المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سوف استعرض في هذا المقال توجهات الخصخصة في قطاعات الخدمات العامة في إسرائيل: خدمات الصحة، التعليم، الرفاه الاجتماعي والسكن، وسأسعى قدر الإمكان إلى مناقشة انعكاسات عملية الخصخصة على تشغيل النساء في إسرائيل.

ولكن بادئ ذي بدء أود التطرق بشكل مقتضب إلى خصخصة الشركات الحكومية في إسرائيل وانعكاسات ذلك على حقوق العاملين.

سوف استعرض في هذا المقال توجهات الخصخصة في قطاعات الخدمات العامة في إسرائيل: خدمات الصحة، التعليم، الرفاه الاجتماعي والسكن، وسأسعى قدر الإمكان إلى مناقشة انعكاسات عملية الخصخصة على تشغيل النساء في إسرائيل.

ولكن بادئ ذي بدء أود التطرق بشكل مقتضب إلى خصخصة الشركات الحكومية في إسرائيل وانعكاسات ذلك على حقوق العاملين.

خصخصة الشركات الحكومية

خلال العقود الثلاثة الممتدة بين العام 1970 والعام 2000 تم بيع أسهم 49 شركة حكومية، كما جرى منذ العام 2000 خصخصة جزء من الشركات الحكومية الكبرى في الاقتصاد ومن بينها شركة الطيران "إل عال"، شركة الاتصالات "بيزك"، شركة "تسيم" للملاحة البحرية ومصافي تكرير النفط (في حيفا).

إضافة إلى ذلك هناك شركات حكومية كبرى أخرى مثل المياه "مكوروت" و"بريد إسرائيل" وشركة الكهرباء القطرية، اتخذت قرارات بشأن خصخصتها وقد قطعت هذه العملية مراحل مختلفة على الرغم من عدم توفر معطيات تبين كيف تأثرت النساء العاملات في هذه الشركات الحكومية جراء خصخصتها، إلاّ أنه كان للإجراءات المترتبة على هذه العملية بلا شك تأثير سلبي على حقوق العاملين والعاملات، تجلى في إجراءات فصل وتسريح وإحالة على التقاعد المبكر وتقليصات في الأجور بالإضافة إلى ذلك فقد كان لهذه العملية (الخصخصة) انعكاس سلبي آخر على جمهور العاملين تمثل في خفض تكلفة القوى العاملة وتحويلها إلى سلعة تجارية.

فضلاً عن ذلك فقد أضرت الخصخصة على المدى البعيد، حتى في الشركات التي كانت توجد فيها لجنة عمال قوية، بحقوق العاملين والعلاقات بين العامل ورب العمل بشكل بعيد الأثر. وعلى سبيل المثال فقد أدت خصخصة مصافي تكرير البترول إلى اتفاقية قلصت حقوق العمال الجدد حيث انتقصت من شروط الأجر والتقدم، وأفسحت المجال لفصلهم من العمل بسهولة أكبر.

خصخصة الخدمات الاجتماعية

لقد شكلت الخدمات العامة ممراً لدخول النساء إلى سوق العمل. وتشكل النساء الجزء الأكبر من العاملين في القطاع العام الإسرائيلي، وعليه فإن تقليص هذا القطاع يضر بالنساء في المقام الأول، إذ يبلغ مجموع النساء العاملات في قطاع الخدمات العامة في إسرائيل (وتشمل الإدارة العامة؟، والتعليم والصحة والخدمات الجماهيرية) قرابة 4ر515 ألف مستخدمة يشكلن ما نسبته 5ر71% من مجموع العاملين في هذا القطاع. وتشكل النساء العاملات في الخدمات العامة ما نسبته 45% من مجموع النساء العاملات في سائر المرافق الاقتصادية في إسرائيل.

خصخصة في جهاز الصحة

تعمل في خدمات الصحة نحو 120 ألف امرأة يشكلن 73% من مجموع العاملين في جهاز الصحة، والذي تجلت فيه عملية الخصخصة في أربعة أشكال:

1- ارتفاع مساهمة الاقتصاد المنزلي في تمويل جهاز الصحة من 26% العام 1995 إلى 31% في العام 2005، إلى جانب انخفاض في مساهمة الحكومة من 70% إلى 65%.

وقد عبرت الزيادة في إنفاق الاقتصاد المنزلي على الصحة، عن نفسها في شكل أساس في شراء تأمينات صحية مكملة من صناديق المرضى وشراء تأمينات (صحية) تجارية من شركات تأمين.

وهكذا بات الإسرائيليون اليوم، بعد مرور 13 عاماً على سن قانون التأمين الصحي الحكومي الذي ضمن سلة خدمات موحدة وسخية مقابل دفع رسوم صحة، ينفقون مبالغ كبيرة إضافية على التأمينات الصحية. هذا الاتجاه يؤدي أيضاً إلى عدم المساواة في الوصول إلى خدمات الصحة.

2- هوية الجهة المقدمة فعليا للخدمات الصحية: ارتفع منذ العام 1985 نصيب الجهات التجارية في تنفيذ الخدمات الصحية من 19% إلى 25% تقريباً. مع ذلك فإن نصيب المؤسسات العامة (الحكومية والسلطات المحلية وصناديق المرضى) في تنفيذ الخدمات الصحية ما زال النصيب الأكبر إذ يصل إلى نحو 62%.

3- انخفاض في "عائد العمل" من وزارة الصحة وارتفاع في "شراء الخدمات والسلع" من الجمعيات والمقاولين وشركات القوى البشرية (فقد انخفضت نسبة "عوائد العمل" من 1ر47% في العام 1995 إلى 33% في العام 2003، في حين ارتفعت نسبة "شراء السلع والخدمات" في تلك السنوات من 3ر47% إلى 7ر62%). معنى ذلك هو استبدال العاملات والعاملين في جهاز الصحة، الذين يتمتعون بشروط عمل مكرسة في اتفاقية جماعية، بعاملات وعاملين مشغلين من قبل جهات غير حكومية قسم كبير منهم غير محميين بواسطة اتفاقيات عمل جماعية.

4- تغيير في طريقة عمل وإدارة المستشفيات العامة وصناديق المرضى، وبين الأمثلة البارزة على ذلك:
•تعاني سلة الخدمات الصحية المقدمة في إطار قانون التأمين الصحي الحكومي من تمويل ضعيف نظراً لأنها لا تأخذ في الحسبان كامل النمو السكاني وتقدم أعمار السكان وارتفاع تكاليف الصحة. نتيجة لذلك تنشأ فجوة بين التمويل المرغوب وبين التمويل المتوفر أو المتاح، مما يدفع صناديق المرضى إلى البحث عن مصادر تمويل إضافية.
•تقوم صناديق المرضى ببيع خدمات صحة خاصة وعقاقير طبية بأسعار مرتفعة نسبياً.
•تحول المستشفيات إلى العمل بطريقة تجارية لا تضع مصلحة المريض على رأس اهتمامها.

هناك ثلاثة أنواع من الخدمات الصحية ما زالت ضمن مسؤولية وزارة الصحة وهي: الطب الوقائي، والعلاج التمريضي الذي يستمر لفترة طويلة وخدمات الصحة النفسية. غير أن هناك خطط خصخصة لكل فرع من هذه الفروع بعضها قيد التنفيذ.

خصخصة في جهاز التعليم

يبلغ عدد النساء العاملات في جهاز التعليم (الرسمي) 244 ألفًا يشكلن 78% من مجموع العاملين في التعليم.

وللخصخصة في جهاز التعليم انعكاسات على النساء سواء كعاملات أو كراعيات أساسيات للأولاد. وتجد الخصخصة في جهاز التعليم تعبيراً لها في تقليص الإنفاق العام على التعليم من جهة، وزيادة الإنفاق الخاص من جهة أخرى وتعتبر نسبة الإنفاق الخاص على التعليم في إسرائيل من النسب المرتفعة بين الدول المتطورة، ففي العام 2004 احتلت إسرائيل المكان السادس على هذا الصعيد بين مجموعة الدول المتطورة OECD.

أمثلة على تقليص الإنفاق العام

- سجل بين سنوات 2001-2007 انخفاض بنسبة 16% في ميزانية ساعات الكادر للطالب، مما يعني ساعات تعليم أقل.

- تقلصت ميزانية التطوير في وزارة التعليم بأكثر من الثلث بين سنوات 2001-2008.

- في سنوات 1995-2003 ازداد الإنفاق على التعليم للطالب الواحد في إسرائيل بنسبة 2% فقط وهذا مقارنة مع زيادة متوسطة بلغت 33% في دول الـ OECD.
•على صعيد أجر المعلمات في الشعب الإعدادية تحتل إسرائيل المكان 28 بين 31 دولة من مجموع الدول المتطورة.

ازدياد الإنفاق الخاص:

- طرأ ارتفاع على قيمة المبالغ التي يدفعها الآباء لقاء نشاطات كانت في الماضي جزءاً من منهاج التعليم: ساعات الإثراء، الرحلات الطلابية ونشاطات اجتماعية أخرى في إطار المدرسة.

- نقل مدارس إلى إدارة شبكات: والشبكات هي هيئات خاصة تتلقى ميزانيتها من وزارة التعليم وتقوم في الوقت ذاته بجمع وتجنيد أموال ومكافأة كبار موظفيها بمستوى أعلى مما تخصصه وزارة التربية والتعليم.

- هناك مدارس مميزة تعتبر مساراً رئيساً للتجديد التعليمي وتمولها وزارة التربية والتعليم إضافة إلى مبالغ يدفعها الآباء تصل إلى 1200 شيكل في الشهر للطالب الواحد (عدا عن الرسوم الاعتيادية).

- إعطاء "إدارة ذاتية" لمدراء المدارس، ووفقاً لهذا المفهوم الإداري التجاري فإن المدرسة تدار كمؤسسة اقتصادية، إذ يتولى مدير المدرسة إدارة الميزانية وتجنيد الأموال والتسويق والتشغيل الخ.

- دخول صناديق وهيئات خاصة إلى مجال دراسات الإثراء.

ينتج عن كل ذلك أن أجر النساء العاملات لا يتيح لهن التمتع باستقلالية اقتصادية وإنما يهدف إلى دفع ثمن الخصخصة في جهاز التعليم.

وفي جهاز التعليم العالي: ثمة هنا أيضاً اتجاه نحو تقليص الاستثمار في التعليم العالي العام مقابل اتساع في التعليم العالي الخاص. ففي الفترة بين 2001-2007 قلصت الدولة ميزانية التعليم العالي بنحو 15% في حساب للطالب الواحد، ما يعني تقليل معاوني التعليم وجعل الصفوف أكبر (من حيث عدد الطلاب في الصف) وميل نحو رفع أجرة (رسوم) التعليم.

اتساع جهاز التعليم العالي الخاص: لوحظ منذ التسعينيات توسع في جهاز التعليم العالي في إسرائيل عبر عن نفسه في ازدياد عدد مؤسسات التعليم وازدياد عدد الطلاب. غير أن جل جهود الحكومة في مجال توسيع التعليم العالي لم ينصب على توسيع التعليم العالي العام وإنما على المساعدة في إقامة جهاز تعليم عال خاص، كالكليات الخاصة التي لا تمولها الدولة. وقد أوجدت هذه العملية جهاز تعليم عاليًا مختلف المستويات والشرائح تقف فيه على رأس الهرم الكليات الخاصة.

هناك 6 من أصل 7 كليات خاصة تعمل في منطقة المركز (وسط إسرائيل) وهي تعمل وتدار حسب قواعد السوق الحرة وتمول بواسطة أجور (أقساط) التعليم العالي التي يدفعها الطلاب. وتقوم هذه الكليات بتدريس مواد وتخصصات مطلوبة ولا تحتاج في الوقت ذاته إلى بنى تحتية، من قبيل إدارة الأعمال والحقوق. إقامة هذه الكليات ساهم عمليا في توسيع الوصول إلى التعليم العالي فقط بالنسبة للطلاب المنتمين للطبقات الغنية أو المقتدرة. أما الكليات العامة، التي تحتل أسفل الهرم، فهي ليست مخولة بجباية أجور تعليم مرتفعة كالتي تجبيها الكليات الخاصة كما أنها لا تتمتع بميزانيات البحث التي تشكل 42% من مجموع الميزانيات المخصصة للجامعات. قسم كبير من الطلاب الملتحقين بهذه الكليات يأتون من بلدات فقيرة كما أنها غير مخولة بتدريس مواد مثل الحقوق. طاقم التدريس في هذه الكليات العامة يتألف بشكل أساس من محاضرين خارجيين، غالبيتهم من النساء.

خصخصة جهاز الرفاه

يختلف طابع مناقشة الخصخصة في ما يتعلق بجهاز الرفاه ذلك لأن قسماً كبيراً من النشاطات التي تتم في إطار هذا الجهاز، كان على الدوام في أيد غير حكومية. ففي إسرائيل لم تقم الدولة على الإطلاق بإدارة جهاز رفاه تابع للدولة ولم تحدد الحق المدني بالحصول على خدمات رفاه كما لم تقم أبداً بتحديد سلة أساسية لخدمات رفاه شخصية لسكان إسرائيل. جهاز خدمات الرفاه الشخصية القائم في إسرائيل خاضع للدولة جزئياً فقط، ذلك لأن جزءاً كبيراً من الخدمات يقدم من قبل جهات غير حكومية، كما أن جزءاً كبيراً من التمويل يأتي من متبرعين يهود يعيشون خارج البلاد، إضافة إلى أن جانباً من العمل يُنفذ بواسطة متطوعين.

معطيات

على غرار مجال الصحة، يشير تحليل ميزانية الرفاه إلى انخفاض في تشغيل عاملين من قبل الوزارة مقابل ارتفاع في "شراء خدمات وسلع" من جهات تزويد خارجية. فبين سنوات 1995-2003 انخفض نصيب "عوائد العمل" من 3ر46% إلى 35% من إنفاق القطاع الحكومي على الضمان الاجتماعي والإعانات الاجتماعية، في حين ارتفع الإنفاق الحكومي على "شراء السلع والخدمات" في هذه المجالات من 3ر45% إلى 1ر57%. ويشير ذلك إلى اتجاه واضح من تقليص مشاركة الدولة في التزويد المباشر لخدمات الرفاه وزيادة نصيب المنظمات غير الحكومية التجارية وغير التجارية على حد سواء.

كما تظهر معطيات نشرها مراقب الدولة لسنة 2004 أن أقساماً مركزية في وزارة الرفاه تخصص جميع ميزانياتها تقريبا لشراء خدمات من منظمات وجهات غير حكومية (96% من ميزانية قسم الخدمات الشخصية والاجتماعية و93% من ميزانية قسم التأهيل خصصت في العام 2004 لشراء خدمات من منظمات غير حكومية).

وخلافا لجهاز التعليم والصحة فإن موظفي الدولة يشكلون أقلية صغيرة بين مجموع المشغَّلين في جهاز خدمات الرفاه. وتشكل النساء 85% من مجموع العاملين حالياً في جهاز الرفاه (حوالي 86 ألف امرأة). في خدمات الرفاه الشخصية يقع العبء الرئيس على عاتق عشرات آلاف النساء اللائي يعملن بصورة عامة بأجر منخفض ومن دون شروط اجتماعية أو حماية قانونية ملائمة من جانب نقابة مهنية، ويدور الحديث هنا بالأساس عن الممرضات اللاتي يعملن في إطار قانون التمريض والرعاية الصحية في بيوت المسنين. ويظهر استطلاع معهد "بروكديل" أن الإسرائيليات العاملات في هذه المجالات هن بشكل عام نساء كبار في السن، تجاوزت أعمار نصفهن تقريباً الخمسين عاماً، وأن 60% منهن مهاجرات جديدات من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً. كما تظهر المعطيات أن أكثر من نصفهن (55%) كن معيلات وحيدات في الأسرة. المجموعة الثانية من النساء العاملات في هذا المجال تتألف من مهاجرات العمل، وغالبيتهن من الفيلبين.

خصخصة مساعدة السكن

شهد العقد الأخير تسارعاً حثيثاً في وتيرة خصخصة خدمات السكن الحكومية. فكيف يعبر ذلك عن نفسه؟

تنقسم ميزانية المساعدة التي تقدمها وزارة البناء والإسكان إلى قسمين:

1- قروض الرهن العقاري لشراء شقق. كانت الحكومة في السابق المزود الرئيس لقروض الإسكان للأزواج الشابة. وفي العقد الأخير أخذت الدولة تخرج من سوق قروض الرهن العقاري، الأمر الذي انعكس في تشديد المعايير وإلغاء المنح والهبات وخفض سقف قروض الإسكان. نتيجة لذلك طرأ انخفاض على حجم الاستفادة الفعلية من قروض السكن الحكومية التي انتقلت مسؤولية تقديمها إلى البنوك.

2- منح للمساعدة في أجر الشقة. في العام 2002 قلص وزير المالية (بنيامين نتنياهو) حجم المساعدة في أجرة الشقة بنحو 50%، ومنذ ذلك الحين أخذت ميزانية المنح الخاصة بمساعدات السكن تتقلص سنة تلو أخرى.

كذلك كانت هناك وسيلة أخرى للمساعدة في السكن وهي مشاريع السكن الحكومي، غير أن الحكومة شرعت في السنوات الأخيرة بعملية بيع للمساكن الحكومية. ففي سنوات 1998-2006 سجل انخفاض بنحو 18 ألف شقة سكنية في مخزون السكن الحكومي، كذلك توقفت الحكومة عن شراء عقارات جديدة ولم تعد هناك من طريقة مساعدة بديلة.

يعتبر السكن العام مسألة جندرية ففي العام 2003 كان 5ر17% من القاطنين في المساكن الحكومية من الأمهات الأحاديات (اللائي يشكلن المعيل الوحيد للأسرة) علماً أن هذه الفئة هي التي تتصدر في السنوات الأخيرة الاحتجاجات الاجتماعية في موضوع السكن في إسرائيل.

______________________

* الكاتبة باحثة في مركز "أدفا"- معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل. ترجمة خاصة.

المصطلحات المستخدمة:

بيزك, مراقب الدولة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات