يؤكد كبار المسؤولين في الهستدروت، وكذلك التقارير والمتابعات الصحفية الاسرائيلية، ان ما وصفته الهستدروت بـ "ام الاضرابات" - الاضراب العام الذي سوف يشل المرافق الاقتصادية العامة والخاصة في اسرائيل - قادم لا محالة. فالمعركة هي على حقوق العاملين اولا، ولكنها ايضا على مكانة وكرامة وموقع الاشخاص الذين يخوضون هذه المعركة.
"المشهد الاسرائيلي":
يؤكد كبار المسؤولين في الهستدروت، وكذلك التقارير والمتابعات الصحفية الاسرائيلية، ان ما وصفته الهستدروت بـ "ام الاضرابات" - الاضراب العام الذي سوف يشل المرافق الاقتصادية العامة والخاصة في اسرائيل - قادم لا محالة. فالمعركة هي على حقوق العاملين اولا، ولكنها ايضا على مكانة وكرامة وموقع الاشخاص الذين يخوضون هذه المعركة.
اول هؤلاء هو رئيس الهستدروت، عمير بيرتس، الذي ايقن مؤخرًا ان جميع الامور التي عارضها في الماضي اصبحت الان حقيقة وواقعا: المس بصناديق التقاعد واخراجها من ايدي الهستدروت وتكبيد اعضائها خسائر مالية كبيرة، وهم الان مطالبون بدفع اموال لهذه الصناديق، وكذلك المس باجور المستخدمين في القطاع العام، وبعض ذلك تم من خلال سن قوانين خاصة في الكنيست.
يواجه بيرتس انتقادات من جانب قادة النقابات الكبرى، ولذلك لم يتردد في الذهاب الى اضراب كبير من المتوقع ان يكون اكبر اضراب في تاريخ اسرائيل.
"ام الاضرابات" كان من المفترض ان يبدأ يوم الاثنين من الاسبوع الماضي، عندما اخذ المواطنون الاسرائيليون ينقضون على محطات المحروقات للتزود بالوقود ويسحبون النقود من البنوك، تحسبا من حصول نقص من جراء الاضراب. الا انه في اللحظة الاخيرة، وقبيل بزوغ فجر الاثنين من الاسبوع الماضي، اصدرت محكمة العمل القطرية قرارا منعت بموجبه الهستدروت من اعلان الاضراب سوى لاربع ساعات. وقبلها كان بيرتس قد ارجأ موعد الاضراب العام الى الثالث من تشرين الثاني الجاري بسبب اقتراب موعد انتخابات السلطات المحلية التي جرت في 28 تشرين الاول الماضي، وكانت استطلاعات الرأي تشير الى ان مرشحي حزب "العمل" سوف يحققون نجاحات في هذه الانتخابات. واهتمام بيرتس بنجاح هؤلاء يعود الى انه اصبح في مراحل متقمة في المفاوضات على انضمام حزبه، "عام إحاد"، الى "العمل" وهو لا يريد ان توجه اليه انتقادات بأنه افشل مرشحي العمل في الانتخابات البلدية.
من جهة ثانية يريد بيرتس الدخول الى حزب "العمل" بقوة، كزعيم عمالي أولى اهتماما كبيرًا للقضايا الاجتماعية، وهي العملة النادرة في اسرائيل في الاونة الاخيرة، وبعد ذلك يريد التنافس على رئاسة "العمل" ليصبح مرشحه لرئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة.
في مقابل ذلك يواجه بيرتس انتقادات لاذعة من جانب قادة النقابات العمالية الكبيرة. فقد اراد هؤلاء شن معركة شرسة ضد وزارة المالية ومن يقف على رأسها، بنيامين نتنياهو. وقال رئيس لجنة مستخدمي بنك، لئومي: "اوضحنا لبيرتس ان المعركة مصيرية، ولسنا مستعدين للانتظار اكثر. من جهته هو على حق عندما يطلب عدم مخالفة القانون. الا اننا لا نتوقف عندما تكون شارة المرور حمراء ويتم سن قوانين ضدنا. سوف نمضي بمعركتنا حتى النهاية".
ولكن احد كبار النقابيين في الهستدروت قال: "عندما تغلق المطار، وعندما يريد مواطنون السفر الى خارج البلاد، وعندما تغلق امامهم المدرسة وروضة الاطفال، وتبقى اكوام النفايات متراكمة امام البيت، فانهم سيغضبون. ولا يعنيهم اذا كنت على حق ام لا. لذلك يتوجب التصرف بشكل تدريجي ومدروس".
بيرتس، الذي لا يفكر في النضال فقط وانما بالسياسة ايضا، لا يريد ان يخسر شعبيته. وقد رد احد قادة النقابات العمالية الكبرى على ذلك قائلا "انني لا اخذ الجمهور بالحسبان وهو لا يعنيني. انني امثل عمالي واريد ان يبقوا غدا في عملهم. من اجل ذلك سافعل كل شيء. عندما اعلن الاضراب، واقطع التيار الكهربائي مثلا، فان المس يلحق بي وبعائلتي ايضا. واضح بالنسبة لي اننا نسير على حبل رفيع، لكن مصلحة العمال الذين امثلهم هو الامر الاهم". على خلفية هذه الاجواء التقى الاسبوع الماضي بيرتس مع مجموعة من الصناعيين الذين حاولوا اقناعه بالعدول عن الاضراب. الا ان الانطباع الذي ساد لدى جميعهم كان ان بيرتس قد اتخذ قراره بهذا الصدد.
نتنياهو يريد المواجهو بكل ثمن
من ناحيته يواصل نتنياهو محاصرة بيرتس في الزاوية دون ابداء اي ليونة، والانكى من ذلك دون محاولة جادة من جانب نتنياهو بالتوصل الى تفاهمات. ويفسر المقربون من شارون نهج نتنياهو على النحو التالي: نتنياهو يريد مواجهة مع بيرتس بكل ثمن، وهو يتعمد محاصرته في الزاوية والضغط عليه حتى لتنفيذ التهديدات باعلان اضراب يشل كل شيء في اسرائيل. والسبب هو ان نتنياهو معني بهذه الازمة لانه يشعر بأنه يتلاشي من الناحية الشعبية وانه اذا كان سيمضي ثلاث سنوات اخرى في وزارة المالية فان ذلك سوف يقضي على طموحاته السياسية.
نتنياهو، وفق نظرية المقربين من شارون، يريد ان تستفحل الازمة الى درجة ان تؤدي الى سقوط الحكومة. وعندها يتنافس على رئاسة "الليكود" ويأمل بان يفوز بالموقع الذي ينقله، ربما، الى كرسي رئاسة الحكومة، محط انظار نتنياهو. واوردت "يديعوت احرونوت" اقتباسا عن احد وزراء الليكود في سياق تقرير نشرته في نهاية الاسبوع الماضي حيث قال انه غير قادر على فهم ما يفعله نتنياهو. اذ ان بيرتس معتدل ومسؤول اكثر من اي واحد اخر من بين قادة النقابات العمالية.
وعلى عكس التصريحات التي اطلقها نتنياهو، بخصوص تقليص عدد المستخدمين في الجهاز الحكومي من اجل تنمية القطاع الخاص، فان عدد المستخدمين في القطاع العام سوف يزداد في العام المقبل بما لا يقل عن 770 مستخدما. وسيكون الارتفاع في عدد المستخدمين الحكوميين بشكل خاص في وزارة الامن الداخلي (سلك الشرطة) وفي اجهزة المخابرات. هذا ما افاد به معهد "ادفا" للمعلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في اسرائيل، استنادا الى تحليل اقتراح ميزانية الحكومة للعام 2004، التي جاء فيها ان عدد الوظائف التي يسمح للحكومة اشغالها بلغ 57311 مقابل 56543 وظيفة في العام 2003. وقال الخبراء الاقتصاديون في المعهد ان نتنياهو ليس فقط انه لا يلتزم بالغاية التي حددها بل انه اجرى تغييرات في سلم الاولويات القومية نتيجة غياب حل للصراع الاسرائيلي - الفلسطيني، مؤكدين ان هذا الاستنتاج استوجب بعد ان تم اضافة 540 مستخدما الى سلك الشرطة ورصد 626 وظيفة ضمن الميزانية الاحتياطية، التي تشمل ميزانيتي جهازي "الشاباك" و"الموساد"، وذلك مقابل الغاء 545 وظيفة في خدمات الرفاه، نصفها في وزارة الصحة. واكد معهد "ادفا" على ان هذه المعطيات تدعم معطيات اخرى في الميزانية التي تشير الى تقليص المصاريف الحكومية على الخدمات الاجتماعية لصالح ارتفاع بنود الصرف في نواحي الامن.
اقرار الميزانية العامة: 256 مليار شيكل
وكان الكنيست الاسرائيلي صادق يوم الاربعاء الماضي، بالقراءة الاولى، على ميزانية الدولة للعام 2004، التي يبلغ حجمها 256 مليار شيكل، باغلبية 60 ومعارضة 48 نائبا. ولفت الانتباه ان 7 نواب من الائتلاف الحكومي تغيبوا عن التصويت، اربعة من "الليكود" وثلاثة من "شينوي"، فيما امتنع عن التصويت نائب واحد من الليكود. كذلك صادق الكنيست على قانون يقضي برفع سن التقاعد، للرجال والنساء، الى سن 67 عاما. ويذكر ان كلا الاقتراحين اللذين صوت نواب الكنيست عليهما هما محل خلاف بين وزارة المالية والهستدروت، وقد هددت الاخيرة باعلان الاضراب العام في كافة المرافق الاقتصادية احتجاجا.
في غضون ذلك اعلنت مصادر في الهستدروت عن حدوث تقدم طفيف في المفاوضات بين بيرتس، ونتنياهو، وذلك بعد تدخل شارون في هذه المفاوضات حيث حضر مدير مكتبه، افيغدور يتسحاقي، الاجتماعات بين الاثنين، بالاضافة الى وساطة محكمة العمل القطرية، التي اصدرت قرارا منعت من خلاله الهستدروت من تنفيذ الاضراب العام الذي كان من المفترض ان ينفذ يوم الاثنين من الاسبوع الماضي، وطالبت المحكمة الهستدروت والمالية بالدخول في مفاوضات مكثفة لايجاد حل للخلاف بينهما حتى يوم الخميس الماضي. وافادت المصادر الهستدروتية بان نتنياهو ابدى تراجعا في موقفه المتعلق بالتغييرات البنيوية التي تنوي وزارته اجراءها في القطاع العام، وهو الامر الذي سوف يؤدي الى فصل الالاف من المستخدمين عن العمل. وقد وافق نتنياهو على منح مهلة اطول من شهرين لاجراء مفاوضات في هذه القضية.
الا ان الخلاف حول صناديق التقاعد لا يزال على حاله، وتطالب الهستدروت بالغاء قانون رفع سن الخروج الى التقاعد. كما تطالب بعدم تداول اسهم الشركات التي تدير صناديق التقاعد في سوق الاوراق المالية (البورصة)، كما تقترح وزارة المالية، واذا ما تم ذلك الا يتحمل المؤمنون عواقب الخسارة من جراء التداول وان تتحمل الحكومة عبء الخسارة. وعرضت الهستدروت مطالبها المتعلقة بصناديق التقاعد في اجتماع جمع مندوبيها مع مندوبي وزارة المالية وتحت اشراف محكمة العمل من اجل محولة منع اعلان الاضراب اذا استمر الخلاف. وطالبت الهستدروت بالغاء فرض ضريبة دخل بنسبة 2% على رواتب المتقاعدين وعدم احتساب الراتب التقاعدي بموجب متوسط الرواتب التي تلقاها المتقاعد خلال سني عمله والغاء زيادة بدل التقاعد الى 20.5% من الراتب وعدم تغيير حجم سندات الدين التي تصدرها المالية من صناديق التقاعد. وسوف تعقد المحكمة جلسة مساء غد الاربعاء للاقرار في مواصلة المفاوضات، اذا تبين ان ثمة تقدما ملموسا فيها، او للنظر في اصدار امر يمنع الهستدروت من تنفيذ الاضراب بناء على التماس تقدمت به منظمة الغرف التجارية. الا ان مسؤولين في الهستدروت اكدوا ان المحكمة غير قادرة على منع الاضراب، لان الاضراب هو حق قانوني، وان بامكان المحكمة منح مهلة للطرفين لا تزيد عن اسبوعين، بعدها يكون من حق الهستدروت اعلان الاضراب بموجب القانون.
وكان الطرفان توصلا الى تسوية خلال انعقاد محكمة العمل، مساء الخميس الماضي، والتي حضرها بيرتس ونتنياهو. وبموجب التسوية تم الغاء امر المحكمة الذي يمنع الهستدروت من اعلان الاضراب، شرط الا تعلن هذه الاضراب حتى مساء امس الاثنين، ويتم استغلال هذه المهلة من اجل التوصل الى اتفاق بين الطرفين بوساطة رئيس محكمة العمل القطرية. وقد تردد نتنياهو قبل الموافقة على هذه التسوية لانها تعني انه بالامكان اعادة النظر في قوانين تقاعد تم اقرارها في الكنيست.
الا ان الصورة التي تظهر من الجلسات التي جمعت الطرفين خلال الاسبوع الماضي تشير بشكل جلي الى ان الاتفاق بينهما بعيد جدا، حيث كانت تنتهي جميع هذه الجلسات من دون احراز اي تقدم، وحتى عندما وافق نتنياهو على تجميد قانون التقاعد برفع سن الخروج الى التقاعد، عاد وتراجع عن ذلك في الغداة. وقد بلغ مستوى الخلاف بين الطرفين حدا جعل بيرتس يغادر غرفة الاجتماع مع نتنياهو، يوم الخميس الماضي، غاضبا وهو يقول: "سوف نلتقي في المحكمة".. وبعد جلسة المحكمة اكد بيرتس ان "الهستدروت لم تتنازل عن الاضراب". وبعد ذلك قرر الطرفان مواصلة التفاوض خلال الاسبوع الجاري. وتوقعت مصادر في الهستدروت انه لن يتم الاعلان عن الاضراب العام قبل مطلع الاسبوع القادم.
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, الهستدروت, الليكود, شينوي, الكنيست, بنيامين نتنياهو, عمير بيرتس