كان العرب في إسرائيل جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني حتى عام 1948. وبعد الحروب التي أدت إلى تأسيس دولة إسرائيل وتشتيت الشعب الفلسطيني، فصل هؤلاء عن المجتمعات الفلسطينية الأخرى في الدول العربية المجاورة.
كان العرب في إسرائيل جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني حتى عام 1948. وبعد الحروب التي أدت إلى تأسيس دولة إسرائيل وتشتيت الشعب الفلسطيني، فصل هؤلاء عن المجتمعات الفلسطينية الأخرى في الدول العربية المجاورة. على أنه من المفيد قبل الانغماس في تاريخ العرب بإسرائيل فحص نتائج حرب عام 1948 التي ما تزال تشكل الأساس للوضع الاجتماعي السياسي للعرب داخل إسرائيل، بل ولمعظم الفلسطينيين في الواقع.
بعد اتفاقيات الهدنة التي وقعت بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها في عام 1949 كان هناك 150 ألف عربي تقريبا يعيشون داخل الخط الأخضر. هذه المجموعة شكلت نحو سدس الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في المناطق التي أصبحت دولة إسرائيل. لقد شتتت الحرب نحو 750 ألف فلسطيني صاروا لاجئين في الدول العربية المجاورة.
وجد العرب الذين لم يبارحوا موطنهم أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه. فبينما غدا العرب في إسرائيل مواطنين وأخذوا يتمتعون ببعض حقوق المواطنة كانوا أيضا مقطوعين تماما عن بقية العالم العربي – ولاسيما عن سائر أبناء الشعب الفلسطيني. وفي داخل بلدهم عوملوا بعداء ونزعت ملكية مساحات واسعة من أراضيهم وظلوا يعيشون تحت الحكم العسكري حتى عام 1966. كانت تلك أصعب فترة مرت بالعرب داخل إسرائيل الذي جاهدوا لمجرد البقاء في ظل سياسات قمعية تنفذها سلطات عسكرية تحكم المناطق العربية.
لقد دمرت حرب 1948 المجتمع الفلسطيني وثقافته ونخبته السياسية. وعندما تفرقت القيادة، ولم يبق سوى قطاعات ضعيفة من الشعب الفلسطيني، كان في مقدور إسرائيل تهويد المناطق العربية ونزع الهوية الفلسطينية عن العرب داخل إسرائيل. ثم إن السلطات الإسرائيلية فرضت سياساتها على المناطق العربية التي كانت معزولة تماما عن بقية العالم العربي.
لم يتحد السياسات الإسرائيلية في ظل الحكم العسكري سوى أقلية صغيرة جدا من العرب داخل إسرائيل. كان من أبرز هؤلاء الشيوعيون والقوميون الذين رفضوا السياسات الإسرائيلية تجاه المجتمع العربي. لكن العرب في إسرائيل دفعوا حتى العام 1967 ثمنا عاليا مقابل تمسكهم بأرضهم ووطنهم. لقد عزلوا عن العالم العربي وأخضعوا لسياسات إسرائيلية تصدرتها إدارة عسكرية فصّلت على قدّ المجتمع العربي.
بعد الحرب-الكارثة عام 1967 خرج العرب في إسرائيل من عزلتهم وحددوا صلتهم ببقية الفلسطينيين والعالم العربي. كان لنهاية الحكم العسكري في عام 1966، وما تبع ذلك إثر حرب 1967 من انشغال السلطات الإسرائيلية في السيطرة على المناطق التي احتلتها في هذه الحرب أثرا عظيما على العرب داخل إسرائيل. فقد اكتسبوا ثقة بالنفس وكونوا أجندة سياسية خاصة بهم منذ أواسط السبعينات.
هذه الأجندة ما زالت قائمة اليوم رغم ما ألم بها من تشذيب مستمر على مدى الثلاثين سنة الماضية، وهي تستند إلى مطلبين أساسيين: السلام والمساواة. يجب أن يكون السلام قائما على إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ويجب إيجاد مساواة مدنية بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل كشرط للتوصل إلى مصالحة تاريخية ونهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أيدت الغالبية العظمى من العرب في إسرائيل اتفاقات أوسلو لعام 1993، لأنها طرحت موضوعا حساسا يتمثل في إمكانية إنهاء الاحتلال وتأسيس دولة فلسطينية. في ذلك الوقت سعت حكومة إسحق رابين إلى تضييق الفجوة بين العرب واليهود باتباع سياسة مساواة تدريجية.
وقد أغضبت سياسات حكومة رابين هذه المعارضة اليمينية المتطرفة في إسرائيل. وكان اغتيال رابين في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1995 بداية نهاية سياسات المساواة والسلام. واليوم وبعد سنوات من اغتيال رابين لا نبالغ إذا قلنا إن القاتل ومؤيديه في اليمين الإسرائيلي المتطرف نجحوا في مهمتهم.
ثمة صلة وثيقة بين مستقبل العرب داخل إسرائيل ونجاحهم في الحصول على حقوق مدنية متساوية مع اليهود، وبين مستقبل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. إن استمرار الاحتلال والصراع الدموي بين الشعبين يهدد حتى بتبديد المكاسب القليلة التي حققها العرب داخل إسرائيل منذ السبعينات. ومن ناحية أخرى فإن إنهاء الاحتلال وتأسيس دولة فلسطينية في الضفة وغزة يشكل تحقيقاً لمطلب واحد فقط للعرب في إسرائيل. والمطلب الثاني هو المساواة التامة. إنهم يطالبون بإنهاء التمييز الذي يسري في عروق دولة هي "لليهود فقط"، ويطالبون بأن تصبح إسرائيل دولة لكل مواطنيها: عربا ويهودا.
وإذ يقف المجتمع الإسرائيلي اليوم متأهبا لخوض انتخابات جديدة فإن على مواطنيه الاختيار بين السلام والمساواة وبين الاحتلال واستمرار النزاع. وإذا ما انحازت الحكومة المقبلة إلى الخيار الثاني فإن اليمين السياسي يكون قد نجح في قطع طريق السلام والمساواة الذي يمر عبر تقسيم فلسطين التاريخية وإنشاء دولتين. في مثل هذه الحالة فإن العرب في إسرائيل، والفلسطينيين بشكل عام، سيرغمون على خلق أجندة جديدة. قد تسعى هذه الأجندة مثلا إلى تأسيس دولة ديمقراطية مزدوجة القومية على كامل أرض فلسطين من نهر الأردن إلى البحر، بدلا من نظام قمعي ذي سياسات تقوم على الفصل العنصري.
إن إنهاء الاحتلال وتأسيس دولة فلسطينية في المناطق التي احتلت عام 1967 شرط ضروري لتمكين أفراد الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل للحصول على المساواة التامة كمواطنين. وقبول هذا الحل سيكون تنازلا كبيرا يتم تقديمه من أجل التوصل إلى مصالحة تاريخية بين اليهود والعرب. وإذا نجح اليمين السياسي في إحباط هذا الحل، فإنه لن يلحق الأذى بفرص إحلال السلام بين الشعبين فحسب، بل سيهدد أيضا استقرار المجتمع الإسرائيلي واستقرار النظام السياسي الإسرائيلي.
د. عادل مناع مدير مركز دراسة المجتمع العربي في إسرائيل، في معهد فان لير – القدس الغربية.