يمتلك د. جمال زحالقة، بحكم تجربته الطويلة في المحافل السياسية والأكاديمية جوابا لكل سؤال. وهو يعرض نظرية سياسية واضحة، يضمنها اقتباسات عن غرشون شالوم وكليمانصو ومكيافيللي، ولا يتوانى عن استخدام كلمات ومصطلحات باللغة الإنجليزية.
يتبنى "التجمع" موقفا يقضي بضرورة تركيز المعركة الانتخابية ضد الاحزاب الصهيونية المختلفة، بيمينها ووسطها و”يسارها”، والتعاون بين مختلف التيارات الوطنية العربية والفاعلة في الوسط العربي، وعدم الاحتراب فيما بينها، والعمل على اوسع مشاركة ممكنة للعرب في الانتخابات،" رداً على السياسة العنصرية وسياسة التخويف والتهميش والترانسفير السياسي للتيارات الوطنية العربية"، كما قال في بيان انتخابي له من اواخر الاسبوع.
وفي ضوء استطلاعات الرأي العامة، التي تتنبأ لـ "التجمع" بالفوز بإكثر من مقعدين في الكنيست السادسة عشرة، اصبحت فرص الدكتور جمال زحاقة (ابن كفر قرع - المثلث) عالية للوصول الى عضوية البرلمان الاسرائيلي، في حال اتفق مؤتمر الجمعة القادم على انتخابه في المكان الثاني على اللائحة، بعد النائب بشاره نفسه.
وينشط الدكتور زحالقة في الشارع الاسرائيلي ايضا كمحاضر وخطيب ومحاور سياسي، وبطبيعة الحال فإن شخصيته تشد انظار مندوبي مختلف وسائل الاعلام الاسرائيلية. ونشرت "هآرتس" العبرية في نهاية الاسبوع تقريرا مطولا عنه، نورد فيما يلي ابرز ما جاء فيه:
جمال زحالقة: الاستطلاعات تضمن له مقعدا في البرلمان القادم
يمتلك د. جمال زحالقة، بحكم تجربته الطويلة في المحافل السياسية والأكاديمية جوابا لكل سؤال. وهو يعرض نظرية سياسية واضحة، يضمنها اقتباسات عن غرشون شالوم وكليمانصو ومكيافيللي، ولا يتوانى عن استخدام كلمات ومصطلحات باللغة الإنجليزية. وتجده يتمهل قليلا في إجابته، فقط عند سؤاله عما يميزه عن شريكه د. عزمي بشارة. وعن ذلك يقول زحالقة مبتسما: "تربطني بعزمي صداقة متينة جدا منذ 25 عاما. هناك تقارب كبير بيننا من ناحية إيديولوجية، ولكن قد يكون الفارق بيننا في الأسلوب. لعله يميل إلى الأسلوب العقلاني في حين أجدني أميل إلى الأسلوب العاطفي". ومع ذلك يعود زحالقة ليجد فارقا أكثر جوهرية بقوله: "ربما أكون مؤيدا، أكثر من عزمي، للتوجه نحو مخاطبة الجمهور اليهودي".
غير أن هذا الموقف لا يمنع زحالقة، الذي يترأس الطاقم الإعلامي في "التجمع الوطني الديمقراطي"، من أن يقود بحماس المطالبة المتزايدة في صفوف العرب في إسرائيل بالحصول على إدارة ذاتية (أوتونوميا) ثقافية. "نحن لا نريد أوتونوميا إقليمية ولا غيرها"، يقول زحالقة، ويضيف موضحا: "نحن نقول أن لنا الحق في أن ندير بأنفسنا الأمور والجوانب التي نتميز بها. هذا يعني أنه يجب على دولة إسرائيل الإعتراف بحقنا في إدارة حياتنا الثقافية بصورة مستقلة، وليس بواسطة رجال الشاباك أو بواسطة مستشرقين في وزارة المعارف. كتب التعليم والأدب والتاريخ والثقافة الإسلامية، نستطيع أن نكتبها لوحدنا. لا يعقل بقاء مليون نسمة بدون مسرح وطني أو صندوق لتشجيع السينما".
تمهيدا لإنضمامه المحتمل لعضوية الكنيست، ينهي زحالقة في هذه الأيام ثلاث سنوات شغل فيها منصب مدير عام جمعية "الأهالي"، التي يتمثل مشروعها الأساسي في إقامة اتحاد المزارعين العرب في إسرائيل، الهادف إلى مساواة ظروف وحقوق هؤلاء المزارعين بتلك التي يتمتع بها أعضاء اتحاد من المزارعين الإسرائيليين.
في نطاق إحدى مهامه الأخيرة كمدير عام للجمعية، توجه د. زحالقة مطلع هذا الشهر إلى القاهرة، في إطار وفد ضم العشرات من مدراء المنظمات والجمعيات، لحضور مؤتمر نظم هناك تحت عنوان "فلسطينيو العام 1948 يدقون أبواب العالم العربي".
أحد رؤساء الوفد العربي من إسرائيل، د. باسل غطاس، مدير عام "إتجاه"، المنظمة التي تنضوي في إطارها الجمعيات العربية، قال في كلمته مخاطبا الزملاء المصريين: "نحن لسنا أبطالا، ولكننا أيضا لسنا خونة، بحيث يبرر ذلك إهمالكم لنا. فالعلاقات معنا لا تعني التطبيع مع إسرائيل. على العكس، فهي تعزز الكفاح ضد المشروع الصهيوني".
رفض زحالقة التعقيب مباشرة على أقوال زميله المتعلقة بالنضال ضد المشروع الصهيوني، وقال أنه اتخذ موقفا مغايرا، حين تحدث في المؤتمر عن حق اليهود بالعيش في إسرائيل. وصرح زحالقة الأسبوع الماضي: "قلت أن الرؤيا للقضية العربية يجب أن تتضمن رؤيا للقضية اليهودية. لليهود الحق الكامل في العيش كمجتمع، وأنا من جهتي مستعد للتعامل مع اليهود بمساواة تامة. إنني أتذكر المأساة الفلسطينية. وأقول في ذات الوقت: يوجد هنا أناس يعيشون ومن حقهم أن يعيشوا أو يتطوروا. بل وباستطاعتي أن أتعاطى معهم باعتبارهم من أبناء البلاد بحكم تواجدهم هنا، لا فرق بيني وبينهم ولكن ليس من منطلق شرعية تاريخية توراتية أو منطلق حق غامض، مبهم".
العرب يحصلون على "فتات" المساعدات!
يعتبر المؤتمر المنعقد في القاهرة الأول من نوعه، وهو يمثل اتجاهين آخذين بالتنامي خلال العامين المنصرمين منذ أحداث تشرين الأول (أكتوبر) 2000.
الإتجاه الأول: زيادة حضور الشخصيات الممثلة للعرب في إسرائيل في الحلبتين الإعلامية والأكاديمية في العواصم العربية،
الاتجاه الثاني: الميل المتزايد لدى السياسيين والناشطين العرب في منظمات حقوق الإنسان نحو طرح قضاياهم أمام المنظمات والمحافل العربية والدولية طلبا للدعم والمساعدة.
ويبرز في مجال هذه التحركات رؤساء "التجمع" أو الجمعيات المقربة منه مثل "اتجاه" والمركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل "عدالة". ولا يخفي د. زحالقة نواياه لإشتكاء إسرائيل أمام منظمات ومحافل دولية، وذلك إزاء أي انتهاك لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل، ويقول: "اليوم توجد عولمة في السياسة أيضا. فإسرائيل تحسب الحساب الآن لما يكتب أيضا في مجلة "ايكونوميست"، ولما يقولونه في الإتحاد الأوروبي، وفي الرأي العام الأميركي، وذلك أكثر مما كانت إسرائيل توليه لذلك في الماضي. وأعتقد أن باستطاعتنا اليوم طرح مشاكلنا أمام هذه المحافل". ويرى زحالقة أن التوجه إلى تلك القنوات لا يتناقض مع العمل البرلماني، بل على العكس - يتمشى معه. ولعل خير مثال على ذلك، هو البحث الذي يقف وراءه زحالقة، والذي يجري في هذه الأيام، وهو بحث يستهدف معرفة الحصة التي يجب أن ينالها الوسط العربي من مجمل المساعدات المالية المقدمة لإسرائيل من دول في الخارج. ويقول زحالقة إن "الإتحاد الأوروبي يستثمر عشرات ملايين الدولارات في مشاريع ثقافية في إسرائيل، ومع ذلك فإن السكان العرب لا يحصلون على شيء يذكر من هذه المساعدات، ربما على الفتات، ليس إلا. لماذا؟!". يعارض زحالقة بشدة الحملة التي تجري في أوساط الجمهور العربي لمقاطعة الإنتخابات، وهو يرى أن التمثيل في البرلمان الإسرائيلي مكسب لا يجوز للعرب الإستخفاف به، ويقول: "المشاركة في الكنيست تمثل أولا وقبل كل شيء منصة سياسية لتوجيه وإيصال الرسائل. ثانيا، البرلمان يشكل طريقا - وإن كان صعبا - للإهتمام بالمشكلات اليومية للمواطن العربي. فالمكتسبات التي يحققها السكان العرب هي في المحصلة تسوية بين الحكومة وبين جالية متماسكة".
تأمل أوساط "التجمع" بالحصول في انتخابات 28 كانون الثاني المقبل على أصوات كافية تمكن القائمة من الفوز بأربعة مقاعد في الكنيست القادمة. وهذه بطبيعة الحال تقديرات متفائلة جدا. فإذا اعتمدنا على استطلاعات الرأي، فإن عزمي بشارة سوف يجلس في الكنيست الـ 16 وإلى جانبه ممثل آخر، وهناك احتمال كبير أن يكون جمال زحالقة – الذي كان من مؤسسي "التجمع الوطني الديمقراطي" قبل سبع سنوات - الممثل الثاني إلى جانب بشارة.
لكن مكان زحالقة في قائمة الحزب غير مضمون بعد، إذ سيتعين عليه التنافس على هذا المكان (الثاني في القائمة) في الإنتخابات الداخلية لمؤتمر الحزب المقرر إجراؤها أواخر هذا الشهر (الجمعة القادم)، والتي سيتنافس فيها مسؤولون آخرون في الحزب، مثل د. محمود محارب، وحنين زعبي، والسكرتير العام "للتجمع" عوض عبد الفتاح. ولكن إذا اعتمدنا على أقوال أحد المحللين، فإنه ليس من المتوقع أن يواجه زحالقة مفاجأة في انتخابات مؤتمر الحزب الذي يديره بشارة بصورة فردية، وفقا لهذا المحلل.
لكن الإنتقاد الرائج للحزب لا يتناول طريقة إدارته، وإنما كثرة الأكاديميين في صفوفه، وهو ما يجعله حزبا نخبويا معزولا من الشعب. يقول زحالقة أن هذا النقد ينبع، لدى الجانب اليهودي على الأقل، من قصور في فهم المجتمع العربي، الذي لا يوجد فيه، على عكس المجتمع اليهودي، إنقطاع اجتماعي بين شريحة المثقفين وبين الشعب. ويعتقد زحالقة أن الجمهور العربي سيصوت لحزبه نظرا "لأننا نقف أمام مرحلة صعبة نحتاج فيها لتمثيل قوي ومسؤول وعلى مستوى عال. نحن بحاجة لأشخاص قادرين على تجنيد وحشد السكان العرب، وعلى إيصال رسائل لهم، وفي نفس الوقت اجادة مخاطبة العالم، وهو ما ليس باستطاعة أي شخص القيام به". ويضيف زحالقة أن "التجمع" حزب متنوع للغاية من حيث جمهور أنصاره ومؤيديه - "والدليل على ذلك أننا حصلنا في انتخابات العام 1999 على أصوات في الوسط القروي تزيد عن الأصوات التي حصلنا عليها في المدن".
"بغروت" في سجن الدامون
ولد زحالقة قبل 47 عاما في قرية "كفر قرع" في وادي عارة. وهو يقول أن الحاكم العسكري (الإسرئيلي) لقضاء المثلث طلب من أبيه تغيير إسم المولود (أي جمال). حيث قال له: "هذا إسم متطرف جدا" – "لكن والدي لم يكن مستعدا لتبديل الإسم".
عندما كان جمال زحالقة في الصف الثاني عشر، حيث كان يتلقى تعليمه في مدرسة يهودية في حيفا، اعتقل وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين بتهمة الإنخراط في تنظيم تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في كفر قرع. بعد إطلاق سراحه، وقد حصل على شهادة الثانوية (البغروت) التي أنهى دراستها في سجن الدامون، قُبل في شعبة الصيدلة في الجامعة العبرية، حيث حصل هناك على شهادة الدكتوراة في دراسة آثار حشيشة الكيف والماريحوانا على الجهاز الهضمي في جسم الإنسان.
وفي العام 1977، إلتقى زحالقة بعزمي بشارة في الجامعة، حيث عملا معا لأكثر من عشر سنوات في لجنة الطلاب ("كامبوس") اليهودية - العربية وفي الحزب الشيوعي، وأمضيا وقتا بصحبة مؤسسي اليسار في القدس، الذين تحولوا لاحقا إلى حركات "ماتسبين" و "الفهود السود" و "يوجد حد" و "السلام الآن" و "نساء بالأسود" - وكلها حركات يسارية. في العام 1989 سافر بشارة لمواصلة دراسته في ألمانيا الشرقية، وبعد عودته، إنشق بشارة وزحالقة من الحزب الشيوعي ليؤسسا "تحالف المساواة"، وهي حركة يهودية - عربية ناضلت من أجل فكرة الدولة ثنائية القومية. بعد ذلك أسسا معا "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي أخلى فيه التعاون اليهودي - العربي مكانه لصالح القومية العربية والفلسطينية.
يقول زحالقة إن قومية "التجمع" "لا تشكل احتجاجا على محاولة محو هويتنا وحسب، وإنما نحن نعتقد أنها طريق إلى العصرية والتقدم". ومع ذلك يعارض زحالقة بشدة "مظاهر التطرف القومي" التي تجلت خلال العامين الماضيين من خلال اتهام شبان عرب من إسرائيل بالمشاركة في عمليات مسلحة. يقول زحالقة: "نحن نثقف الشباب ضد مثل هذه الأمور، ونؤكد دائما أن نضالنا هو نضال سياسي في إطار القانون". ويضيف إن التجربة المكونة للجيل الشاب تمثلت في أحداث تشرين الأول - أكتوبر (2000) "ولكننا نناضل من أجل تصويب مسار الشباب ليكون شبابا وطنيا فخورا بروح التضحية والعطاء وليس بروح التسلط والإستبداد".
يتطلع زحالقة وحزبه إلى قيام دولة ثنائية القومية بين النهر والبحر ويقول موضحا: "هذا ليس مرتبطا بمسألة ما إذا كانت ستقوم هنا دولتان أو دولة واحدة. قد تتحقق فكرة الدولة ثنائية القومية إذا قامت هنا دولتان - فلسطين وإسرائيل - وهو ما أؤيده اليوم، ولكنني أعارض الفصل الجسدي. يعيش اليوم في البلاد خمسة ملايين يهودي قامت دولتهم على حساب الفلسطينيين، هذا أمر واضح ومفروغ منه. ولكن، كيف سأتعاطى مع ذلك عام 2003، وأنا أستذكر التاريخ وأستذكر النكبة؟"..
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, المثلث, هآرتس, الفهود السود, الكنيست, جمال زحالقة, باسل غطاس