المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الاقتصادي وائل كريم: "هذه هي الخطة الاقتصادية "التاتشرية" الاولى التي دخلت الى الاقتصاد الاسرائيلي، وبسببها تحوَّلت اسرائيل الى دولة رأسمالية، لا تمت بصلة الى دولة الرفاه الغائبة عن النمط الاقتصادي الذي تتطلع اليه المالية الاسرائيلية" * الحكومة الاسرائيلية تنوي شمل قانون "طرد الغزاة لأراضي الدولة"، المخصص لترحيل العرب البدو في النقب عن اراضيهم، في الخطة الاقتصادية الجديدة، ورصد مبلغ 56 مليون شيكل للوزارات المختلفة لتكثف نشاطها ضد عرب النقب في السنة الحالية.

بلال ظاهر
احدثت خطة التقليصات الاقتصادية التي وضعها وزير المالية الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فور استلامه منصبه، معارضة واسعة في قطاعات العمل المختلفة، اليهودية والعربية على السواء. وتأتي معارضة هذه القطاعات للخطة الاقتصادية الجديدة كونها تمس بالاساس بالشرائح الاجتماعية الضعيفة والمتوسطة. فهي تقضي باجراء تقليصات، هي أبعد بكثير من اي خطة اقتصادية سابقة. وقد وصف رئيس مركز الحكم المحلي في إسرائيل، عادي الدار، هذه الخطة بأنها "عملية انتحارية من الناحية الاجتماعية"، وقال عنها رئيس الهستدروت، عمير بيرتس، ان "هذه الخطة القاسية ستلحق ضررًا بالجميع". وحتى وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، قال ان "الخطة الاقتصادية ستوسع دائرة الفقر" في اسرائيل، واعلن نائب وزير المالية، مئير شيطريت، معترفاً: "لم نمس بالشرائح الضعيفة، باستثناء المعوقين والاولاد"!

اما العرب في اسرائيل، اكثر المتضررين من طرح اي خطة اقتصادية ومن هذه الاخيرة حصرًا، فقد اعلنوا رفضهم ومعارضتهم الشديدة لها، عبر بيان صادر عن اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في اسرائيل، واعتبروها "كارثة على الجماهير العربية تحديداً، كافراد وكسلطات محلية وكاقلية قومية، لما تحمله من تقليصات حادة ومن مس في وجود وتطور الجمناهير العربية في وطنها، وخصوصا في النقب".

ورفضت اللجنة، "نصاً وروحاً، خطة توحيد ودمج السلطات المحلية في إسرائيل، كإحدى مركبات الخطة الاقتصاية العامة، لكونها تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الاقتصادية، وخاصة في الوسط العربي، والمخاطر التي تتضمنها على المعالم الحضارية والتاريخية لمدننا وقرانا العربية، ولشواهد وجودنا الوطني، إضافة إلى المس بالتسميات التاريخية لهذه المدن والقرى، إلى جانب كونها آلية جديدة لسلب ما تبقى من الأراضي العربية خاصة في النقب، دون إهمال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وفي هذا الجانب، ولمواجهة خطة دمج السلطات المحلية، وإضافة إلى إجراءات مركز السلطات المحلية وخطواته".

ودعت اللجنة السلطات المحلية العربية في إسرائيل، "إلى اتخاذ قرار مبدئي محلي بالاعتراض على خطة دمج وتوحيد السلطات المحلية، خلال الأيام القريبة القادمة، وإرسال هذا الاعتراض إلى وزارة الداخلية، وتشكيل طاقم مهني لإعداد ورقة إعتراض جماعية وشاملة، باسم اللجنة القطرية للرؤساء، تستعرض أسباب ودوافع رفضنا القاطع لخطة "الدمج والتوحيد" في المجال التخطيطي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي، وتشكيل لجان شعبية محلية شاملة، تعمل على تفعيل الرفض الشعبي المحلي لهذه الخطة، إلى جانب العمل القطري، وتهيئة الظروف اللازمة لإمكانية إعلان الإحجام عن المشاركة في الترشيح والتصويت لانتخابات السلطات المحلية، في حالة إصرار الحكومة على تنفيذ هذا المخطط، كإحدى الوسائل الشرعية والمشروعة في مواجهته ونحو إلغائه".

وشددت "على ضرورة إلتزام كل سلطة محلية عربية بدفع مبلغ خمسة آلاف شيكل للجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، كمساهمة أولية من هذه السلطات في إطار هذه المعركة الهامة التي نواجهها".

وتنص الخطة الاقتصادية على اجراء تقليصات في ميزانية الدولة تصل الى 14 مليار شيكل، جلها من اليزانيات المخصصة للفئات الضعيفة في المجتمع الاسرائيلي، مثل المخصصات التي تدفعها مؤسسة التامين الوطني، وخصوصًا مخصصات الاولاد والشيخوخة وتلك الممنوحة للمعوقين. كما تنص الخطة على فصل 16 الف معلم وعدة الاف اخرى من مستخدمي القطاع الحكومي في الوزارات الاخرى، وعدم استيعاب مستخدمين جدد خلال الاعوام القادمة، وذلك اضافة الى تخفيض اجور المستخدمين في القطاع الحكومي.

وتقضي الخطة الجديدة باجراء تقليصات في ميزانية وزارة الصحة، إذ سيتم اغلاق 20% من اقسام الاختصاصات في المستشفيات واغلاق جميع عيادات الام والطفل وفرض ضريبة الصحة على ربات البيوت غير العاملات اللواتي كن معفيات من هذه الضريبة. كما تقضي الخطة الاقتصادية الجديدة برفع سن الخروج الى التقاعد الى 67 عاما بدلا من 65 للرجال و60 للنساء. ووفق الخطة الجديدة سيتم تخفيض عدد السلطات المحلية بواسطة توحيد ودمج 150 سلطة محلية ليصبح عددها اقل من النصف.

الاقتصادي وائل كريم: الخطة التاتشرية الاولى..

واعتبر الاقتصادي وائل كريم، المحاضر في موضوع الاقتصاد في جامعة تل ابيب، في حديث لـ "المشهد الاسرائيلي" ان "هذه هي الخطة الاقتصادية "التاتشرية" الاولى التي دخلت الى الاقتصاد الاسرائيلي، بل يمكن القول، بسبب هذه الخطة، ان الاقتصاد الاسرائيلي حوَّل اسرائيل الى دولة رأسمالية بحتة بحيث اصبحت لا تمت بصلة الى دولة الرفاه، فقد اصبح الرفاه موضوعاً غائباً عن النمط الاقتصادي الذي تتطلع اليه المالية الاسرائيلية. وعلى ما يبدو فان الكنيست الاسرائيلي سوف يصادق على الخطة، بعد ازالة البنود الموجودة فيها والمتعلقة باتفاقيات العمل، وذلك لرفض الهستدروت لها، ونتيجة التهديد بموجة اضرابات تشل الدولة تجر في اعقابها اضراراً اقتصادية فادحة. والمقصود بتحول اسرائيل الى دولة رأسمالية هو انه سيتم العمل بموجب المبدأ القائل ان كل انسان يحصل على دخله وفق قدراته، المالية بالاساس، وواضح ان لدى الاغنياء واصحاب الشركات الكبيرة معظم القدرات، وهو الامر الذي سيؤدي الى زيادة عدد الفقراء من ناحية، وزيادة الاغنياء ثراء من الناحية الاخرى".

"ثمة اسس اقتصادية غابت عن الخطة الاقتصادية بشكل مقصود – قال كريم - وهي تحويل الاساس الضريبي ليتم فرضه بالاساس على رأس المال وليس على الدخل. ويعود غياب هذا المبدأ عن الخطة الى العلاقات الخاصة القائمة بين وزير المالية (بنيامين نتنياهو) واصحاب رؤوس الاموال داخل اسرائيل وخارجها، وذلك لاهداف ذاتية وشخصية لدى نتنياهو، تكمن بالاساس في اعداد نفسه ليصبح رئيس الحكومة المقبلة بعد شارون. فالتقليصات التي يقوم باجرائها ستؤدي الى تخفيض المصاريف العامة بشكل كبير للغاية، وبالتالي فان كل مدخول يتوقعه الاقتصاد الاسرائيلي في المستقبل، مثل منح وضمانات امريكية سوف تؤثر بشكل مباشر على المواطن العادي بحيث يشعر ببحبوحة معينة وشعور المواطن الاسرائيلي العادي بالنشوة وعندها يشعر الناس في اسرائيل بان نتنياهو انقذ فعلا الاقتصاد الاسرائيلي. ولكن هذه التطلعات من جانب نتنياهو لن تكون مرتكزة الى اساس اقتصادي علمي. فلهذه الخطة سيكون تاثير مباشر على الاقتصاد الاسرائيلي، ولكن على المدى البعيد سيكون تاثيرها سلبيا".

وهناك جوانب اقتصادية هامة جدًا لم تتضمنها الخطة الاقتصادية الجديدة، ومنها دعم المصالح التجارية والمتوسطة. "هذا الامر يشغل بال الكثير من الاقتصاديين – يضيف كريم - فلو نظرنا مثلا الى الاقتصاد الامريكي نجد انه يتمتع بثقة الكثير من المستثمرين لأنه يعتمد بشكل ملحوظ على المصالح الصغيرة والمتوسطة. واذا تم دعم هذه المصالح سيكون التأثير بشكل ايجابي جدًا على مكانة الاقتصاد المحلي. عدم منح الدعم للمصالح المتوسطة والصغيرة هو امر غير قائم في اي دولة في العالم. فالولايات المتحدة، مثلا، تخصص مبالغ طائلة لدعم هذا النوع من المصالح لكونها الاساس للاقتصاد القومي، ولا يختلف اثنان في ذلك. اذ لا يمكن الاعتماد على الشركات الكبيرة، مثل شركة "ميكروسوفت" التي يبلغ راسمالها 760 مليارد دولار، لأن اي زعزعة مالية تصيب هذه الشركة ستكون ضربة قاسية للاقتصاد الامريكي. فالمصالح الصغيرة والمتوسطة هي الاساس لاقتصاد متين".

كذلك فان قضية فرض الضرائب على رأس المال لم تتعامل معها الخطة الاقتصادية بالشكل الصحيح، بحسب كريم: "صحيح انه تم فرض ضريبة بنسبة 10% على رأس المال، ولكن هذا شئ بسيط جدًا ويكاد يكون جانبياً حيال رؤوس الاموال الكبيرة التي تدخل للاقتصاد الاسرائيلي، ولا يوجد هناك اي مسٍّ ضريبيّ واضح عليها. وبحسب الاحصائيات، هناك 46 مليار شيكل في الاقتصاد الاسرئيلي تعتبر اموالاً سوداء، وهذه الاموال لا يتم فرض ضريبة عليها اطلاقاً. ولو تم فرض ضريبة بنسبة 30% عليها لكان هناك دخل مباشر الى خزينة الدولة بحجم لا يقل عن 15 مليار شيكل".

مؤتمر اقتصادي للعرب في اسرائيل - توجهات غير واقعية

في الاسبوع الماضي عقد مؤتمر اقتصادي في منطقة المثلث بادر اليه "مركز رعاية المبادرات الاقتصادية في المثلث" ("ماطي") وشارك فيه رؤساء السلطات المحلية في المنطقة. وتمحر المؤتمر حول ايجاد السبل لانقاذ الاقتصاد العربي بشكل عام، وفي قرى المثلث بشكل خاص. وطالب المشاركون في المؤتمر الحكومة الاسرائيلية بالاعتراف بالقرى العربية في المثلث كمناطق تطوير اقتصادي.

ورأى كريم ان "هذه المطالبة غير واقعية، لكون الخطة الاقتصادية الجديدة تنص على الغاء مناطق التطوير في كافة المناطق في اسرائيل. ان المطالبة من جانب العرب في اسرائيل يجب ان تكون مطالبة غير مباشرة، نظرًا للاوضاع الاقتصادية والسياسية التي نعيشها. واقصد بالمطالبة "غير المباشرة" المطالبة بالمساواة بين المواطنين العرب واليهود ليس فقط على مستوى قومي وانما على مستوى الوضع الاجتماعي. فمثلا هناك قانون جديد سن في الكنيست السابقة، وينص على ان تقوم مؤسسة التأمين الوطني بدعم المصالح التي تقوم بتوظيف عمال جدد بما يعادل الف شيكل لقاء كل عامل جديد في كل شهر. وعندما تم سن القانون قالت الحكومة الاسرائيلية ان هنالك مناطق في البلاد تحتاج الى معالجة خاصة ومكثفة، لأن نسبة البطالة فيها مرتفعة. الا ان هذه المناطق التي تتحدث عنها الحكومة لا تشمل اي مدينة او قرية عربية، وبالتالي في التعامل مع العرب ينطوي الامر على اجحاف واضح. لذلك يتوجب ان يتم هذا النوع من المطالبة من جانب مؤسسات مهنية. وبالنسبة للقانون الذي المذكور، يكفينا ان نعتمد على ما تقوله دائرة الاحصاء المركزية بأن كل بلدة تتعدى فيها البطالة نسبة معينة تكون - هذه البلدة - ملائمة للحصول على المنحة الحكومية بقيمة الف شيكل مقابل استيعاب كل عامل جديد. وكما هو معروف، فان البلدات العربية تتصدر قائمة البطالة. وهذا القانون هو قانون عام ولكنه يخدم العرب بشكل غير مباشر. هذا مجرد مثال وهناك امثلة كثيرة اخرى تمنحنا الكثير من الامتيازات التي تنص عليها القوانين، ولكن للحصول عليها يتطلب الامر مطالبة على مستوى مهني. وانا ارى انه يتوجب اقامة مجلس اقتصادي يقوم بالتعاون مع اعضاء الكنيست العرب بالمبادرة الى تقديم مشاريع قوانين تعود بالفائدة على العرب في اسرائيل".

ولفت كريم الى ان "نسبة عالية من العرب في اسرائيل يعتمدون في معيشتهم على مخصصات التأمبن الوطني، وكذلك الحال بالنسبة للمتدينين اليهود. لكن المتدينين اليهود لديهم مدخولات من مصادر اخرى من داخل البلاد ومن خارجها. ومن جراء التقليصات المقترحة في الخطة الاقتصادية الجديدة فان العرب في اسرائيل سيعانون من اجحاف كبير، ان كان ذلك على مستوى مخصصات الاولاد او الشيخوخة او المعاقين والذين يعانون من مشاكل صحية خاصة. ويشار الى ان نسبة البطالة ارتفعت في العام 2002 بنسبة 12% غالبيتهم الساحقة من العرب".

طرد عرب النقب في الخطة الجديدة ايضا

وبموجب تحليل اجراه الاقتصادي امين فارس، من "مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب في اسرائيل"، تبين ان الحكومة الاسرائيلية تنوي شمل قانون "طرد الغزاة لأراضي الدولة"، المخصص لترحيل المواطنين العرب البدو في النقب عن اراضيهم، في الخطة الاقتصادية الجديدة، ورصد مبلغ 56 مليون شيكل للوزارات المختلفة لتكثف نشاطها ضد عرب النقب في السنة الحالية.

وينص المخطط الحكومي على افامة وحدة خاصة للشرطة، مؤلفة من 50 شرطيًا في المرحلة الاولى، مهمتها الوحيدة ملاحقة ما يسمى "المعتدين على اراضي الدولة". وسيتم تفعيل هذه الوحدة بشكل مباشر من قبل وزارة الداخلية، حيث ستقوم بتنظيم ومتابعة عمل قوات الشرطة الاضافية خلال حملات هدم منازل عرب النقب والتي تتطلب قوات كبيرة من الشرطة. كذلك يقضي المخطط باقامة وحدة جديدة لمراقبة البناء اضافة الى الوحدات القائمة حاليًا. وتستعين هذه الوحدة المزمع اقامتها بقوات شرطة تقوم بتنفيذ تعليماتها. وسيتم اعطاء المفتشين في هذه الوحدة صلاحيات واسعة منها صلاحيات رجال الشرطة وصلاحيات دائرة الاجراء القانوني. وخولت هذه الوحدة ايضا حتى بمراقبة المواشي ولديها صلاحيات مصادرتها بحجة "الحاقها الاضرار بالنبات" حسب قانون صادر في العام 1950.

من جهة اخرى، سيتم تشغيل سبعة محامين على الاقل، مهمتهم انهاء الاجراءات القانونية ضد "المعتدين على اراضي الدولة". وبامكان الحكومة تحويل قضايا اضافية الى مكاتب محامين خاصة. ومن بين القضايا التي سيتم تحويلها للمحامين قضايا اخلاء عرب النقب من اراضيهم في القرى غير المعترف بها وتركيزهم في البلدات "المعترف بها".

وافاد مركز "مساواة" بأنه قام بارسال رسائل الى كل من المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، اليكيم روبنشطاين، والمستشارة القضائية للكنيست، انا شنايدر، بخصوص مخطط ترحيل عرب النقب، وانهما اعربا عن تحفظهما من قرار الحكومة شمل القانون في الخطة الاقتصادية الجديدة. واشار المركز ايضا الى ان رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، يعمل جاهدا من اجل تمرير هذا القانون ومصادقة الكنيست عليه.

وكانت حكومة شارون السابقة اعدت مشروع القانون وقدمته للكنيست التي بدورها صادقت عليه بالقرءة الاولى حيث صوت الى جانبه اربعة اعضاء كنيست من دون معارضين او ممتنعين. واذا ما نجحت الحكومة الاسرائيلية بتمرير مخططها هذا بواسطة جعله قانونا فانه سيسهل عملية ترحيل عرب النقب عن اراضيهم.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات