كتبت هبة زعبي:
احتلت إسرائيل في الأعوام الأخيرة مكانة متدنية في العديد من التقارير العالمية التي أبرزت عدم احترامها لحقوق الإنسان في جوانب سياسية وحياتية متعددة، وذلك جراء الانتهاكات المتكررة والمستمرة التي ترتكبها بحق فئات مجتمعية وقومية في داخلها، وأساسًا جراء الانتهاكات بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والتي تترافق مع زيادة واستفحال العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، ومع انحسار الحريات وزيادة التشريعات العنصرية بصورة غير مسبوقة.
كل هذه الأمور جعلت صورة إسرائيل سلبية في العالم، ووفق استطلاع عالمي أخير للرأي العام أجرته قناة "بي. بي. سي" بين 22 دولة احتلت إسرائيل المرتبة الثالثة بالتساوي مع كوريا الشمالية في نسبة 50% كأكثر دولة ذات تأثير سلبي، وهي المرتبة الثالثة في القائمة التي تصدرتها إيران بنسبة 55%، ثم تلتها باكستان بنسبة 51% .
وفي خطوة ريادية في تناول موضوع خطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي، وكذلك تناول الخطاب نفسه في الإعلام العربي المحلي الذي يعاني من تبعية وغبن وإجحاف مستمر، قام مركز "إعلام" للجماهير العربية بفحص تغطية الموضوع في كليهما بصورة شاملة ومنهجية، وأفرز البحثان نتائج هامة ستعرض اليوم الثلاثاء خلال يوم دراسي خاص سينظم في مدينة الناصرة.
وقد أعدت خلود مصالحة (مركزة مشروع الإعلام العبري في المركز) البحث الأول: "خطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي"، وأعدت سماح بصول (مركزة مشروع الإعلام العربي) التقرير الثاني: "خطاب حقوق الإنسان في الإعلام العربي المحلي".
وشارك د. أمل جمال، مدير مركز إعلام، في إنجاز كل من البحثين.
خطاب حقوق الإنسان
في الإعلام الإسرائيلي
يفحص بحث "خطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي" طرق تغطية حقوق الإنسان ودرجة بروز هذا الموضوع في أجندة وسائل الإعلام الإسرائيلية، كما يتناول درجة تعامل الإعلام الإسرائيلي مع الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية لمجمل مكونات المجتمع الإسرائيلي.
أجري البحث على مدار أربعة أشهر، بدءا من الأول من نيسان 2011، وصولا إلى اليوم الأخير من شهر تموز من العام نفسه، وتمت خلاله مراجعة 384 تقريرا تتعلق بحقوق الإنسان، وانتقيت هذه العينة التمثيلية على نحو منهجي غير عشوائي من 31 صحيفة و19 نشرة تلفزيونية.
فحصت العينة 259 تقريرا صحافيا من أربع صحف مكتوبة هي: "يديعوت أحرونوت"؛ "معاريف"؛ "هآرتس"؛ "يسرائيل هَيوم". بينما فحصت 125 تقريرا متلفزا من ثلاث وسائل إعلام مرئية وهي: "القناة الأولى"؛ "القناة الثانية"؛ "القناة العاشرة".
وكانت حصة القناة العاشرة الأكبر من حيث كمية التقارير التي رصدت موضوع حقوق الإنسان، وكانت نسبتها 58ر56%، وتلتها القناة الأولى بنسبة 68ر45%، وحلت القناة الثانية في المكان الثالث بنسبة 9ر40%.
واحتلت صحيفة "هآرتس" المكان الأول في مقدار تغطية موضوع حقوق الإنسان في الصحافة المكتوبة، حيث تناولت نسبة 23ر21% من تقاريرها التي فحصتها العينة هذا الموضوع. وحلت صحيفة "يسرائيل هَيوم" في المكان الثاني، وبفارق غير كبير عن صحيفة "هآرتس"، وأظهرت العيّنة أنّ 74ر20% من تقاريرها عالجت حقوق الإنسان. أمّا نسبة التقارير التي عالجت موضوع حقوق الإنسان في صحيفة "معاريف" فبلغت 6ر18%، بينما بلغت نسبتها في صحيفة "يديعوت أحرونوت" 95ر17%.
وتنشغل أغلبية هذه التقارير (1ر71%) بحقوق الإنسان الخاصة بالمجتمع اليهودي على كافة أطيافه، مقابل 9ر9% تطرقت إلى حقوق الجمهور الفلسطيني داخل إسرائيل، بينما تناولت 4ر9% حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وتطرقت 1ر3% إلى "حقوق المستوطنين" في الأراضي المحتلة، مقابل 3ر1% من مجمل التقارير تطرقت إلى حقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية على الرغم من الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها المقدسيون.
وتشير النتائج إلى أن انتهاكات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لحقوق الإنسان لا تحظى باهتمام كبير في الإعلام الإسرائيلي، وفي الحالات التي ظهر فيها تناول كهذا، لم تظهر التقارير تأييدا دائمًا للجهة التي انتُهكت حقوقها.
ووفق الاستنتاجات التي توصل إليها البحث فإن الإعلام الإسرائيلي يميل نحو تأييد حقوق الإنسان عندما يدور الحديث على حقوق تتعلق بالجمهور اليهودي الإسرائيلي، وتتماشى مع الإجماع الإسرائيلي. وبحسب نتائج البحث فإن الإعلام الإسرائيلي قام بتخصيص صفحات كثيرة لتغطية الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، وتعامل مع نفسه في بعض الأحيان كجزء من هذه الاحتجاجات، غير أنه عمومًا لا يتعامل مع حقوق الإنسان كمنظومة قيمية كونية شاملة بل يتطرق إلى حقوق فئات اجتماعية مختلفة في أشكال مختلفة، وبحسب هوية المجموعة، على نحو مباشر أو غير مباشر.
ويميل الإعلام الإسرائيلي، وفقا لِما ورد في البحث، نحو تأييد حقوق الفئات المسحوقة في المجتمع، كالنساء والمعاقين والمسنين والأطفال وغيرهم، وعلى الرغم من أن تعامل الإعلام الإسرائيلي مع هذه المجموعات يميل نحو النـزعة المقولَبة، إلا إنه لا يتجاهل حقوقها. في المقابل تظهر النتائج تجاهل الإعلام الإسرائيلي لانتهاك حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ولا يجري النظر إلى حقوق هؤلاء كقيمة قائمة بذاتها، أو كتلك التي يفترض فيها أن تخضع لاعتبارات قيمية كونية. والتغطية الإعلاميّة لانتهاك حقوق الفلسطينيّين تتأتى من خلال المنظور الأمني، لا من خلال منظور حقوق الإنسان.
ويرى البحث أن النتائج في كل ما يتعلق بتعامل الإعلام الإسرائيلي مع حقوق المواطنين العرب جاءت مفاجئة قليلا. ففي صورة عامة، عانت الأقلـية العربية الفلسطينية من تغطية ضحلة، وهامشية، ومقولَبة وذات بروز متدن، وسلبية في أساسها. وعلى الرغم من عدم احتواء البحث على تطرق منفصل إلى نسبة تغطية العرب في الإعلام، يلاحظ في حالات عديدة أن الإعلام الإسرائيلي يؤيد حقوق المواطنين العرب، وبرز هذا النمط على نحو خاص في الفترة التي طالب فيها عدد من الحاخامين بعدم تأجير الشقق للعرب.
وتظهر إحدى نتائج البحث المهمة ارتفاعا في التغطية الإعلامية لقضايا تتعلّق بالفقر في الصحافة الإسرائيلية، وذلك مقارنة بأبحاث سابقة في هذا المضمار. وتبين نتيجة أخرى من البحث تجاهل الإعلام الإسرائيلي للقانون الدولي والمواثيق الدولية التي صادقت إسرائيل عليها. ويستنتج البحث أن ثمة خشية مبطنة لدى الإعلام الإسرائيلي من استخدام خطاب حقوق الإنسان، أو مفردات تقتبس من عالم حقوق الإنسان، وعوضا عن ذلك يجري استخدام مصطلحات عاطفية يفترض فيها أن تستدر التعاطف، أو أن تخلق النفور من حدث أو سلوك معين.
خطاب حقوق الإنسان في
الإعلام العربي المحلي
عرضت معطيات البحث الذي رصد تغطية الإعلام العربي المحلي لقضايا حقوق الإنسان في الصحافة العربية الأسبوعية كيفية تغطيتها في هذه الصحف، وتساءل البحث عن نوعية الحقوق التي تطرح في الخطاب الإعلامي، وماهية ارتباطها بالسياقين الاجتماعي والسياسي اللذين يحيطان بها؟. ويهدف البحث إلى فحص وتحليل وفهم خصائص تغطية حقوق الإنسان في عينة من الصحف الأكثر انتشارا لدى الأقلّـية العربية.
ويتبين من معطيات البحث أنه بالرغم عن وجود جو عام داعم لحقوق الإنسان في أغلبية الأخبار في الصحف التي شملتها العينة، ليست هناك تأكيدات مباشرة أو مواقف فاعلة للصحف تحول هذا الجو إلى فلسفة عامة لحقوق الإنسان ترمي إلى تثقيف جمهور القراء بثقافة حقوق الإنسان من خلال ربطها بالمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلّقة بهذا الشأن.
وتستكفي الصحف وفق البحث بمجرد رصد ظواهر اجتماعية يجري فيها المس بحقوق أشخاص أو مجموعات، وذلك من خلال خطاب وصفي تذْكَر فيه مضامين تتعلّق بحقوق الإنسان من دون الإشارة إلى العلاقة المبدئية بين الحدث وخطاب الحقوق، ومن دون اتخاذ موقف داعم للحقوق التي يجري المس بها بصورة مباشرة.
يتجلى من معطيات البحث كذلك أن موضوع العنف يبرز كسياق وكموضوع بحث في الأجِندة الإعلامية، وذلك انعكاسا لظاهرة العنف المستشري في المجتمع العربي والذي يمس بحقوق أساسية لمجموعات اجتماعية واضحة تظهرها المعطيات وعلى رأسها النساء، والأسرى، وضحايا هدم البيوت، إلا أن معظم الأخبار التي ترتبط بمضامين تتعلّق بحقوق الإنسان لا تحدد مجموعة اجتماعية واضحة، بل تتحدث عن ظواهر حقوقية مجتمعية عامة. وهذا النمط من التغطية يؤكد أن الإطار الاجتماعي الجمعي، الذي يوحي بوجود مجموعة اجتماعية تدعى الأقلّـية الفلسطينية في الداخل، هو الغالب، وذلك من شأنه بناء مخيلة جماعية خاصة في هذه المجموعة الاجتماعية من جهة، ولكنه من جهة أخرى يبقي موضوع الحقوق عاما وشاملا وفيه نوع من الضبابية، وهو ما يخفف من وزن الخطاب الحقوقي ويوحي بالتقبل والاكتفاء بالإشارة إلى الموضوع. يستنتج من معطيات البحث أيضا أن الأجندة الإعلامية المتعلقة بحقوق الإنسان تخلو من ذاكرة تاريخية تتعلق بالحقوق، وكان من الممكن أن تشجع على استذكار القراء لأحداث أو أشخاص ذوي ارتباط بموضوع الخبر، ولعلاقة هذا الموضوع بحقوق محددة من حقوق الإنسان. وانعدام الربط بين أحداث مشابهة تحدث في فترات مختلفة، وعدم ربطها مع نمط من السياسات أو السلوكيات المجحفة بالحقوق الأساسية، يساعدان بصورة غير مباشرة على تقويض منظومة الحقوق كالإطار الأخلاقي الذي يحيط بالموضوع الذي يجري التطرق إليه في الأخبار.
يستنتج من معطيات البحث كذلك أن مؤشرات البروز الكمية والشكلية لا تشير إلى اهتمام خاص بمضامين حقوق الإنسان، وهو ما يعني أنه لا سياسة موجهة في هذا الشأن، وأن التعبير عن موضوع الحقوق يجري كأي موضوع آخر في الأجِنْدة الإخبارية.
تظهر معطيات البحث أن الحقوق الأكثر بروزا في الأجندة الإعلامية تتعلق بالسياقين المحلي والقطري للأقلـية العربية، وأن الحق في السلامة الشخصية والحق في الأمن والأمان (المترابطين على مستوى المضمون الاجتماعي) يشكلان الحقَين الأبرز ارتباطا بسياق العنف المستشري في المجتمع العربي، بينما الحق في حرية التعبير عن الرأي والحق في المساواة والحق في المسكن هي الحقوق الأكثر بروزا والمرتبطة بالسياق السياسي الإسرائيلي الذي يؤكد على نحوٍ واضح على نوايا المس المبرمَج والممنهج بالحقوق الأساسية للمجتمع العربي في الداخل.
ووفق ما يظهر في البحث فإن ثمة تباينا واضحا بين التأكيد على الحقوق الجماعية المتعلقة بالعلاقات بين الأقلـية العربية الفلسطينية والدولة، من جهة، ومدى التأكيد على الحقوق الفردية المتعلّقة بالبنية الاجتماعية والعادات والتقاليد المجتمعية، من جهة أخرى. في عبارة أخرى، ليس ثمة تأكيد دائم من قبل الصحافيين على خطورة المس بحقوق الإنسان داخل الأقلـية العربية نفسها، بينما هناك توجه يتجلى أكثر بروزا، وبالرغم عن أنه غير ممنهج، يتمثل في التأكيد على الحقوق المنوطة بالمكانة السياسية والقانونية للأقلّـية العربية الفلسطينية في الدولة. وفي اختصار، يمكن التعميم بالقول إنه قد يتم تلمس توجه عام مفاده أن هناك جوا عاما يعتبر إيجابيا تجاه حقوق الإنسان ومعترضا على المس بالحقوق، ولا سيما حين يتعلق الموضوع بحقوق الأقلـية الفلسطينية في الداخل، ولكن لا يجري التأكيد على الحقوق تأكيدا مباشرا ومتعمدا، ولا يجري ربط موضوع الأخبار بلغة حقوق الإنسان بشكل عام، ولا يجري بناء ثقافة حقوق واضحة ترتبط بعلاقة الأقلـية الفلسطينية بالدولة والظواهر التي تمس بحقوق الإنسان داخل الأقلـية العربية نفسها. ويتبيّن من معطيات البحث أنه من غير المؤكد أن الصحافيين ضليعون في قضايا وخطاب ومبادئ حقوق الإنسان، وإن كانوا كذلك فهم يتغاضون عنها، وبالتالي لا يأخذون دورا في إظهارها عند تغطية مواضيعهم المختلفة.
خلود مصالحة لـ "المشهد": الإعلام
الإسرائيلي ينتهك حقوق الإنسان الفلسطيني
وفي حديث خاص مع "المشهد الإسرائيلي" قالت خلود مصالحة، مركزة مشروع الإعلام العبري في مركز إعلام، والتي أشرفت على إعداد بحث "خطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي"، إن دافع هذا البحث هو الغياب التام لخطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي، وسط طغيان الخطاب الأمني، والاستخفاف بمجموعات مختلفة وعلى وجه الخصوص الفلسطينيين في مناطق 48 والفلسطينيين بشكل عام.
وأضافت: من نافل القول إن محورية حقوق الإنسان وتجذيرها في الخطاب الإعلامي من أجل بلورة رأي عام متعاطف مع الإنسان لهما أهمية خاصة في السياق الإسرائيلي، ومن هنا فإن الهدف الأساس لهذا البحث هو تحديد ملامح خطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي، ومدى استعمال حقوق الإنسان عند تغطية أحداث وأقوال تنتهك هذه الحقوق بشكل صارخ.
وتابعت: تمثلت نقطة انطلاق البحث الحاليّ في أنّه ليس ثمّة أبحاث حول مميّزات جدول الأعمال الإعلاميّ الإسرائيليّ بمنظور حقوق الإنسان. وفي أيّامنا، يكاد لا يكون هناك تناول بحثيّ وتوثيق يتمحوران في خطاب حقوق الإنسان كحزمة واحدة، كما يتجسّد هذا الخطاب في الإعلام الإسرائيليّ. ونحن من جهتنا نعتقد أنّ غياب التناول الجماهيري لخطاب حقوق الإنسان في الإعلام لم يكن وليد المصادفة، ويرتبط بغياب خطاب جماهيري ممنهَج في إسرائيل حول موضوع حقوق الإنسان. وهذا الخطاب يُعتبر إلى يومنا هذا حكرًا على منظّمات التغيير الاجتماعيّ في إسرائيل، ولا سيّما منظمات حقوق الإنسان التابعة لليسار الإسرائيليّ والتي تجابه معاداة كبيرة في الآونة الأخيرة.
وختمت مصالحة: أكدت نتائج البحث التجاهل الإعلامي الممنهج لقضايا الشعب الفلسطيني، كما أكدت مساهمة الإعلام الإسرائيلي في تأجيج الصراع العربي الفلسطيني بتجنده التام للرواية الإسرائيلية المؤسساتية بطبيعة الحال. فمعطيات البحث تظهر تجاهُلَ الإعلام الإسرائيليّ للقانون الدوليّ والمواثيق الدوليّة التي صادقت إسرائيل عليها نفسها!، كما تظهر ليس فقط هامشية التعامل مع حقوق الفلسطيني عبر صفحات الإعلام، وإنما أيضًا مدى انتهاك الإعلام الإسرائيلي لحقوق الفلسطيني في مقابل دعمه القوي لحقوق الإسرائيلي.