*600 ألف شخص حصلوا على دعم غذائي من أجل الاحتفال بالعيد *آلاف العاملين في المجالس البلدية لم يتسلموا رواتبهم منذ أشهر طويلة *الجوع يصل الى جنود الخدمة الاجبارية *أكبر مئة ثري في اسرائيل يملكون 47 مليار دولار، ما يوازي 70% من ميزانية اسرائيل في عام واحد.. وعشرة منهم فقط يمكلون 21 مليار دولار* ثورة الخبز في اسرائيل ليست قادمة، ولكن الجوع سيستفحل في العام القادم*
أغنياء وفقراء اليهود في رأس السنة العبرية
*600 ألف شخص حصلوا على دعم غذائي من أجل الاحتفال بالعيد *آلاف العاملين في المجالس البلدية لم يتسلموا رواتبهم منذ أشهر طويلة *الجوع يصل الى جنود الخدمة الاجبارية *أكبر مئة ثري في اسرائيل يملكون 47 مليار دولار، ما يوازي 70% من ميزانية اسرائيل في عام واحد.. وعشرة منهم فقط يمكلون 21 مليار دولار* ثورة الخبز في اسرائيل ليست قادمة، ولكن الجوع سيستفحل في العام القادم*
كتب برهوم جرايسي:
احتفل اليهود في الاسبوع الماضي برأس السنة العبرية الجديدة، وهم مقبلون ايضا على عيد الغفران ومن بعده عيد العرش. والاعياد اليهودية هي مناسبة أخرى في اسرائيل تظهر فيها الأزمة الاجتماعية وحالات الفقر. وحين نقول مناسبة فإننا نقصد، ايضا، ان هذه المسألة الحارقة التي تواجهها اسرائيل تظهر في "مناسبات ومواسم" معينة، مثل الاعياد واقرار ميزانية الدولة ويتم تجاهلها طيلة ايام السنة.
في هذه المناسبة بالذات تنشغل اسرائيل في الفقراء اليهود فقط، وفي التقاطب الاجتماعي في المجتمع اليهودي لوحده، أما السؤال الابرز الذي طرح في هذه "المناسبة" فهو: هل في اسرائيل جوعى؟. وقد سارع وزير الداخلية ابراهام بوراز، الداعي إلى اتباع أشد سياسة اقتصادية رأسمالية صقرية، الى القول انه لا يوجد جوعى في اسرائيل، بعد ان لم ير في وسائل الاعلام مشاهد جوع، كما في افريقيا مثلا.
في الايام الأخيرة التي سبقت رأس السنة العبرية "حلقت" في وسائل الاعلام الاسرائيلية قائمتان متناقضتان، اشد التناقض، القائمة الاولى انشغلت في تسمية أكبر مئة ثري في اسرائيل، كانت أولهم الثرية شيري آريسون، مع 3,4 مليار دولار، وآخرهم، الذي احتل المرتبة مئة، كان بحوزته 98 مليون دولار.
القائمة الثانية كانت قائمة السلطات المحلية، المجالس البلدية والقروية، التي لم تسدد رواتب العاملين فيها منذ اشهر طويلة، وقد شملت القائمة 53 بلدة، منها حوالي 36 بلدة عربية، ولكن في الاسبوع الذي سبق رأس السنة كان عدد البلدات حوالي 73 بلدة، ويدخل الى هذه القائمة فقط من تأخر في دفع رواتب 3 شهور وما فوق، بمعنى ان المجلس البلدي الذي لم يسدد رواتب شهرين فقط لا يدخل في هذه القائمة، اي ان تأخير راتب شهرين لا تدرجه اسرائيل في اطار أزمة.
ويجري الحديث عن 15 الف موظف، تأخر عليهم دفع الرواتب من ثلاثة اشهر وحتى 17 شهرا، كما هي الحال في قرية البعينة نجيدات العربية، وعلى الرغم من ان بعض المجالس قد دفعت اجزاء بسيطة من متأخراتها قبل العيد العبري إلا ان الازمة بقيت على حالها، ومن المفترض ان تتأجج في الايام المقبلة على ضوء رفض وزارة المالية تحويل الميزانيات اللازمة لحل قسم كبير من الازمة.
وليس فقط المجالس البلدية هي التي لا تدفع رواتبها، بل هناك ايضا المجالس الدينية اليهودية، التي تدير الشؤون الدينية في المدن والقرى اليهودية، وهناك مجالس دينية لم تدفع رواتب مستخدميها منذ أكثر من عامين كما هي الحال في بلدة بنيامينا، حيث وصل تأخر دفع الرواتب الى 33 شهرا.
ويضاف الى هذا كثرة الشركات التي تعلن افلاسها، او يتم حلها من قبل العاملين بعد ان تتوقف هذه الشركات عن دفع رواتب عمالها وموظفيها.
600 الف يهودي توجهوا لجمعيات الاغاثة للحصول على طعام
آخر تقرير غير رسمي حول الفقر في اسرائيل، اصدرته منظمة "جوينت" من خلال "معهد بروكديل" التابع لها، وقد اشار الى وجود مليون اسرائيلي فقير، والتقرير الرسمي تصدره سنويا مؤسسة التأمين الوطني (الضمان الاجتماعي) في غضون الشهرين المقبلين. حوالي 33% من هؤلاء الفقراء هم من العرب، الذين نسبتهم العامة في اسرائيل اقل من 19%، ويشكل اليهود من هؤلاء الفقراء نسبة الثلثين، اي حوالي 660 الف شخص.
وحسب التقارير التي عرضت في الفترة الأخيرة فقد اشار استطلاع الى ان نصف مليون اسرائيلي اعلنوا انهم يضطرون للاستغناء يوميا عن وجبة طعام نظرا لقلة الاموال.
وكما في كل موسم اعياد تنشط في الشارع اليهودي جمعيات اغاثة وتقديم الدعم الغذائي وغيره للعائلات المحتاجة، وتشير التقديرات الى ان عدد افراد العائلات التي توجهت للحصول على سلة مواد غذائية للعيد وصل الى 600 ألف شخص، وهناك نسبة ملحوظة من هذه العائلات، هي لافراد يعيشون لوحدهم، وغالبيتهم من المسنين، وقد أدى هذا الأمر الى اعلان عدد من الجمعيات عن عدم مقدرتها على تلبية كافة الطلبات، وقد تلقت هي ايضا دعما ماليا، غالبا خارجيا، من اجل استكمال تلبية طلبات المحتاجين.
وتقول بعض الجمعيات ان نسبة الذين توجهوا اليها هذا العام ارتفعت بـ 40% ، مقارنة مع العام الماضي، ويقول أحد مدراء الجمعيات: "في الماضي كان عدد كبير من الفقراء يخجلون من التوجه الينا، ولكن بعد اشتداد الأزمة، اصبحوا مضطرين للتغلب على الخجل من اجل الحصول على الطعام".
ويشار الى ان توزيع المواد الغذائية لا يتم فقط عند الاعياد، فهناك آلاف المسنين الذين يحصلون يوميا، تقريبا، على "وجبة غداء دافئة"، إما مجانا، او مقابل رسم رمزي، من شيكل واحد، ولكن هناك مسنين لا يملكون حتى هذا الشيكل يوميا.
الجوع ايضا بين صفوف الجنود
اعلان وزير الداخلية ابراهام بوراز عدم وجود جوعى في اسرائيل اغضب أيضا قادة الجيش الاسرائيلي، فقد اعلن رئيس اركان الجيش موشيه يعلون، ان جيشه دفع مخصصات اجتماعية لخمسة آلاف جندي فقير، بينما في العام الماضي 2003 كان عدد هؤلاء في الجيش 3500 جندي. وقال: إذا كانت هناك حاجة فإن الجيش سيزيد ميزانية المساعدات الاجتماعية ليستطيع ان يفي بالاحتياجات التي يصادفها.
وقال أحد قادة الجيش في حديث لصحيفة "يديعوت احرونوت"، "إن وزير الداخلية منقطع عن الواقع... لقد صادفت الكثير من الجنود الذين رفضوا الخروج من قواعدهم خلال عطلهم، لأنهم إذا عادوا الى بيوتهم لن يجدوا ما يأكلونه".
وقد ظهرت في الصحف الاسرائيلية الكثير من الشهادات حول حالات الفقر بين الجنود، وان الجيش يرسل مواد غذائية ومعونات مختلفة الى عائلات هؤلاء الجنود الذين يؤدون الخدمة الاجبارية.
فجوة رهيبة حتى بين الاغنياء
التقاطب في المجتمع الاسرائيلي نجده في كافة المجالات، حتى بين اغنى الاغنياء، ففي قائمة أكبر مئة ثري في اسرائيل، التي اعدها الملحق الاقتصادي لصحيفة "معاريف"، نجد ان اغنى الاغنياء، كما ذكر سابقا،هي شيري اريسون، التي بحوزتها 3,4 مليار دولار، و"اصغر" الاثرياء، الذي يحتل رقم مئة في القائمة بحوزته 98 مليون دولار.
وقد خلت القائمة، طبعا، من اي عربي، فحسب تدريج سابق شمل أكبر 500 ثري ظهرت عائلتان عربيتان، لكل منها ما بين 65 مليون دولار الى 60 مليون دولار.
وللتوضيح اكثر نرى أن أول عشرة اغنياء يملكون أكثر من 21 مليار دولار، بينما الأثرياء الـ 56 الذين يأتون بعدهم في القائمة يمتلكون نفس المبلغ، أي 21 مليار دولار، ويمتلك الاغنياء الـ 34 الذي ينهون القائمة 4,37 مليار دولار "فقط".
في المجموع العام فإن الاثرياء المئة الاوائل يمتلكون حوالي 46,5 مليار دولار، وهو ما يعادل 70% من ميزانية اسرائيل للعام القادم. ولكن التوزيعة تعكس الفوارق.
يشار ايضا الى ان من بين الاسماء التي وردت هناك اسماء روسية، وغالبا ما ترتبط هذه الاسماء بالمافيا الروسية، ويكثر الحديث في اسرائيل عن تغلغل المافيا الروسية في الاقتصاد الاسرائيلي، وحتى في الحلبة السياسية الاسرائيلية.
الأزمة ستحتد أكثر.. ولن تكون ثورة خبز
دل استطلاع أخير نشر قبيل رأس السنة العبرية على ان 31% من الاسرائيليين وضعوا الأزمة الاجتماعية وضرورة محاربة الفقر على رأس سلم القضايا التي هي بحاجة الى حل، أما القضية الامنية فقد حازت على 24%، وفي الحقيقة لا نستطيع التعامل مع هذا الاستطلاع كحقيقة دائمة، وعلى الاغلب ان هذا جاء انعكاسا لانشغال وسائل الاعلام الاسرائيلية والحكومة بالقضية الاجتماعية في الاسبوع الذي جرى فيه الاستطلاع، فعلى الرغم من اهمية الجانب الاقتصادي الاجتماعي واستفحال الأزمة الاجتماعية، إلا ان المؤسسة الحاكمة والاحزاب الكبيرة تعرف كيف تصرف نظر الجمهور عن ازمته الداخلية وتوجه انظاره الى ما يسمى بـ "الاخطار الخارجية" و"العدو الخارجي".
الميزانية الجديدة التي ستقرها اسرائيل بعد ثلاثة اشهر، ومهما يجري عليها من تغييرات، تضع كل الأسس لاستفحال هذه الازمة، وحسب هذه الخطة ستسحب الحكومة من الجمهور خمسة مليارات شيكل (1,11 مليار دولار)، إذ سيتم تقليص حوالي ملياري ونصف المليار شيكل من رواتب القطاع العام، إما من خلال خصم رواتب او فصل عاملين، كما سيتم تقليص مخصصات الضمان الاجتماعي على مختلف اشكالها بحوالي مليار شيكل، والباقي سيتم تقليصها في خدمات متفرقة ومنها الاجهزة الحيوية، وكل تقليص كهذا يعني المزيد من فصل العاملين او تقليص رواتبهم.
الأمر الآخر الذي لن يشعر به المواطنون في اسرائيل يتركز في البنوك، ففي اسرائيل هناك نظام بنكي ليس شائعا كثيرا في العالم، وهو السماح للمواطنين بالسحب الزائد في البنوك الجارية، بمعنى انه حتى لو لا يوجد في الحساب البنكي نقود فيسمح للشخص ان يسحب سحبا زائدا (مينوس) ضمن ترتيب خاص مع البنك، وطبعا مقابل دفع فوائد باهظة تبدأ من 9% وتصل الى 13,5% سنويا، بينما الفائدة على التوفير تصل في اقصى الحدود الى 2,5%، وهذا من اجل المقارنة.
غالبية العائلات في اسرائيل تكمل مصروفها الشهري من خلال السحب الزائد، ولاحقا تضطر للحصول على قروض من اجل تسديده، وحسب معطيات بنك اسرائيل فقد وصل حجم السحب الزائد لحسابات العائلات، بمعنى ليس للمصالح التجارية، الى 40 مليار شيكل (حولي 8,8 مليار دولار)، ولكن 17 مليار شيكل من هؤلاء، هم سحب زائد على السحب الزائد المسموح به، وبنك اسرائيل المركزي في صدد اصدار اوامر للبنوك التجارية بالقضاء على ظاهرة السحب الزائد الثاني حتى موعد اقصاه شهر حزيران/ يونيو القادم، بادعاء ان السحب الزائد الاضافي بات يهدد بضعضعة النظام البنكي في اسرائيل. وهذا يعني انه سيكون على آلاف العائلات تسديد هذه المبالغ في الموعد المذكور الأمر الذي سيخلق ازمة عامة، وضرب مباشر للقوة الشرائية في اسرائيل، وطبعا سينعكس هذا مباشرة على السوق ومن ثم على الانتاج.
على الرغم من هذه المعطيات فمن السابق لاوانه توقع ثورة خبز وشيكة في اسرائيل، فطالما ان هناك عدم استقرار امني تبادر اليه اسرائيل وتسعى له، فإن فقراء اسرائيل سيغضون الطرف عن ألم بطونهم، لصالح "الخوف من العدو"، وأكبر دلالة على ذلك، ان اكبر دعم تحصل عليه أحزاب اليمين ودعاة الحرب وسفك الدماء، يأتي من احياء وبلدات الفقر اليهودية.