المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* تزايد الضغوط على بنك إسرائيل لتخفيض الفائدة البنكية من أجل رفع قيمة الدولار * محافظ بنك إسرائيل يرفض أيّ تدخل في سوق العملات الأجنبية في هذه المرحلة * المصدرون يعلنون خسارة 173 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر * المحللون يؤكدون أن عوامل خارجية تقف خلف انخفاض سعر صرف الدولار *

* تزايد الضغوط على بنك إسرائيل لتخفيض الفائدة البنكية من أجل رفع قيمة الدولار * محافظ بنك إسرائيل يرفض أيّ تدخل في سوق العملات الأجنبية في هذه المرحلة * المصدرون يعلنون خسارة 173 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر * المحللون يؤكدون أن عوامل خارجية تقف خلف انخفاض سعر صرف الدولار *

كتب برهوم جرايسي:

يشهد الاقتصاد الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة عاصفة كبيرة على ضوء التراجع المستمر لسعر صرف الدولار أمام الشيكل، الذي هبط في السنوات الأخيرة بنسبة 18%، وفي الأشهر الـ 12 الأخيرة لوحدها هبط بنسبة 6ر11%، وبفعل هذا فقد انخفضت بعض الأسعار والخدمات، وبالأساس كل ما يتعلق بأسعار وإيجارات البيوت والمكاتب وغيرها.

وحتى مطلع الأسبوع الجاري لامس سعر صرف الدولار مستوى 4 شيكلات فقط، مع تقديرات أولية بإمكانية هبوطه إلى ما دون هذا السعر، بعد أن كان قبل عام حوالي 4ر4 شيكل.

وأعلن محافظ بنك إسرائيل المركزي، ستانلي فيشر، أن قيمة الدولار لن تتغير بشكل جوهري في الفترة القريبة، وفي حال تغيرت، فمن الصعب التقدير منذ الآن حجم هذا التغيير. وأضاف أن بنك إسرائيل لا ينوي حاليا التدخل في سوق العملات الأجنبية للتأثير على قيمة الشيكل أمام الدولار، كما أنه لن يدرس إمكانية كهذه، إلا إذا وقع الاقتصاد في أزمة خطيرة.

وقال فيشر إن تدخلا كهذا بالإمكان معرفة متى يبدأ ولكن من الصعب معرفة كيف ومتى يتوقف. ورأى أن سوق العملات في إسرائيل "تعمل بصورة جيدة وناجعة، وتدخل بنك إسرائيل سيشوش هذه الحركة، ولذلك فإن تدخل بنك إسرائيل سيكون فقط في حال وقوع أزمة".

وأضاف فيشر، في حديث لوسائل الإعلام الإسرائيلية بمناسبة صدور التقرير السنوي للبنك عن العام الماضي 2006، إن لدى إسرائيل احتياطيًا كبيرًا جدا من العملات الأجنبية، يجعلها قادرة على التصرف في ظل أزمات وحالات طوارئ.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، موطي بسوك، إن بنك إسرائيل معني بدولار قوي، وهذا بهدف الوصول إلى سقف التضخم المالي للعام الجاري 2007، الذي وضعته الحكومة، ويتراوح ما بين 1% إلى 3%، ومن أجل استقرار الأسعار.

وحسب البنك فإن تراجع قيمة الدولار تمس أولا وقبل كل شيء بالمصدرين، الذين يتقاضون الأثمان بالدولارات، التي أصبحت قيمتها بالشيكل الآن أقل، بينما الرابح الأكبر هم المستوردون، الذين يشترون البضائع بأسعار أقل بالشيكل.

وفي رده على المطالبة الواسعة بتخفيض سعر الفائدة البنكية التي يطرحها بنك إسرائيل، قال فيشر إن القرار بشأن الفائدة البنكية سيكون مرتبطا بثلاثة عوامل: الحفاظ على سقف التضخم المالي للعام الجاري الذي وضعته الحكومة، والنمو الاقتصادي والاستقرار المالي (احتياطي العملات)، كما إذا تقرر تخفيض قيمة الشيكل، فإن البنك سيأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل الثلاثة، وعلى رأسها سقف التضخم.

وليدعم موقفه، يقول فيشر إنه وعلى الرغم من أن سعر صرف الدولار أمام الشيكل يتراجع، فإنه يحافظ على حاله أمام العملات الأجنبية الأخرى. كما أن تراجع الدولار في العالم كان متوقعا، وحتى أن الاقتصاديين في العالم توقعوا هذا منذ ثلاث وأربع سنوات في أعقاب تراكم العجز الكبير جدا في ميزان المدفوعات في الولايات المتحدة.

وقال رئيس اتحاد أرباب الصناعة، شراغا بروش، في نهاية الأسبوع الماضي، إن المصدرين الإسرائيليين خسروا منذ مطلع العام الجاري حوالي 700 مليون شيكل (قرابة 173 مليون دولار)، وهذا بفعل تراجع سعر صرف الدولار. وقال إنه في حال استمر سعر الصرف بالتراجع، فإن مجمل الخسائر في العام الجاري 2007 قد يصل إلى 4ر2 مليار دولار.

وأضاف بروش أن الحديث يجري عن خسارة بنسبة 5%، التي تساوي 5ر1 مليار دولار، إضافة إلى خسائر في مبيعات السوق المحلي بحوالي 900 مليون دولار، ودعا بروش محافظ بنك إسرائيل، ستانلي فيشر، إلى تخفيض الفائدة البنكية بنصف بالمائة، من أجل رفع سعر صرف الدولار.

عوامل خارجية أكثر منها داخلية

يعتقد المحللون الاقتصاديون، والى جانبهم بنك إسرائيل المركزي، أن هذا لا يعتبر إنجازا إسرائيليا، وإنما بفعل عدة عوامل، أهمها معطيات الاقتصاد في الولايات المتحدة، في ظل عجز ضخم جدا في ميزان المدفوعات الأميركي الذي وصل إلى حد 800 مليار دولار، والتضخم المالي الأميركي في السنوات الأخيرة الذي يتراوح ما بين 5ر3% إلى 5%، ونتيجة لهذا فإن الدولار يتراجع في دول كثيرة في العالم، وليس فقط في إسرائيل.

إلا أن بعض المحللين الاقتصاديين يصرون على عدم تغييب معطيات الاقتصاد الإسرائيلي عما يجري، فإسرائيل سجلت في العام الماضي 2006، ورغم الحرب على لبنان، نموا اقتصاديا بنسبة 1ر5%، والتوقعات لنسبة مماثلة في العام الجاري 2007، وهناك من يتوقع نموا بنسب أعلى، إضافة إلى معطيات أخرى، ومن بينها الفائض في ميزان المدفوعات، الذي بلغ حتى الآن سبعة مليارات دولار.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "هآرتس" عامي غينزبورغ، إنه "من منظور إسرائيلي ضيق، فإن الحديث يجري عن لا أقل من سابقة تاريخية، فلم يحدث في التاريخ الإسرائيلي القصير أن انتعشت العملة المحلية أمام الدولار الأميركي بنسبة 18% خلال خمس سنوات، هذا لم يحدث في عهد الليرة (أول عملة إسرائيلية حتى العام 78)، ولم يحدث في عهد الشيكل (الشيكل الأول الذي حذف منه في مطلع العام 1986 ثلاثة أصفار)، ولم يحدث في عهد التضخم المالي الكبير جدا، منذ العام 1977 وحتى العام 1985، ولا في عهد الشيكل الجديد، في سنواته الـ 17 الأولى".

ويتابع غينزبورغ كاتبا "وإلى جانب هذه السابقة بالإمكان إضافة سابقتين هامتين: الأولى أنه طوال السنوات الأخيرة فإن نسب التضخم المالي في إسرائيل أقل مما هي عليه في الولايات المتحدة، والثانية أن نسبة الفائدة (الأساسية التي يطرحها بنك إسرائيل) أقل مما هي عليه في الولايات المتحدة، 4% في إسرائيل و25ر5% في الولايات المتحدة".

وهو يستبعد أن يسهم تخفيض الفائدة البنكية بنسبة نصف بالمائة في إعادة رفع سعر الدولار، ويقول إن تخفيضا ما بين 1% إلى 2% فقط قد يحقق هذا.

ورغم هذا، فإن المحلل نفسه يؤكد أن ما حصل لسعر صرف الدولار ليس "حكاية إسرائيلية"، كما يقول، وإنما لأن سعر صرف الدولار يتراجع أمام الكثير من العملات في العالم، بنسبة تتراوح من 5% وحتى 12% في بعض الدول، ولهذا فإن تراجع سعر صرف الدولار لا يمكن اعتباره سابقة إسرائيلية، وإنما سابقة عالمية.

ويعطي غينزبورغ مثلا على هذا سعر برميل النفط، الذي قفز خلال خمس سنوات من 25 دولارا للبرميل إلى 62 دولارا، كذلك فإن سعر الذهب قفز خلال نفس الفترة من 300 دولار إلى 675 دولارا.

أما المحلل الاقتصادي ميخا استرحان فيرفض، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تذمر المصدرين، ويتبنى مقولة أن الدولار يحافظ على قوته من حيث الجوهر. ومما جاء في مقاله "إن الهبوط المستمر في سعر صرف الدولار يزيد الضغط على بنك إسرائيل المركزي لكي يتدخل ويغير سياسة الفائدة البنكية، ولكن عمليا يجب عدم الانفعال أكثر من اللزوم جراء هذا الانخفاض لسعر الدولار، فهو اليوم يعكس قيمته الحقيقية".

ويتابع استرحان، بعد أن يعدد الأسباب الأميركية والعالمية لانخفاض قيمة الدولار، فيكتب "إن الصرخة العالية في وسائل الإعلام حول ارتفاع قيمة الشيكل، والخسائر الناجمة عن هذا للمصدرين، تعكس بالأساس الميل للتباكي وطلب المساعدة".

ويضيف أن المصدرين، الذين يصدرون منتوجاتهم للولايات المتحدة الأميركية، حصلوا على ثمن يتزايد باستمرار بفعل التضخم المالي المستمر في الولايات المتحدة، ولكن لقاء الدولارات التي بحوزتهم حصلوا على مبالغ أقل بالشيكل، ولكن عمليا فإن مداخيلهم لم تتراجع، وهذا الأمر نفسه بالإمكان رؤيته لدى المصدرين للدول الأوروبية، لأن التضخم المالي في أوروبا كان شبيها بالتضخم في إسرائيل، ولم يحصل هناك أي تغير.

ويدعو المحلل الاقتصادي البارز في صحيفة "هآرتس"، نحاميا شتراسلر، إلى عدم الهلع، مذكرا بأن الدولار شهد في الماضي قفزات كبيرة إلى الأعلى ولم يكن أي داع للشعور "بالأزمة والكارثة"، كما جاء في عنوان مقاله.

ويقول شتراسلر "في العام 2002 دخل الشعب في إسرائيل في حالة من الهستيريا العامة، حين وصل سعر صرف الدولار إلى رقم قياسي، خمسة شيكلات، وكلهم كانوا يتخوفون أن يتجاوز الحاجز النفسي، حاجز سعر الصرف خمسة شيكلات، ويصل إلى ستة شيكلات".

ويتابع شتراسلر "وها هو سعر الصرف يتدهور الآن نحو أربعة شيكلات، والشعب في إسرائيل في هستيريا، فقد يتجاوز الحاجز النفسي، حاجز سعر الصرف أربعة شيكلات، ولربما هذا سيحصل في الأيام القادمة".

ويكتب شتراسلر "بداية يجب عدم المقارنة بين الحالتين، ففي العام 2002 كان الاقتصاد الإسرائيلي في أزمة حقيقية، حين كان يعاني ركودا اقتصاديا في أعقاب الانتفاضة، وكان هناك عجز مالي كبير في ميزانية الدولة، وعدم ثقة بالعملة المحلية وبالاقتصاد بمجمله، وحينها كانت حاجة لخطوات اقتصادية جادة من أجل لجم سباق الدولار، الذي ركض إلى الأمام بسرعة زائدة، بمعنى التسبب بتضخم مالي كبير وعدم استقرار.

"أما الآن فلا يجري الحديث عن أزمة اقتصادية، إطلاقًا لا، فالدولار يتراجع أمام العملات في السوق العالمية، أمام اليورو والجنيه الإسترليني وغيرهما... الدولار ببساطة عملة ضعيفة، لأن العجز في ميزان المدفوعات في الولايات المتحدة وصل إلى حجم ضخم جدا، 800 مليار دولار، ولهذا فعلى الدولار أن يضعف، من أجل سد العجز.

"وإذا أضفنا إلى هذا حقيقة أن نسب التضخم المالي في إسرائيل في السنوات الأخيرة أقل مما هي عليه في الولايات المتحدة، وحقيقة أن لدينا (في إسرائيل) فائضًا في ميزان المدفوعات بقيمة سبعة مليارات دولار، وحقيقة أنه تتدفق علينا من الخارج المليارات التي توظف في الاقتصاد الإسرائيلي، فإن ذلك يلزمنا بتخفيض سعر الدولار، تماما كما هي الحال مع أية بضاعة أخرى".

ويسأل شتراسلر ما إذا يجب اعتبار تخفيض الدولار كارثة كبيرة، ويجيب بنفسه كاتبا: "إن من يعاني من تراجع سعر صرف الدولار هم المصدرون، الذين باتوا يتقاضون أقل مقابل بضائعهم، وبالأساس الصناعات التقليدية الحساسة لأبسط التغييرات في الأسعار، ولهذا سيكون عليهم البحث عن أسواق جديدة، لا تتعامل بالدولار. صحيح أن هذا ليس بالأمر السهل، لكنه الحل الوحيد، لأنه لا احتمال لتدخل بنك إسرائيل في مشاكل تقنية في سعر صرف الدولار".

السواد الأعظم خارج هذا الجدل

إن النقاش في إسرائيل صاخب، بل صاخب جدا، ولكنه يبقى نقاش الكبار، كبار الاقتصاد الإسرائيلي، في حين أنّ السواد الأعظم من الجمهور في إسرائيل لا يشعر إطلاقا بهذا الهبوط لسعر الدولار، أو على الأقل لنقل إنه لم يستفد من ارتفاع قيمة الشيكل.

إنّ جميع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، التي تشكل المصروف الأكبر لعائلات الشرائح الفقيرة والمتوسطة، حافظت على حالها، لا بل وسجلت ارتفاعات في المرحلة السابقة، وهناك مؤشرات لارتفاعها أكثر لاحقا، على ضوء ارتفاع أسعار الوقود. أمّا الأسعار التي تنخفض فهي أسعار البيوت وإيجاراتها وأسعار السيارات والسفر إلى خارج البلاد والكثير من البضائع المستوردة التي تعتمد الدولار، وهذا الانخفاض لا يؤثر على مستوى مصروف العائلات الفقيرة بل والمتوسطة أيضًا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات