نظم مركز "إعلام" للحقوق الإعلامية جولة ميدانية للصحافيين في مدينتي اللد ويافا مساهمة في تعزيز معرفتهم حول واقع حياة سكانهما ومعالمهما قبل وبعد النكبة.
لم ينتظر المرشد المرافق د. مصطفى كبها بلوغ اللد المحطة الأولى في الجولة فشرع بتقديم استعراض تاريخي وجغرافي للمكان على جانبي شارع "عابر إسرائيل" بدءا من باقة الغربية فأشار إلى أنها كانت تتبع محافظة طولكرم بل الحد الفاصل بينها وبين محافظة جنين. وأضاف: الى الغرب- الجنوب من باقة يمتد سهل قاقون المشهور بخصوبة أراضيه حيث كانت البطيخة الواحدة فيه تملأ "خرج" الجمل وقاقون كانت بلدة كبيرة مهجرة لم يبق منها سوى قلعة صليبية أقيمت على خرائبها مستوطنة "باحن". بين مدينتي الطيبة داخل أراضي 48 وطولكرم المحتلة عام 67 تقوم قريتا أرتاح وفرعون اللتان تشكلان باتساعهما الطبيعي جسرا يختزل المسافة بين المدينتين يوما بعد يوم.
لم يشهد فلسطينيو 48 خلال عشرات السنوات الماضية هذا المستوى وهذه الكثافة من الاعتداءات الارهابية ضدهم، التي ينفذها أفراد وعصابات ارهابية يهودية. ففي خلال اسبوعين قامت عناصر يهودية ارهابية باقتراف مجزرة في مدينة شفاعمرو راح ضحيتها اربعة مواطنين، ووقع اعتداء على مسجد في مدينة اللد الفلسطينية، حيث قام أحد الارهابيين بنثر منشورات تتضمن صور عاريات في داخل المسجد، ويوم الجمعة الأخير ألقت مجموعة عنصرية متطرفة رأس خنزير كتب عليه اسم الرسول العربي (صلعم)، الى باحة المسجد.
أكد الشيخ رائد صلاح، قائد الحركة الإسلامية، في حديث خاص بـ"المشهد الإسرائيلي" بعد الإفراج عنه، أن حركته متشبثة بمواقفها ومشاريعها لنصرة الحقوق الفلسطينية مبديا استعداده للعودة خلف القضبان ثانية. وشدد صلاح على أن الحركة الإسلامية ستمضي في خدمة قضايا الشعب الفلسطيني منوها إلى أن الدفاع عن النقب الآن هو دفاع عن مستقبل فلسطينيي الداخل وعن امتدادهم الجغرافي والحضاري. وأعرب صلاح عن رضاه التام من الحضور الجماهيري الواسع في المهرجان التضامني معه معتبرا أن ذلك شكل استفتاء حقيقيا على خط حركته. وتوقع أن العلاقات بين إسرائيل ومواطنيها الفلسطينيين تسير نحو انفجار مجدد. وأضاف "المعطيات الراهنة لا تبشر بالخير وهناك دلائل جدية على أن المؤسسة الإسرائيلية تستعد لإشهار سيف التهديد بترحيلنا أو ترحيل قطاعات منا تحت مسميات مختلفة كالتعديل الحدودي وغيرها وذلك بهدف تأديبنا وتفتيت أفكارنا ومشاريعنا الجماعية وجعلنا منشغلين في تأمين لقمة العيش كأفراد".
دعا الوزير السابق عوزي لنداو، الذي بات يتزعم معسكر اليمين المتطرف في حزب "الليكود" الحاكم، في الاسبوع الماضي، الى تقديم موعد الانتخابات لرئاسة الحزب، وإجرائها خلال فترة قصيرة، لا أن ينتظر الحزب موعد الانتخابات البرلمانية.
وقد شرع لنداو في جمع تواقيع من أجل عقد جلسة للجنة المركزية للحزب (مركز الحزب) التي تضم حوالي 2900 عضو، من أجل اتخاذ قرار بهذا الشأن.
وكان لنداو قد بدأ حملته المكثفة في الايام الماضية باجتماع لأنصار معسكره، قال فيه "إن شارون لم يعد جزءا من المعسكر الوطني، وليس باستطاعته ان يمثل حزب الليكود، علينا الاسراع بالانتخابات الداخلية من أجل انتخاب قيادة جديدة بإمكانها أن تمثل الليكود وتعبر عن مواقفه".
وتظهر هذه الدعوة بعد أسبوعين من بدء تحركات في حزب "الليكود"، من قبل مجموعة " النواب المتمردين" على زعيم الحزب ورئيس الحكومة، اريئيل شارون. وأعلنت هذه المجموعة أنها ستقوم بحملة انتسابات للحزب بين صفوف اليمين المتطرف المعارض لخطة فك الارتباط، من أجل فرض أغلبية واضحة بامكانها ان تطيح بشارون، واختيار رئيس آخر يعارض الخطة. ولا يقف، حتى الآن، أمام شارون سوى وزير المالية بنيامين نتنياهو، الذي من الصعب ضمان تأييد اليمين المتطرف له، علما ان هذا اليمين ساهم في اسقاط نتنياهو عن سدة الحكم في العام 1999، على خلفية الاتفاقيات التي أبرمها مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وبهدف التوضيح نذكر أن أكبر الأحزاب الصهيونية في اسرائيل، ومنذ 13 عاما، تتبع أسلوبا أميركيا بشأن الانتساب للأحزاب، إذ لم يعد يسري الاسلوب التقليدي، الذي يحتم على الشخص الانتساب للحزب على أساس فكري وعقائدي سياسي ويدفع رسوم الاشتراكات، وفقط بعد فترة زمنية يحق له المشاركة في اتخاذ القرار والتصويت في هيئات الحزب. ووفق الأسلوب الجديد فإنه قبل كل انتخابات داخلية للحزب تجري حملة انتسابات، ويحق لكل مواطن لا ينتمي لحزب آخر ان ينتسب للحزب مقابل دفع رسوم انتساب، ومباشرة تحق له المشاركة في الانتخابات الداخلية.
وقد أفسح هذا المجال أمام مجموعات صغيرة، ذات تنظيم قوي، لاختراق أحزاب كبيرة من أجل قلب موازين قوى داخل حزب معين لتخدم اهدافها السياسية. وهذا ما جرى بوضوح في آخر حملة انتسابات في حزب "الليكود"، التي جرت في العام 2002، حين انتسب للحزب أكثر من 250 الف منتسب، اتضح أن غالبيتهم من مجموعات يمينية متطرفة شاركت في انتخاب رئيس الحزب شارون، ثم شاركت في الانتخابات لتشكيل قائمة الحزب للانتخابات البرلمانية، ولكن في الانتخابات البرلمانية ذاتها، ووفق تقارير حزب "الليكود"، فإن الغالبية الساحقة من هؤلاء الاعضاء من اليمين المتطرف، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة، لم يصوتوا "لليكود" في تلك الانتخابات، وكان في كثير من التجمعات السكانية والمستوطنات الصغيرة ان عدد الأصوات التي حصل عليها "الليكود" أقل من عدد المسجلين لديه كأعضاء في نفس المستوطنة.
وعلى الرغم من الهزّة التي ضربت الليكود نتيجة هذه الانتسابات المزيفة، إلا أن مجموعة المتمردين تعلن بوضوح أن الجمهور الذي ستجنده لحملة الانتسابات هو نفس الجمهور الذي انتسب للحزب وشارك في انتخاباته الداخلية وانسحب منه قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع العام 2003.
موازين القوى الحالية في الليكود لا تميل لصالح شارون، أصلا، فهناك أغلبية واضحة ضده، وقد شهدنا هذه الاغلبية في الكثير من القرارات التي اتخذها الحزب ضد ارادة شارون، مثل رفض خطة فك الارتباط، ورفض ضم حزب "العمل" الى الحكومة، وقرار مطالبة كتلة الليكود بالعمل على اجراء استفتاء شعبي عام حول خطة الفصل، إلا ان شارون لم يلتزم بجميع هذه القرارات، معتمدا على أجواء عامة في الشارع الإسرائيلي، خاصة وان استطلاعات الرأي حتى تلك التي يجريها اليمين المتطرف لا تزال تعطي أغلبية واضحة جدا تأييدا لخطة فك الارتباط.
ولهذا فإذا نجح المتمردون، او جناح اليمين المتطرف، في تجنيد جمهور ليس من مصوتي الليكود، تماما كما حصل في المرّة السابقة، فإن شارون قد يواجه خطرا حقيقيا ويفشل في الاستمرار في رئاسة الحزب.
ولكن الصورة ليست بهذه الخطورة، لأن الأمر لا يعتمد فقط على المتمردين، فمن الممكن جدا أن نشهد من جهة "حرب" انتسابات لليكود، بمعنى ان نرى معسكرا آخر مؤيدا لخطة فك الارتباط، ينضم لليكود لدعم شارون ثم يخرج منه. ولكن شارون بإمكانه من جهة أخرى الاعتماد على الانشقاق غير المعلن في المعارضين له، حول مسألة المنافس الأقوى لشارون.
من ينافس شارون
حتى الآن لا نرى في ساحة المنافسة لشارون على رئاسة الحزب سوى وزير المالية بنيامين نتنياهو، الذي عالجنا امر منافسته في عدد المشهد الإسرائيلي الصادر يوم 14 حزيران/ يونيو الماضي. ولكن يوما بعد يوم تتضح صورة ان معسكر اليمين المتطرف في الليكود لا يرى في نتنياهو ممثله، خاصة وأن هذا المعسكر هو الذي اسقط نتنياهو عن سدة الحكم على خلفية الاتفاقيات التي وقعها مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وخاصة اتفاقيتي الخليل وواي بلانتيشن.
وأكثر من هذا فإن اليمين المتطرف الذي يقوده لنداو، يرصد لنتنياهو أنه أيد خطة فك الارتباط في مراحلها المتعددة في الحكومة والكنيست، وأنه فقط في الاسابيع الأخيرة فطن ليعلن عن معارضته للخطة، التي حسب المعطيات السياسية والميدانية الراهنة فإن حكومة اسرائيل لم يعد بامكانها التراجع عنها او تجميدها، بمعنى ان معارضة نتنياهو هي معارضة كلامية ولا قيمة لها.
لكن نتنياهو الذي يقرأ الصورة بشكل كامل يحاول إثارة الصدامات مع شارون في محاولة للتميز عنه، واثبات انه انتقل الى صف المتمردين. مثلا في الأسبوع الماضي انشغلت الحكومة الإسرائيلية بمسألة مشروع قانون قدمه نائب من اليمين المتطرف، يدعو الى تأجيل تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة الى شهر شباط (فبراير) القادم. وفي التصويت على القانون في الحكومة، كان نتنياهو واحدا من ثلاثة وزراء فقط أيدوا القانون، مقابل 18 وزيرا عارضوه، ولم يكتف نتنياهو عند هذا الحد، بل أعلن انه سيتغيب عن جلسة الكنيست حين سيعرض عليها القانون للتصويت، لتتبع ذلك سلسلة من بيانات التهديد المتبادلة بين مكتبي شارون ونتنياهو.
وهذه ليست المعركة الأخيرة بين الاثنين، لا بل سنشهد منها الأكثر حدّة خاصة مع اقتراب موعد تنفيذ خطة فك الارتباط واخلاء المستوطنات، لأن هذا التنفيذ سيقرب تلقائيا موعد الانتخابات العامة في إسرائيل.
لكن في هذه الزوبعة على نتنياهو ان يقرأ الخارطة جيدا، على ما يقول أكثر من مراقب. ففي التصويت المذكور على القانون برز تصويت الوزراء الثلاثة، الخارجية سلفان شالوم، والتعليم ليمور ليفنات، وتساحي هنغبي (من دون حقيبة). هؤلاء الثلاثة كانوا بشكل أو بآخر يحومون في فلك نتنياهو، وعدم انخراطهم في مناورة نتنياهو الأخيرة إنما هو رسالة واضحة له بأن "اللعبة باتت مكشوفة".
وكان نتنياهو قد تلقى صفعة كهذه عند التصويت على خطة الفصل، حينما اعتقد ان بإمكانه أن يحدث تمردا على شارون في داخل الحكومة، من خلال ستة وزراء، الذين سرعان ما ابتعدوا وتركوه وحيدا امام شارون.
الصفحة 48 من 98