المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صحيح ان نتنياهو يحاول إبعاد نفسه عن الخطط الاقتصادية الثلاث التي بادر اليها سلفه، سيلفان شالوم، ويحرص على التأكيد، في كل فرصة ومن على كل منبر، ان المس بمخصصات التأمين الوطني تم في عهد الحكومة السابقة، لكن يبدو ان هذا التمييز - غير الدقيق اصلا - لم يفلح في اقناع المعارضين للخطة. والدليل على هذا هو التضامن الواسع الذي نجحت الهستدروت في تجنيده منذ عرضت الخطة الاقتصادية: من الحقوقيين في القطاع العام وحتى آخر عمال النظافة، كما قال المحامي يوفال البشان، أحد نشطاء طاقم النضال.

في آذار 1984 اعلن عشرات الالاف من عمال المناجم البريطانيين اضرابًا عن العمل. استمر الاضراب، الذي تحول الى واحدة من أقسى واطول المواجهات في تاريخ علاقات العمل في القرن العشرين، حوالي السنة، وأوقف كلا من رئيسة الحكومة، مارغريت تاتشر، نبية السوق الحرة، وآرثور سكرغيل، الخطيب الماركسي المعروف، وجهاً لوجه.
منذ لحظة صعودها الى الحكم، قبل ذلك بخمس سنوات، عملت تاتشر كل ما في وسعها من اجل نزع الشرعية عن النقابات المهنية، متهمة اياها بالمسؤولية عن تدهور الاقتصاد البريطاني في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية. وفي النهاية، نجحت ليس فقط في كسر نضال عمال المناجم، بل في اضعاف النقابات المهنية الأخرى ايضًا.

قادة النقابات المهنية في اوروبا الغربية لا يزالون يتذكرون، حتى اليوم، صدمة العهد التاتشري، التي لم يحد تأثيرها عن قادة النقابات المهنية في اسرائيل ايضاً. العمل المنظم في اسرائيل ضعف كثيرًا في السنوات الأخيرة، وتبدو محاولة الحكومة الحالية فرض الفصل من العمل بواسطة تشريعات قانونية ، تقليص الأجور والتغييرات في صناديق التقاعد، كأنها محاولة للقضاء عليه (العمل المنظم) نهائيا.

"لن ندع نتنياهو يحطمنا كما فعلت تاتشر للنقابات"، مقولة يرددها كثيرًا قادة اللجان والنقابات المهنية في الأسابيع الأخيرة. تصريح نتنياهو ان حق الحكومة في التشريع يعادل حق الهستدروت في اعلان الاضراب أدى الى تعزيز المعارضة للخطة الاقتصادية.

كقوة السلاح الذي تهدد وزارة المالية باستخدامه - التشريع في مجال علاقات العمل، خلافًا لكل الأعراف - كذلك قوة رد فعل الهستدروت. ان من يصور الصراع وكأنه معركة ثنائية شخصية بين نتنياهو وبين رئيس الهستدروت، انما يفوت ويغيب السياق الأوسع. انه صراع ايديولوجي بين وجهتي نظر. بالنسبة للهستدروت، التي تضاءلت قوتها وفرغت خزانتها، هذا صراع: إما ان تكون او لا تكون. هذا هو سبب قرارها اعلان الاضراب، على الرغم من محاولات بعض الأعضاء في طاقم قيادة النضال القناع باتخاذ اجراءات اكثر اعتدالا في المرحلة الأولى، ثم تصعيد النضال حسب الحاجة.

في بيان ينشر في الصحف (30/4) من قبل طاقم قيادة النضال بتوقيع العشرات من المفكرين والأدباء والأكاديميين، جاء ان "الخطة، فوق أي شيء آخر، تسعى الى تحطيم القوة المنظمة التي يتمتع بها العمال، من اجل القضاء نهائيًا على امكانيات النضال من اجل العدالة الاجتماعية والحياة المنصفة". الموقعون على البيان يعتبرون الهستدروت حاجزًا أخيرًا امام سيطرة الرأسمالية المنفلتة على المجتمع، ويعتبرون نتنياهو رسولاً للأغنياء يحاول نهب الفقراء والعمال. ولذلك فهم يهبون للدفاع عنها، رغم ان كثيرين من بينهم معدودون على معارضي بيرتس ومنتقديه الأكثر حدة، على خلفية ما يبدو لهم انه بيع مصالح الفقراء والضعفاء لمصلحة اللجان القوية في الاحتكارات الكبيرة.

صحيح ان نتنياهو يحاول إبعاد نفسه عن الخطط الاقتصادية الثلاث التي بادر اليها سلفه، سيلفان شالوم، ويحرص على التأكيد، في كل فرصة ومن على كل منبر، ان المس بمخصصات التأمين الوطني تم في عهد الحكومة السابقة، لكن يبدو ان هذا التمييز - غير الدقيق اصلا - لم يفلح في اقناع المعارضين للخطة. والدليل على هذا هو التضامن الواسع الذي نجحت الهستدروت في تجنيده منذ عرضت الخطة الاقتصادية: من الحقوقيين في القطاع العام وحتى آخر عمال النظافة، كما قال المحامي يوفال البشان، أحد نشطاء طاقم النضال.

وثمة دليل آخر على التضامن يمكن ملاحظته في القرار المفاجىء الذي اتخذته نقابات المعلمين بالانضمام الى الاضراب، رغم ما حققته هي من انجازات ومكاسب في المفاوضات التي اجرتها مع وزارة المعارف، في الأيام الأخيرة، بشأن فصل المعلمين. ويبدو ان مشهد رسائل الفصل التي يجري تسليمها تحت جنح الظلام عشية عيد الفصح اليهودي - وهي خرق آخر للأصول - كان اقوى من التفاهمات والاتفاقيات المؤقتة مع وزارة المالية.

امتحان الهستدروت الحقيقي سيكون اذا ما عدلت وزارة المالية عن التهديد بسلاح التشريع ووافقت على اجراء مفاوضات جدية حول تقليص الجور، شروط التقاعد وعمليات الفصل. عندئذ يمكن معرفة ما اذا كانت الهستدروت والنقابات الأخرى تقاتل من اجل جيوب اعضائها، ام من اجل صورة المجتمع.

روتي سيناي ( هآرتس، 30/4)

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني, الهستدروت, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات