلى الحرب فحسب، بل أنه دعا إلى مبادرة عربية. هذا في ضمن الموقف المبدئي لـ "التجمع" بأن حل النزاع لن يكون إلا في إطار قمة شاملة، بمشاركة إسرائيل، القيادة الفلسطينية، وممثلي الدول العربية... نحن متمسكون بموقفنا بأن المبادرة العربية هي الجواب الأفضل لحكومة شارون"...

* تقرير "الشاباك"

ستدعي "عدالة" أمام العليا أن الأدلة التي جاء بها تقرير "الشاباك" لا تعتمد على أسس واقعية، غير موثقة، وغالبيتها غير صحيحة. "كذلك، سندعي أن الاستناد إلى تقرير من "الشاباك" فيه تدخل من جهة جسم حكومي يتبع للسلطة التنفيذية في الاجراء الديمقراطي- المدني. تدخل "الشاباك" هو عمل خطير جدًا وغير مسبوق".

المستشار القضائي يعتمد في تقريره على العديد من التصريحات والنشاطات، أهمها لقاء بشارة مع ممثلين من "حماس" في الخليل (الأمر الذي ينفيه بشارة)، وخطاب بشارة في القرداحة. لا غضاضة من أيراد فقرة طويلة من الخطاب، والتي يعتمدها المستشار القضائي وأرفقها مترجمة للعبرية مع الأدلة:

"لا يمكن الاستمرار بعد من دون توسيع المُتّسع بين إمكانية الحرب الشاملة وبين حقيقة أن الاستسلام هو محتم. ما يميز حكومة شارون أنه بعد انتصار المقاومة اللبنانية والتي استفادت من المتسع المذكور، الذي وسّعته سوريا بمثابرة، وبين القبول بالشروط الاسرائيلية المسماة باسم السلام الدائم، وبين الخيار العسكري- هذا المتسع ساعد عناد وبطولة قيادة ومحاربي المقاومة اللبنانية. لكن بعد انتصار المقاومة وبعد جنيف وبعد كامب ديفيد، جاءت الحكومة الاسرائيلية لتحاول أن تضيّق من هذا المتسع، لكي تفرض خيارًا على شاكلة: إما القبول بالشروط الاسرائيلية وإما الحرب الشاملة. هكذا لن يكون بالامكان الاستمرار في الخيار الثالث، وهو خيار المقاومة، إلا بإعادة توسيعه، لكي يتمكن الناس فيه من النضال والمقاومة. كذلك، لا يمكن توسيع هذا المتسع إلا بواسطة موقف سياسي عربي موحد وفعّال في الحلبة الدولية وقد حان الوقت لذلك".

المستشار القضائي يرى في دعوة بشارة إلى توسيع متسع المقاومة دعوة إلى دعم "الارهاب" ضد إسرائيل. لكن المستشار القضائي للحكومة لم يعرض التفسير الثاني لهذه المقولة: بشارة يدعو إلى مقاومة شعبية كما في السابق، لنفي خيار إما الحرب وإما الشروط الاسرائيلية. سيكون مثيرًا ترقب "عدالة" في تبنيها لهذا التفسير، وفي حالة تبنيه، كيف سيتعامل بشارة وغيره من النواب العرب مع "حماس" و"الجهاد" و"الجبهة" وأذرعة "فتح" العسكرية؟

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, يسرائيل كاتس, الليكود, كاخ

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات