المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الإضراب الشامل الذي باشرت به الهستدروت، عدا عن كونه وسيلة احتجاجية على الخطة الاقتصادية الحكومية، يأتي أيضاً كوسيلة لتذكير الجميع، وبالذات الحكومة، بأن الهستدروت ما زالت قائمة وبأنها لن تتنازل عن قوتها السياسية. وهو يأتي أيضًا احتجاجًا على أحد بنود الخطة الاقتصادية والذي يتحدث عن سن تشريع يسهل للوزارات والدوائر الحكومية إقالة موظفين دون التشاور مع نقابات الموظفين ولجان العمال، مما قد يضعف الهستدروت كقوة سياسية في اسرائيل تستطيع مجابهة الحكومة بكل ما يتعلق بموظفي وعمال القطاع العام.

وديع أبونصار
أعلنت "الهستدروت،" نقابة العمال العامة في إسرائيل، عن إضراب شامل يشمل معظم ميادين العمل في القطاع العام للدولة، ابتداءًا من بدء يوم الأربعاء الموافق 30 نيسان 2003 وحتى إشعار آخر. ويتزامن إعلان هذا الإضراب مع طرح الخطة الاقتصادية الحكومية على الكنيست، التي من المتوقع أن تقر في القراءة الأولى، وذلك ضمن مخطط حكومي لجعلها قانونًا ملزمًا في الدولة. ويأتي هذا التزامن نظرًا لرغبة الهستدروت في إظهار احتجاجها الصارخ على هذه الخطة الحكومية، والتي تتحدث بعض بنودها عن خطة لإقالة آلاف العمال والموظفين، إضافة إلى تقليصات كبيرة في مرتبات عمال وموظفين آخرين.

لكن، وبالرغم من كون هذا الإضراب بالأساس نوعا من الاحتجاج على سياسة الحكومة الاقتصادية، إلا أن له أيضا أبعاداً سياسية يجب التنبه له وفهم أهميتها. بالإمكان الحديث عن الأبعاد السياسية التي تتعلق بعلاقة الهستدروت والحكومة، وعن تلك الأبعاد السياسية التي تحفز كبار الساسة المعنيين في أمر الإضراب، وبالذات رئيس الحكومة أرئيل شارون ووزير المالية بنيامين نتنياهو ورئيس الهستدروت عمير بيرتس.

إن الإضراب الشامل الذي باشرت به الهستدروت، عدا عن كونه وسيلة احتجاجية على الخطة الاقتصادية الحكومية، يأتي أيضاً كوسيلة لتذكير الجميع، وبالذات الحكومة، بأن الهستدروت ما زالت قائمة وبأنها لن تتنازل عن قوتها السياسية لصالح الحكومة. فالإضراب يأتي أيضًا احتجاجًا على أحد بنود الخطة الاقتصادية والذي يتحدث عن سن تشريع يسهل للوزارات والدوائر الحكومية إقالة موظفين دون التشاور مع نقابات الموظفين ولجان العمال، مما قد يضعف الهستدروت كقوة سياسية في الدولة التي تستطيع مجابهة الحكومة بكل ما يتعلق بموظفي وعمال القطاع العام.

وبالتالي، فإن الهستدروت تريد من خلال الإضراب الحالي الضغط قدر المستطاع إما من خلال الرأي العام وإما من خلال أعضاء الكنيست، بالذات خلال بحث مشروع قانون الخطة الاقتصادية في القراءتين الثانية والثالثة لإدخال أكبر قدر من التعديلات على هذه الخطة بصورة تقلل قدر المستطاع من تحكم الحكومة في مصير عمال وموظفي القطاع العام وتزيد من وزنها هي.

إن الإضراب الشامل الحالي، وبالرغم من أنه يأتي ضد الحكومة، إلا أنه يعتبر ذا تأثير متناقض إذا ما تحدثنا عن المصالح الشخصية لرئيس الحكومة أرئيل شارون. فمن جهة، أرئيل شارون معني بأن يكون هذا الإضراب أقصر ما يمكن، وأن ينتهي مع أقل تنازلات ممكنة من الحكومة التي يرئسها هو. لكن، من جعة أخرى فإن أرئيل شارون معني أن يظهر وزير ماليته، بنيامين نتنياهو، والذي يعد أيضًا خصمه السياسي داخل الليكود، وكأنه غير قادر على التوصل إلى اتفاق مع الهستدروت يمنع الإضراب من جهة ويحقق أكبر المكاسب الممكنة للحكومة من جهة أخرى.

لذلك، وفي الوقت الذي قد يكون به شارون مسروراً بعض الشيء من أن الإضراب يمس بمكانة نتنياهو السياسية جاعلا إياه يظهر وكأنه عدو الطبقة العمالية، إلا أنه من المستبعد أن يسمح شارون لهذا الإضراب أن يمتد لفترة طويلة، حيث من المتوقع أن يتدخل سريعاً لفض هذا الإضراب، مستثمراً العلاقات الجيدة التي تربطه برئيس الهستدروت عمير بيرتس.

أما بنيامين نتنياهو فقد تبادل هو وعمير بيرتس التهم إزاء الإضراب والخطة الاقتصادية، حيث ادعى كل منهما بأن الآخر يستغل الأزمة الاقتصادية الراهنة لمصالحه السياسية الشخصية دون أن يكترث باقتصاد الدولة بشكل حقيقي.

كما يبدو، فإن الاثنين على حق. فبنيامين نتنياهو يرى في منصبه الحالي على رأس وزارة المالية نقطة انطلاق تجاه عودته المحتملة إلى مكتب رئيس الحكومة خلفاً لأرئيل شارون، أما عمير بيرتس فيرى في الهستدروت جسمًا يستطيع جعله القوة الاجتماعية - السياسية الأولى في اسرائيل، بالذات مع الغياب النسبي لحزب "شاس" الشرقي - المتدين، الموجود حاليًا في المعارضة، ويعاني من خلافات داخلية حادة وعاصفة، وذلك بعد أن كان القوة السياسية - الاجتماعية الأولى في اسرائيل كإطار حزبي وليس كإطار نقابي فقط.

لذلك، ومع أنه من المستبعد أن يدوم الإضراب الحالي طويلا، إلا أنه سيكون عبارة عن جولة واحدة، ستتلوها جولات عديدة غيرها، سيعمل فيها كل طرف من الأطراف المعنية المذكورة على زيادة مكاسبه وتقليص مكاسب الأطراف الأخرى قدر المستطاع.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات