المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • وثائق وتقارير
  • 1468

 *الائتلاف الواسع الذي استمر عشرة أسابيع شلّ العمل البرلماني في دورة صيفية امتدت على مدار 12 أسبوعا *مصير الدورة الشتوية يحكمها مدى تماسك الائتلاف في العطلة بين الدورتين *الملفان الساخنان: تجنيد الأصوليين والميزانية العامة *كل السيناريوهات مطروحة بما في ذلك أضعفها- إجراء الانتخابات العامة في موعدها بعد أكثر من عام*

 

 اختتم البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، مع نهاية الشهر الماضي، دورته الصيفية التي استمرت 12 أسبوعا، لتبدأ عطلة صيفية تستمر حتى منتصف شهر تشرين الأول المقبل. وقد سيطرت على كل هذه الدورة الدوامة الحزبية، بين توسيع الائتلاف الحكومي وتقليصه، في حين أن ما سيحكم شكل ومصير الدورة الشتوية المقبلة، هو العلاقات داخل الائتلاف الحاكم، ومدى تماسكه خلال العطلة بين دورتين، في إطار الجدل حول الميزانية العامة للعام المقبل، وفي حال نشوب خلاف حولها فإن الدورة المقبلة قد تبدأ بإجراءات لحل الكنيست، والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وفي حال التوافق، فإن الانتخابات ستكون في موعد أبعد، ولكن في مجرى العام المقبل.

 

وكانت الدورة الصيفية قد بدأت في اليوم الأخير من شهر نيسان الماضي، وسط حديث متصاعد عن انتخابات مبكرة، وبعد أسبوع دخل الكنيست في إجراءات متسارعة لحل نفسه، وتوقفت الإجراءات بشكل مفاجئ في ساعات الليل، ليعلن رئيس الحكومة، ورئيس حزب الليكود الحاكم، بنيامين نتنياهو، ومعه رئيس حزب المعارضة الأكبر "كاديما" شاؤول موفاز، فجر يوم الثامن من أيار، عن اتفاق للشراكة في الحكومة.

 

وقد قام ذلك الائتلاف بذريعة التوصل إلى صيغة مشتركة لسن قانون يفرض الخدمة العسكرية على الشبان الأصوليين اليهود، أو خدمة بديلة لها، وجرى الحديث أيضا عن التوصل إلى صيغة مشتركة لتغيير طريقة الانتخابات وهيكلية الحكم.

 

لكن هذا الاتفاق كان غطاء لحقيقة أن الحزبين، كالغالبية الساحقة في الكنيست في تلك الساعة، لم يكونا معنيين فعلا بالتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وكل حزب وحركة من منطلقاته، وحساباته الحزبية، خاصة وأنه على مستوى الائتلاف الحاكم، فإن الصورة لم تكن ستتغير في ما لو جرت تلك الانتخابات، أما من ناحية حزب "كاديما" فإنه كان يرى أن الانتخابات المقبلة ستلحق به ضربة قاصمة، رغب في أن يتفادها، ولكن هذه الخطوة لم تنقذه من مصيره، الذي تحاول استطلاعات الرأي التنبؤ به.

 

وقد أدى دخول حزب "كاديما" إلى الحكومة إلى نشوء واحد من أكبر الائتلافات الحكومية التي شهدها الكنيست، فقبله كان الائتلاف الحاكم الذي تشكل بعد انتخابات العام 1988، واستمر إلى العام 1990، وقد انعكس هذا الحكم الائتلافي في شل العمل البرلماني تقريبا، وباتت الجلسات البرلمانية في الأيام الثلاثة الأسبوعية أقرب إلى الشكلية، فأي تواجد ضئيل من الائتلاف الحاكم، كان من شأنه ان يتغلب على المعارضة غير المتجانسة أصلا.

 

وكانت المعارضة المؤلفة من 26 مقعدا، مشكلة عملية من ثلاثة تكتلات: حزب "العمل" ومعه حزب "ميرتس"، ولهما 11 مقعدا، والكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في اسرائيل، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة الموحدة، ولها مجتمعة 11 مقعدا، والكتلة الثالثة، هي كتلة المستوطنين "الاتحاد الوطني"، ولها 4 مقاعد، وهذه الكتلة تدور عمليا في فلك الحكومة في كل القرارات ذات الطابع اليميني المتشدد.

 

 

لا رغبة حالية في

انتخابات مبكرة

 

 

واستمرت هذه الحال في العمل البرلماني لمدة 10 أسابيع، وحتى الأسبوع قبل الأخير من الدورة الصيفية، بخروج حزب "كاديما" من الحكومة، ولكن هذه الخطوة التي أعادت الائتلاف الحاكم إلى حجمه السابق، 66 مقعدا من أصل 120 مقعدا، أثبتت مجددا أنه لا توجد رغبة حقيقية بين كتل الكنيست، من الائتلاف الحاكم وحتى المعارضة، في التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، على الرغم من الخلافات الحادة التي ظهرت داخل الائتلاف الأساسي، بمعنى من دون حزب "كاديما"، على خلفية تجنيد الشبان الأصوليين اليهود في الجيش الإسرائيلي.

 

وكما يبدو فإن غالبية الأحزاب تواصل قراءة وضعيتها الخاصة من خلال استطلاعات الرأي، وغالبيتها، باستثناء حزب "العمل"، ترى أن الانتخابات البرلمانية المبكرة ستكون مجرد مناورة، قد تهدد قوتها الحالية، فقد أظهر الاستطلاع الوحيد الذي أعقب انسحاب "كاديما" أن غالبية الكتل التي تدور في فلك السلطة الحاكمة، مهددة، فمنها من سيخسر من قوته البرلمانية الحالية بما فيها حزب "الليكود"، الذي كان تشير استطلاعات قبل ثلاثة أشهر إلى زيادة واضحة في قوته، كما أن الائتلاف الحاكم سيسخر من قوته الجماعية الحالية.

 

والرابح المفترض في هذه الانتخابات سيكون بالأساس حزب "العمل"، ثم حزب الصحافي يائير لبيد، ولكن قوتهما ستكون على حساب "كاديما" الذي يتوقع أن ينهار، ولكن هذه الزيادة الملحوظة التي تعيد حزب "العمل" إلى موقع الحزب المنافس على السلطة، لن تفيده في أن يشكل خطرا على حزب الليكود، ليشكل الحكومة المقبلة.

 

فقد قال استطلاع الرأي، الذي أعده مركز "داحف"، بإشراف الخبيرة مينا تسيمح، إنه في ما لو جرت الانتخابات البرلمانية في هذه الأيام لحصل حزب "الليكود" الحاكم على 25 مقعدا، بدلا من 27 مقعدا اليوم، ولكن في الاستطلاعات الأخيرة السابقة، كانت قوة الليكود تتراوح ما بين 30 مقعدا إلى 33 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست.

 

كذلك فإن حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان كان سيخسر هو أيضا مقعدين من قوته البرلمانية الحالية، ليرسو عند 13 مقعدا، وسيحصل حزب "شاس" الأصولي الشرقي على 10 مقاعد، بخسارة مقعد واحد، كما ستخسر الكتلة الاصولية الغربية (الاشكناز) مقعدا واحدا لتبقى مع 4 مقاعد، أما كتلتا المستوطنين اللتان لهما اليوم معا 7 مقاعد، فقد توقع استطلاع الرأي ارتفاعهما إلى 10 مقاعد سوية.

 

ويؤكد استطلاع الرأي مجددا ما قالته كل استطلاعات الرأي في العام ونصف العام الأخيرين، أن كتلة وزير الدفاع إيهود باراك، التي أطلق عليها اسم "عتسماؤوت" (استقلال) المنشقة عن حزب "العمل" ولها خمسة مقاعد، ستختفي عن الساحة السياسية في اي انتخابات مقبلة، وقد منحها استطلاع الرأي مقعدين، وهذا أقل من نسبة الحسم المطلوبة، وبذلك يكون الائتلاف الحاكم الذي يرتكز حاليا على 66 مقعدا، قد حصل في هذا الاستطلاع على 62 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وهذا يعتبر ائتلافا هشا.

 

وفي المقابل، فإن حزب "كاديما" الذي عاد ليكون أكبر كتل المعارضة والبرلمان على الاطلاق وله اليوم 28 مقعدا، سيتلقى ضربة قاصمة، في ما لو جرت الانتخابات هذه الأيام، إذ سيحصل على 7 مقاعد فقط، وهذه أدنى نتيجة في استطلاعات الرأي التي أشارت منذ مطلع العام الجاري إلى أن "كاديما" مُقبل على انهيار، بعد ست سنوات على إقامته، منشقا عن حزب "الليكود".

 

ويقول استطلاع الرأي إن حزب "العمل"، أقدم الأحزاب الإسرائيلية، سيحقق قفزة جدية في هذه الانتخابات، بحصوله على 21 مقعدا، بدلا من 13 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، و8 مقاعد بعد الانشقاق.

 

ومنح استطلاع الرأي حزب الصحافي يائير لبيد، وهو محسوب على "الوسط"، 13 مقعدا، وسيكون جلها منتزعا من حزب "كاديما"، في حين سيحصل حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني على 4 مقاعد، بدلا من 3 مقاعد له اليوم.

 

أما الكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل، فستحافظ على قوتها البرلمانية مجتمعة، ولها 11 مقعدا- 4 مقاعد منها للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، و4 مقاعد للقائمة العربية الموحدة، و3 مقاعد لحزب التجمع الوطني الديمقراطي.

 

مصير الحكومة في

الأسابيع المقبلة

 

 

 

كما أظهرت الصورة التي اختتمت الدورة الصيفية فإن غالبية الكتل البرلمانية ليست مستعجلة للتوجه إلى انتخابات مبكرة، وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية مقبلة على حل أمرين في غاية الحساسية، وحينما يكون حلهما قريبا من عام الانتخابات فإن الحسابات الحزبية ستطغى على المواقف، في محاولة لكسب عطف الشارع وتأييده، بالنسبة إلى كل حزب وجمهوره.

 

ويجري الحديث عن الميزانية العامة للعام المقبل 2013، وقبل هذا الإجراءات التقشفية التي أقرتها الحكومة في الأسبوع الماضي، والأمر الثاني كيفية تعامل الحكومة مع قانون تجنيد الشبان الأصوليين اليهود في الجيش أو في "الخدمة المدنية" البديلة.

 

من الممكن القول في هذا المجال إن إقرار الحكومة للإجراءات التقشفية دون أي اعتراضات حادة ترافقها تهديدات بالانسحاب من الحكومة، هو مؤشر لكيفية تمرير الميزانية العامة للعام المقبل، فنتنياهو وأقطاب حكومته، خلقوا أرضية تضمن تمرير الإجراءات التقشفية من دون هزّة سياسية.

 

وكان هذا بسبب أمرين بارزين:

 

أولهما خلق أجواء وكأن إسرائيل مقبلة على الحرب وأن التهديد الإيراني عليها بات أكبر من ذي قبل، وكثرة الحديث عن احتمال توجيه ضربة إسرائيلية إلى إيران، فهذه الأجواء خلقت مناخات قلق في الشارع الإسرائيلي، انعكست في زيادة الإقبال على التوجه للحصول على الكمامات الواقية من الغازات السامة. وقالت صحيفة "معاريف" إن وتيرة الإقبال على مراكز توزيع الكمامات ارتفعت في الأسابيع الماضية بنسبة 70% مقارنة مع الفترة التي سبقتها.

 

الأمر الثاني، هو استيعاب الشارع لوجود أزمة اقتصادية في العالم، وهو كغيره يشاهد ما يجري في دول أوروبية مثل اليونان وإسبانيا وغيرهما، لذا ليس صدفة ان يخرج وزير المالية يوفال شتاينيتس بتحذير مفاده أنه من دون إجراءات كهذه، فإن مصير إسرائيل سيكون كمصير دول أوروبية مثل اليونان وإسبانيا.

 

وهذه الأرضية، وسكينة الشارع الإسرائيلي أمام هذه الإجراءات التقشفية، ساعدتا كتل الائتلاف على السكوت وعدم اطلاق التهديدات، التي كان من المفترض أن تصدر على الأقل من حزب "شاس" الأصولي، الذي غالبية قاعدته الانتخابية من أحياء الفقر.

 

لكن الشارع لا يلتفت إلى أن الحكومة ترفض الاقتراب من سلاطين المال، وفرض ضريبة على الأرباح التي تحتجزها كبرى الشركات بعيدا عن سلطة الضرائب، كونها من صفقات خارجية، وهي كفيلة بحل الجزء الأكبر من العجز في الميزانية العامة.

 

ومن هنا نأتي للقضية الثانية، فسُكون حزب "شاس" ليس فقط لأنه لا يريد انتخابات مبكرة، بل لأنه يرى أن نتنياهو قادر على تمرير قانون مخفف جدا لتجنيد الشبان الأصوليين اليهود في الجيش الإسرائيلي، وهو لا يريد الاستعجال في حل الحكومة، طالما بقي الوضع الحالي قائما، ومريحا له.

 

لكن على الرغم من أن هذا الملف من المفترض أن يكون الأكثر إلحاحا على أجندة الحكومة في هذه الأيام، إلا أنه تم تأجيله، والجهة الأكثر إشكالية في هذا الملف، من ناحية الحكومة، هي حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، ولكن الأخير أعلن جهارا أنه لن يقود أزمة ائتلافية على خلفية هذه القضية، وهذا ما أعلنه أيضا، حينما علم ان الكنيست سيسقط مشروع قانون تقدم به حزبه لفرض الخدمة على كل من أتم عامه الـ 18.

 

على أي حال فإن الساحة السياسية قابلة لكل التقلبات، فأصلا الموعد الرسمي للانتخابات البرلمانية في خريف العام المقبل، وكل السيناريوهات تبقى موجودة، وحتى السيناريو الذي بات ضعيفا، وهو أن الانتخابات قد تجري فعلا في موعدها، وأن تتخطى هذه الحكومة كل العقبات في الطريق لبقائها، يبقى واردا أيضا في هذه المرحلة.

 

ويذكر أن هذه الحكومة أصبحت من الآن صاحبة العمر الأطول منذ العام 1996.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات