المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 1137

*إيهود أولمرت يدعي أن ميزانية 2008 تحمل البشائر للشرائح الفقيرة والضعيفة وهو ما تفنده أبحاث اجتماعية إسرائيلية*قانون التسويات ينص على تقليص الرواتب بنسبة 1%، وهذا إجراء يُجهض عمليا القسم الأول من علاوة الغلاء التي كان سيحصل عليها الأجيرون، بناء على اتفاق تم التوقيع عليه في الصيف الماضي مع الاتحاد العام للنقابات. كذلك ينص على استمرار تجميد مخصصات الضمان الاجتماعي وعدم تعديلها وفق نسب التضخم المالي، لا بل استمرار التقليص السابق بنسبة 4%*

 

*إيهود أولمرت يدعي أن ميزانية 2008 تحمل البشائر للشرائح الفقيرة والضعيفة وهو ما تفنده أبحاث اجتماعية إسرائيلية*قانون التسويات ينص على تقليص الرواتب بنسبة 1%، وهذا إجراء يُجهض عمليا القسم الأول من علاوة الغلاء التي كان سيحصل عليها الأجيرون، بناء على اتفاق تم التوقيع عليه في الصيف الماضي مع الاتحاد العام للنقابات. كذلك ينص على استمرار تجميد مخصصات الضمان الاجتماعي وعدم تعديلها وفق نسب التضخم المالي، لا بل استمرار التقليص السابق بنسبة 4%*

 

كتب برهوم جرايسي:

 

اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، أن يصف ميزانية إسرائيل للعام القادم 2008، لدى عرضها لأول مرّة على حكومته قبل نحو شهرين، الادعاء بأنها "ميزانية بشائر"، وهو التعبير الذي ردده وزير المالية، روني بار- أون، أمام الهيئة العامة للكنيست (البرلمان) التي أقرت الميزانية بالقراءة الأولى قبل أيام، تمهيدا لإقرارها نهائيا بعد شهر ونصف الشهر، وقبل نهاية العام الجاري.

إلا أن عدة جهات ومراكز متخصصة في الشأن الاجتماعي تؤكد أن الميزانية هي عكس ما يصرّح به أولمرت ووزير ماليته، وهي لا تحمل أية بشائر للشرائح الفقيرة والضعيفة، ولا على مستوى الرفاه العام، لا بل إنها تحمل المزيد من التقليصات الجارية منذ عدة سنوات.

وتقول النشرة الاقتصادية الاجتماعية "سينات" إنه لا أساس لما يصرح به رئيس الحكومة أولمرت، بأن في ميزانية العام القادم زيادة بقيمة 3ر8 مليار شيكل، (ما يعادل 07ر2 مليار دولار) لقضايا التعليم وسد الفجوات الاجتماعية.

وتضيف "سينات"، بعد فحص دقيق لجميع بنود الميزانية المتعلقة بقضايا التعليم الرفاه: يظهر أن حجم الزيادة في هذه الميزانية 805 ملايين دولار، في حين أن التقليص المتوقع في هذه البنود، بعد إقرار الميزانية بشكل كامل، هو حوالي مليار دولار، بمعنى أنه سيكون تقليص عما هو قائم الآن بحوالي 200 مليون دولار، ولا توجد زيادة أصلا.

وجاء في "سينات": "وسنجد أيضا أنه في بنود أخرى تتعلق بالرفاه والخدمات الاجتماعية هناك سياسة شد حزام وليس تخفيف أعباء عن الشرائح الفقيرة والضعيفة كما تدعي الحكومة، لأن كل ما تتحدث عنه الحكومة هو توسيع سوق العمل وتحفيز المشاركة فيه، دون أي تحسين في ظروف معيشة أولئك الذين لا مجال لهم للانخراط في سوق العمل لأسباب مختلفة، هذا عدا عن أن التغييرات في التدريج الضريبي ستزيد من العبء الضريبي على العاملين، بما قيمته 225 مليون دولار".

وتشير نشرة "سينات" إلى أن البند الوحيد الذي فيه تخفيف على كاهل الأجيرين، يتعلق برواتب معلمي المرحلة الابتدائية المدرسية، إذ ستجري زيادة رواتبهم بقيمة 300 مليون دولار، ولكن رغم أهمية هذا البند فهذا لا يحل مجمل المشاكل الاجتماعية في الدولة.

وجاء أيضا أن الهدف المركزي للحكومة هو الحفاظ على إطار الميزانية ونسبة العجز، ولذا فإن أي تعديل في سلم الأولويات جاء على حساب بنود حيوية أخرى في الميزانية، وهذا لا يمكن اعتباره إطلاقا تحسينا لظروف الشرائح الفقيرة والضعيفة.

يذكر أن إجمالي حجم الميزانية للعام القادم يبلغ 76 مليار دولار، لكن أعضاء الكنيست مع تصويتهم على الميزانية، سيصوتون على ما يسمى قانون التسويات، وهو عبارة عن مجموعة قوانين تطرحها وزارة المالية دفعة واحدة، تتضمن تجميدا لقوانين أقرها الكنيست تعتمد على صرف مالي، بشكل خاص على القضايا الاجتماعية، وتوجيه ضربات اقتصادية، وهذا ما سنأتي عليه هنا، لكن البند الأول لقانون التسويات يخوّل الحكومة تقليص ميزانية العام القادم بقيمة 5ر1 مليار دولار، فورا بعد إقرارها في الكنيست.

وستشمل التقليصات تقليص حوالي 11 مليون دولار موجهة لمشاريع تطويرية في منطقتي الجليل والنقب، وتخفيض اعتمادات لمشاريع إسكانية شعبية تابعة لوزارة الإسكان بقيمة 167 مليون دولار، وهو إجراء سيمس بالأساس بقدرة الشرائح الضعيفة على شراء بيوت شعبية.

كذلك فإن الميزانية تنص على استمرار تقليص 4% في كافة مخصصات مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تدفع بالأساس للمسنين والعجزة والمعاقين والأولاد والعائلات ذات الدخل المحدود.

 

ضربات قانون التسويات

 

كما ذكر سابقا، فإنه في موازاة إقرار الميزانية تجري عملية إقرار قانون التسويات، وفي نفس الجلسة، ويعتبر هذا القانون نموذجا نادرا في العالم، وتعمل به إسرائيل منذ قرابة 24 عاما، رغم حملة الاحتجاجات الواسعة عليه في الحلبة السياسية في إسرائيل.

وقد بدأت وزارة المالية العمل به في العام 1984 على ضوء نسب التضخم العالية جدا، وكانت تفوق 150% سنويا، من أجل تنفيذ سياسة "شد الحزام" وفرض حالة التقشف الاقتصادي، إلا أنها واصلت العمل به في سنوات النمو الاقتصادي في سنوات التسعين، والسنوات الأربع الأخيرة.

وقد أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية عدة قرارات في الفترة الأخيرة أكدت فيها على أن القانون مناقض للمبادئ الديمقراطية، كونه يجمد قوانين أقرها الكنيست بشكل ديمقراطي قانوني، إلا أن هذه القوانين ترفضها وزارة المالية ولهذا تسعى إلى إبطالها من خلال هذا الأسلوب المجحف.

ولدى إقرار ميزانية العام الجاري، 2007، شهد الكنيست أجواء صاخبة في أعقاب المماطلة التي اتبعتها رئيسة اللجنة الإدارية للكنيست في حينه، روحاما أبراهام، التي أصبحت لاحقا وزيرة، وفي أعقاب تلك التحركات البرلمانية تعهدت وزارة المالية بتقليص التعامل مع هذا القانون، إلا أن مضمون قانون التسويات المطروح حاليا يثبت عكس ذلك.

وقد أدى هذا الأمر إلى تدخل رئيسة الكنيست داليا ايتسيك مباشرة، وطلبت من وزارة المالية سحب القانون وإجراء تعديلات عليه، بحيث يتم تقليصه إلى الحد الأدنى "الممكن".

كذلك فإن المستشارة القضائية للكنيست، نوريت إليشتاين، بعثت برسالة رسمية إلى وزارة المالية جاء فيها: "إن قانون التسويات يمس بشكل واضح بمكانة منتخبي الجمهور، والسلطة التشريعية ككل، إضافة إلى ضرب توزيع عمل السلطات، بين تشريعية وتنفيذية، وهذا ما يقضي على قدرات السلطة التشريعية، وكل هذا يؤدي إلى أن يفقد الجمهور ثقته بالمؤسسة التشريعية وبالسلطة ككل".

وينص قانون التسويات على سلسلة من الضربات الاقتصادية الموجهة للشرائح الفقيرة والضعيفة، وجمهور العاملين في القطاع العام خصوصا، إذ ينص البند الأول على تقليص الرواتب بنسبة 1%، وهذا إجراء يُجهض عمليا القسم الأول من علاوة الغلاء التي كان سيحصل عليها الأجيرون، بناء على اتفاق تم التوقيع عليه في الصيف الماضي مع الاتحاد العام للنقابات. كذلك ينص على استمرار تجميد مخصصات الضمان الاجتماعي، وعدم تعديلها وفق نسب التضخم المالي، لا بل استمرار التقليص السابق بنسبة 4%.

وسيتم إلغاء قانون أقره الكنيست يمنح العائلات التي تحصل على مخصصات ضمان الدخل 100 كيلوواط من الكهرباء شهريا مجانا، وتقليص القروض الإسكانية المدعومة من الحكومة بنسبة 15%، ورفع أسعار المياه، وتجميد قانون يوم التعليم الطويل حتى العام 2014، إضافة إلى إلغاء سلسلة من التسهيلات الضريبية على التوفيرات خارج البلاد، وغيرها.

لكن البند المركزي في هذا القانون سيكون فرض رسوم تأمين صحي على ربات البيوت اللاتي لا يعملن بقيمة 22 دولارا شهريا، وتثور ضجة كبيرة حول هذا البند، وهناك من يشكك في إمكانية ان يتم إقراره وهذا لأنه يضرب بالأساس العائلات المحدودة الدخل، وبالأساس من الطوائف اليهودية الشرقية، والعائلات المتدينة الأصولية اليهودية، كون نسبة العاملات هناك ضئيلة جدا، والنساء العربيات اللاتي هن عمليا محرومات من فرص العمل في بلداتهن.

وكانت الحكومة قد حاولت فرض هذا القانون قبل نحو عامين، وحينما وجدت معارضة جمّة قررت الحكومة إلغاء تسهيل إعفاء ضريبي بقيمة 64 دولارا شهريا يمنح لكل أجير زوجته لا تعمل، ورغم أن هذا القانون لا يزال مستمرا، إلا أن الحكومة تطالب من جديد بفرض هذه الرسوم.

 

نموّ أم فقر؟

 

في هذه الأجواء فإن "حرب المعطيات" على أشدها، ففي حين أنّ وزارة المالية تعلن نسب نمو ورفع المستوى المعيشي، فإن معطيات الفقر لا تزال على حالها لا بل تتعمق أكثر.

فقد أعلنت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، في الأسبوع الماضي، عن أن نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة في العام الجاري 2007 ستكون 2ر5%، وهي نسبة مشابهة للعام 2006 وقريبة لنسبة النمو في العام 2005 حين كانت 3ر5%، في حين أن وزارة المالية تتوقع نموا اقتصاديا بنسبة 2ر4% في العام القادم 2008. ويقول خبراء اقتصاديون إنها توقعات الحد الأدنى، ويتعمدها مسؤولو وزارة المالية لكي لا يكونوا مطالبين بتوسيع حجم الموازنة العامة.

وتقول الدائرة ذاتها إن المستوى المعيشي سيرتفع في العام الجاري في إسرائيل بنسبة 2ر4%، مقابل 7ر2% في العام 2006، و2ر2% في العام 2005، ومن مؤشرات هذا الارتفاع حسب الدائرة ذاتها، ازدياد حاد في مشتريات مقومات الحياة اليومية، مثل زيادة بنسبة 29% في شراء السيارات الخاصة، وزيادة بنسبة 16% في المعدات البيتية، وغيرها.

ولكن حسب المقولة التي أصبحت دارجة، فإن "سؤال المليون" هو أين هذه المعطيات من معطيات الفقر؟ فقد دل آخر تقرير لمؤسسة الضمان الاجتماعي على أن عدد الفقراء في إسرائيل في العام 2006، بلغ 67ر1 مليون نسمة، وهذا بعد ثلاث سنوات متواصلة من النمو الاقتصادي العالي، مما يؤكد ان النمو الحاصل يخدم شرائح ذات مداخيل عالية وأصحاب رأس المال، ولكنه لا يطال بأي شكل الشرائح الفقيرة والضعيفة.

من المفترض أن تكون الأسابيع المقبلة ساخنة في أروقة الكنيست، على خلفية إقرار الميزانية العامة، وقد نرى بعض حالات التمرد من أعضاء كنيست في الائتلاف الحكومي، ولكن كما علمت التجربة فإن هذا التمرد يكون إعلاميا من الدرجة الأولى، والغالبية الساحقة من المتمردين افتراضا، يتم إرضاؤهم ببنود وضعت أصلا من أجل إزالتها لاحقا، لتظهر وزارة المالية وكأنها تراجعت عن ضربات اقتصادية كانت قد أقرتها، وهذا أحد السيناريوهات التي أصبح الشارع الإسرائيلي يحفظها عن ظهر قلب، ولكن يحلو لبعض أعضاء الكنيست أن يتجاهلوه ليسجلوا لأنفسهم "إنجازات" وهمية.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات