المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هذا ما يقوله مدير "مركز الدراسات الإيرانية" في جامعة تل أبيب، البروفسور دافيد منشاري، لـ"المشهد الإسرائيلي" ويضيف: أجواء الانفراج الأخيرة لا تنم عن زلزال سياسي وإنما عن خطوات إيجابية * كثيرون في إسرائيل يعتقدون أنها تتحدث أكثر مما ينبغي في الموضوع الإيراني وأن إيران هي ليست مشكلتها وحدها وإنما هي مشكلة عدد كبير جدا من الدول في العالم وحل هذه المشكلة لا ينبغي أن يكون من إنتاج إسرائيل

كتب بلال ضاهر:

شاركت الولايات المتحدة في اجتماع عقد في جنيف، يوم السبت الماضي، بين ممثلي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وممثلين عن إيران للتباحث في مصير البرنامج النووي الإيراني. وسادت خلال الاجتماع، وفي الأيام التي سبقته، أجواء من الانفراج في التوتر الحاصل خصوصا بين الولايات المتحدة وإيران. لكن إسرائيل ما زالت تتحدث عن أن منع استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي سيتم من خلال مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، ما سيؤدي إلى اشتعال فتيل حرب في المنطقة، وربما أوسع من ذلك، لا أحد يعرف كيف ستنتهي.

من جهة أخرى أعلن الرئيس الأميركي، جورج بوش، أنه يوافق على البحث في جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق.

حول هذه المواضيع أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع مدير "مركز الدراسات الإيرانية" في جامعة تل أبيب، البروفسور دافيد منشاري.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف ترى موافقة الولايات المتحدة على المشاركة في المحادثات مع إيران؟

- منشاري: "الموافقة لم تكن من جانب الولايات المتحدة فقط، ولدينا هنا تغيير توجه لدى كلا الجانبين. ولست متأكدا ما إذا كان هذا هو تغيير استراتيجي أم أنه تغيير تكتيكي. وأنا أرجح في هذه الأثناء أن التغيير هو تكتيكي لدى الجانبين. ورأينا في اجتماع جنيف، يوم السبت الماضي، مشاركة رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، ومشاركة ممثل أميركي فيه أيضا، لكن من دون ظهور بارز. وبعد ذلك أعلنت الولايات المتحدة أن مندوبها يشارك في اجتماع جنيف فقط، لكنه لن يتحدث خلال الاجتماع. رغم ذلك، فإن مجرد المشاركة الأميركية هو أمر مهم. وهذا التطور هو استمرار لتطور آخر حدث الأسبوع الماضي ويتعلق بإعلان الجانبين عن فتح مكتب مصالح إيرانية في واشنطن وفتح مكتب مصالح أميركية في طهران. كذلك يرتبط هذان التطوران بتطور ثالث تم التعبير عنه من خلال تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش حول أفق الانسحاب من العراق. إذن لدينا هنا عدة مؤشرات لحدوث تغيير معين في المواقف الأميركية. وهذه تطورات لم تحصل بالصدفة. وقد تكون هذه تغييرات تكتيكية لأن الرئيس بوش يعلم أنه لا يستطيع القيام بأمور كثيرة ضد إيران، وأن العالم لا يؤيده، وخصوصا أنه لا يحظى بتأييد الرأي العام الأميركي. كذلك فإنه ستجري انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني المقبل. وعلى ما يبدو فإنه حتى تشرين الثاني سيكون من الصعب تشديد الضغوط على إيران. وفي كانون الثاني المقبل سيدخل البيت الأبيض رئيس جديد، وسيستغرق عدة شهور حتى يبلور موقفا من إيران. وهذا يعني أن هناك عاما كاملا تقريبا لن يتم خلاله عمل الكثير في الموضوع الإيراني. من جهة ثانية فإن إدارة بوش تبدي الآن استعدادا لإجراء محادثات مع إيران وفي حال لم تنجح فإنه بإمكان بوش أن يقول بعدها إنه أبدى نوايا حسنة. لذلك أنا أقول إنه لم يحدث زلزال سياسي، لكن هناك خطوات إيجابية. والمعادلة المطروحة الآن هي تجميد إيران لتخصيب اليورانيوم في مقابل تجميد عملية فرض عقوبات إضافية على إيران. وهناك أمر آخر يحدث في هذه الأيام هو أن منتخب كرة السلة الإيراني يتدرب في الولايات المتحدة. ويندرج هذا في إطار السعي لإشاعة شعور بأن الأجواء أفضل".

(*) ما هي طبيعة البرنامج النووي الإيراني؟

- منشاري: "إيران تقول إن برنامجها النووي هو لأهداف سلمية، أي أنه ليس عسكريا. وتقرير الاستخبارات الأميركية الذي صدر قبل بضعة شهور قال إن إيران أوقفت تطوير سلاح نووي منذ العام 2003. لكن هذا يعني أنه كان لدى إيران برنامج نووي عسكري حتى العام 2003 وبعد هذا العام لم يكن لدى إيران مثل هذا البرنامج العسكري".

(*) لكن إسرائيل عبرت عن استيائها من تقرير الاستخبارات الأميركية، وهي لا تزال ترى أن استنتاجاته ليست صحيحة.

- منشاري: "لدى إسرائيل إشكالية في هذا الموضوع. وهي تتحدث في هذا الموضوع أكثر مما ينبغي. إن إيران هي مشكلة صعبة بالنسبة لإسرائيل. والمشكلة هي أن إيران تطور قدرات نووية ومن الجهة الثانية يطلق رئيسها، محمود أحمدي نجاد، تصريحات متطرفة. هذا يعني أنها تمسك قدرة نووية أو أسلحة دمار شامل بيد وأيديولوجيا راديكالية باليد الثانية. وهذه أيديولوجيا متطرفة للغاية. كذلك فإن إيران تطور صواريخ طويلة المدى. كل هذا يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لإسرائيل. وقضية أخرى تثير قلقها هي أن إيران تعارض عملية سلام مع إسرائيل في المنطقة. ورغم أن إسرائيل والفلسطينيين لا يتقدمان في عملية السلام الآن، لكن الموقف الإيراني يثير قلق إسرائيل، لأن لإيران تأثيرا في لبنان وقطاع غزة وعلى الجهاد الإسلامي وهي بالنسبة لإسرائيل ند للدول العربية المعتدلة. والأمر الثالث هو ضعف العالم العربي في موازاة تصاعد القوة الشيعية. ولست متأكدا من أن الشيعة في إيران هم مثل الشيعة في العراق أو مثل الشيعة في لبنان. لكن أينما يوجد شيعة في الشرق الأوسط، أصبحوا اليوم أقوى مما كانوا قبل ثلاثين عاما. وإيران هي دولة ذات أغلبية شيعية وأقامت جمهورية إسلامية، والعراق هو الدولة العربية الأولى التي فيها حكومة شيعية، وربما لبنان يتجه نحو سيطرة شيعية عليه. وهذه الجهات الشيعية تعتبر أكثر تطرفا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. وأنا أعتقد أن على إسرائيل، اليوم، سوية مع الدول العربية، العمل على حل مشاكل الشرق الأوسط. فإذا كنت تريد إضعاف إيران عليك أن تسوي الصراعات في الشرق الأوسط. فإيران لا يمكنها المحاربة من أجل فلسطين، فيما الفلسطينيون يعيشون بسلام مع إسرائيل. لكن المشكلة هي أن حل الصراع لا يتقدم. ومن جهة أخرى فإن إسرائيل تتحدث أكثر مما ينبغي في الموضوع الإيراني. وهناك الكثيرون هنا الذين يعتقدون أنها تتحدث أكثر مما ينبغي في الموضوع الإيراني، وأن إيران هي ليست مشكلتها وحدها وإنما هي مشكلة عدد كبير جدا من الدول في العالم وحل هذه المشكلة لا ينبغي أن يكون من إنتاج إسرائيل".

الإيرانيون أصحاب منطق وسياسة دولتهم عقلانية

(*) هل يفكر المسؤولون في الولايات المتحدة وإسرائيل بجدية في توجيه ضربة عسكرية ضد إيران؟

- منشاري: "لا أعرف. لكن في الولايات المتحدة وإسرائيل يقولون إن كل الخيارات موضوعة على الطاولة. وأنا لا أعرف أي خيار عسكري مطروح، لكني أعرف أن لدى الولايات المتحدة إمكانيات كثيرة لتغيير السياسة الإيرانية من دون استخدام وسائل عسكرية. هناك وسيلة الحوار بصورة جدية أكبر مما رأينا في الأيام الماضية، وهناك وسائل ضغط سياسية ودبلوماسية واقتصادية وأخلاقية. وعلينا أن ندرك أن إيران ليست دولة مجنونة. لدى الإيرانيين منطق وسياسة هذه الدولة عقلانية. هذه ليست دولة تسعى لخوض حروب طوال الوقت. وفي كل نهجهم السياسي توجد مصالح أكثر من أيديولوجيا. ورغم أن إيران هي جمهورية إسلامية لكنها تتصرف ببراغماتية عالية. لذلك فإني أعتقد أنه إذا تم التحادث مع إيران بعقلانية وأظهروا أمامها الربح والخسارة فإن في إمكان الإيرانيين أن يفتحوا آذانهم وينصتوا. المشكلة هي أن علاقة إيران مع الولايات المتحدة، وأكثر من ذلك مع إسرائيل، توجد فيها مشاعر أكثر من تفكير عقلاني".

(*) لماذا، برأيك، حضر رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة، الأدميرال مايكل مولن، إلى إسرائيل وأوضح أنه لا يوجد "ضوء أخضر" أميركي لمهاجمة إيران. هل اعتقد الأميركيون أن إسرائيل تعتزم فعلا مهاجمة إيران؟

- منشاري: "لا أعرف. هكذا تحدثت وسائل الإعلام. لكني أعتقد أن إسرائيل مخطئة وهي ليست بحاجة لضوء أخضر ولا لضوء أصفر. بل على إسرائيل الجلوس مكانها وجعل العالم بقيادة الولايات المتحدة يجد حلاً لهذه المشكلة. وكما ذكرت فإن للولايات المتحدة وسائل كثيرة لحل المشكلة الإيرانية من دون توجيه ضربة عسكرية".

(*) هل مشاركة الولايات المتحدة في محادثات مع إيران يقلص حيز المناورة الإسرائيلي؟

- منشاري: "آمل أن تكون الإجابة بنعم، لكني لست واثقا من ذلك. من جهة أخرى فإن من شأن دخول الولايات المتحدة في حوار مع إيران أن يزيد النشاط الإسرائيلي. وأنا أعتقد أن هذا النشاط يجب أن يكون من خلال الاتفاق مع الولايات المتحدة والتفكير سوية بما يمكن عمله في الموضوع الإيراني. والآن فإن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، سافر إلى واشنطن وستكون القضية المركزية التي سيبحثها هناك هي القضية الإيرانية. أي أن هناك حوارا إسرائيليا- أميركيا حول الموضوع الإيراني. وأعتقد أن على إسرائيل التحدث مع الولايات المتحدة وتنسيق المواقف معها لكي لا يأتي يوم تكون فيه إسرائيل في مكان ما بينما يكون العالم كله في مكان آخر. علينا أن نكون سوية مع الولايات المتحدة، وجعل الولايات المتحدة تدير المحادثات مع إيران، إما مباشرة أو من خلال الأوروبيين".

(*) هل هوية الإدارة الأميركية الجديدة ستؤثر على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران والعراق؟

منشاري: "واضح أن توجهات وأفكار المرشحين للرئاسة الأميركية (الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين) مختلفة. لكني أعتقد أن من سيجلس في نهاية المطاف في البيت الأبيض سيتصرف وفقا للمصلحة الأميركية. وأنا لا أقتنع كثيرا بما يقوله المرشحون عندما يكونون في المعارضة. وأعرف الكثير من السياسيين الذين يقولون شيئا ما خلال حملة انتخابية ويقولون أمرا آخر بعدما يتم انتخابهم. وأعتقد أن أريئيل شارون عبر عن ذلك بصورة جميلة خلال النقاش في إسرائيل حول خطة فك الارتباط من قطاع غزة، وقال إن 'ما نراه من هنا لا نراه من هناك'، أي ما تراه من كرسي رئيس الحكومة لا تراه من مقاعد المعارضة. وهذا ينطبق على كل زعيم. وهذا ينطبق بالنسبة لإيران أيضا. فالمصلحة الأميركية لا تتغير بتغير الرئيس، كما أن الأجهزة في وزارة الخارجية لا تتغير. وأعتقد أن على إيران أن تستغل هذه الفترة والتركيز على حل المشاكل الداخلية من أجل الحفاظ على الثورة في إيران والعيش بسلام مع العالم الحر والشرق الأوسط".

(*) رغم ما تقوله فإن الإيرانيين يعتبرون أن تطوير برنامج نووي هو حقهم الشرعي.

- منشاري: "هذا صحيح وهناك إجماع على ذلك، حتى من جانب المعارضة. وهم يجمعون على أنهم يستحقون الحصول على قدرة نووية مثل باكستان وإسرائيل والهند. ولا تنسى أن إيران هي دولة تسعى لأن تكون زعيمة العالم الإسلامي، وبالنسبة لها فإن هناك أسبابا عديدة وجيدة للحصول على قدرات نووية. وهم يقولون طوال الوقت إن هذه القدرة هي لأغراض سلمية. كذلك فإن إيران بحاجة لقدرة نووية من الناحية الاقتصادية. وهدف العالم هو جلب إيران لتكون في وضع مشابه لليابان، التي تملك قدرة نووية لكنها لا تملك سلاحا نوويا".

المصطلحات المستخدمة:

كرة السلة, باراك, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات