المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب: محمد دراغمةالسؤال الكبير الذي أثارته اللقاءات الأخيرة التي عقدها أرئيل شارون مع مساعدين للرئيس ياسر عرفات هو: هل تغير "البلدوزر"، وقرر العودة من تلقاء نفسه إلى حظيرة المفاوضات، أم تغير الفلسطينيون، وقرروا الاستجابة لشروط الهزيمة التي يحاول منذ نحو عامين أن يفرضها عليهم؟؟

أوساط عديدة في إسرائيل ما زالت تشكك في خطوة شارون هذه، وتعتبرها مناورة ائتلافية الهدف منها مغازلة قادة حزب العمل وإثارة بلبلة داخلية لديهم، وجرهم إلى المشاركة في المفاوضات التي يجريها لتشكيل ائتلافه الحاكم.

لكن هل هذا هو كل شيء في الصورة؟.

مطلعون ومحللون في إسرائيل يقولون بأن هذا جزء من الصورة، وهناك بالتأكيد أجزاء أخرى لها.

وتتمثل الأجزاء الأخرى في أن شارون نفسه اليوم ليس هو شارون ذاته الذي تسلم الحكم قبل حوالي عامين، وأن الظروف اليوم ليست هي تلك التي كانت سائدة قبل عامين عندما وعد الثور "الليكودي" الهائج بإنهاء انتفاضة الفلسطينيين خلال مائة يوم لا أكثر.

والعامل الكبير الهام في ذلك هو الزلزال القادم في الخليج، الذي يتوقع له أن يؤدي إلى تغيرات عميقة في منطقتنا، وبضمنها الصراع والمواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية الجارية.

فعلى صعيد الانتفاضة، نجح شارون في إعادة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة، والدخول إلى ما كان يسميه الجيش الإسرائيلي "عش الدبابير" و "حقول الأشواك" وغيرها، لكنه لم ينجح في إنهاء ما يسميه بالإرهاب والعنف أو العمليات أو حرب الاستنزاف وفق أفضل وأدق وصف تطلقه الصحافة الإسرائيلية على المواجهة.

وتقول هذه المصادر بأن شارون وعددا من كبار معاونيه، ومن بينهم وزير دفاعه المقرب، والموعود بولاية ثانية في الوزارة الجديدة "شاؤول موفاز"، توصلوا إلى قناعة مفادها بأن الإجتياحات المتتالية، والحصار المشدد المفروض على كل تجمع سكني، والاغتيالات، والقتل العشوائي، وحظر التجول وغيرها من الممارسات التي أطلقوا أيدي الجيش للقيام بها في الأراضي الفلسطينية، قد تخفف بدرجة كبيرة من العمليات والهجمات المسلحة، لكنها لا توقفها.

وعلى صعيد حرب الخليج المتوقعة، فإنها ستشكل بداية لمرحلة جديدة يسميها البعض بالعصر الأمريكي في هذا الإقليم كبير الأهمية من العالم، بما يترتب عليه من وضع خريطة جديدة للمنطقة، وعلى نحو لا يمكنه تجاهل مكان الفلسطينيين فيها.

وفي عرينه، الذي توج فيه في الانتخابات الأخيرة ملكاً دون منازع، يتعرض شارون لتأثيرات وتغيرات المشهد السياسي العام، الذي يدفع به إلى وسط الخريطة السياسية.

فناخبو شارون الذين أعطوا حزبه أغلبية كبيرة، كانوا من الوسط الذي يؤيد إنهاء الصراع مع الفلسطينيين بالتفاوض، وعلى أساس إقامة دولتين لشعبين، لكنه يريد رجلاً قويا لتحقيق ذلك، ولم يجد غير شارون يحمل هذه الصفة في قوائم المرشحين.

ويدرك شارون أن التفويض الذي منحه إياه الناخب لن يتكرر مرة أخرى إذا ما استمرت "حرب الاستنزاف" الجارية مع الفلسطينيين.

وفي وقت يصمم فيه حزب العمل على التمترس في المعارضة ليعيد ترميم وبناء ذاته في مقاعدها في الكنيست السادس عشر، تحضيراً للانتخابات القادمة التي يتوقع أن تكون في غضون عام إلى عامين على أبعد تقدير، فإن شارون سيتطلع إلى تحقيق إنجاز كبير يقدمه للناخب من جديد، أو ينهي به حياته السياسية.

وطالما أن القوة لا تحقق لشارون هدفه، فليس مستغرباً أن يلجأ إلى الطريق الأخرى وهي المفاوضات.

ويقول مراقبون في إسرائيل مقربون من مكتب شارون بأنه كان بدأ مفاوضاته مع الفلسطينيين قبل الانتخابات الإسرائيلية، وأن شروطه المعلنة لهذه المفاوضات مثل تغيير الرئيس عرفات، وإصلاح أجهزة ومؤسسات السلطة، لم تكن سوى رسائل انتخابية ليس أكثر.

وتقول هذه المصادر بأن الاتصالات التي يجريها شارون مع الفلسطينيين، وكثير منها أجري قبل الانتخابات، هي بداية تحضيراته لمرحلة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، ومرحلة ما بعد حرب الخليج.

وحسب هذه المصادر فإن شارون وضع لنفسه هدفاً لمفاوضاته هذه، وهو التوصل إلى اتفاق مؤقت مع الفلسطينيين يقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة على 50% من الضفة ومعظم القطاع، على أن يتواصل التفاوض بين الجانبين للتوصل إلى اتفاق نهائي. ويتطلع شارون من وراء مثل هذا الاتفاق إلى تحقيق إنجاز تاريخي له يتمثل في تقسيم الضفة بين إسرائيل والفلسطينيين.

أما في الجانب الفلسطيني فهناك العديد من العوامل التي تجعلهم يتفاوضون مع شارون وهم يعلمون مدى الهوة القائمة بين سقفه والحد الأدنى المقبول من جانبهم.

وتتمثل هذه العوامل في تعايش العالم مع مختلف مستويات القتل اليومي والدمار والتخريب والحصار التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وشعور الفلسطينيين بعزلة سياسية جراء الانحياز الأمريكي المطلق لشارون وتردي الوضع العربي وضعف ومحدودية تأثير الأوروبيين.

وكان العامل الدولي أحد أهم رهانات الفلسطينيين عندما بدأوا انتفاضتهم الشعبية التي حملت اسم انتفاضة الأقصى في أيلول عام 2000.

لكن زوال إدارة كلنتون التي وصلت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في عهدها إلى مراحل متقدمة جداً، وحلول إدارة محافظة يتمتع فيها المحافظون الجدد الموالون لإسرائيل بثقل كبير، ووقوع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت اتجاه التاريخ، وتواصل العمليات الفلسطينية التي تستهدف مدنيين إسرائيليين، كل هذا قاد إلى ميل كفة الموقف الدولي لصالح إسرائيل، وإطلاق يديها في الأراضي الفلسطينية دون رقيب أو حتى ناقد مؤثر.

ويقول مسؤولون فلسطينيون بأن الظروف اليوم باتت مواتية لوقف العدوان الإسرائيلي المفتوح على الشعب، والحصول على اعتراف من اللاعب الدولي الوحيد "الأمريكي" بحقنا في إقامة دولتنا المستقلة.

ويقول وزير الداخلية الفلسطيني هاني الحسن: "إذا نجينا من النوء الذي يستعد لضرب العراق، فإننا حتماً سنجد مكاناً لنا في الترتيبات الجاري إعدادها للمنطقة".

ويضيف: "العالم يريد دولة فلسطينية مستقلة من أجل استقرار والأمن وتدفق النفط، وهنا لا تستطيع إسرائيل أن تفرض رأيها".

وكان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أعلن مؤخراً أن الولايات المتحدة تعد لترتيبات جديدة في المنطقة بعد حرب الخليج.

وقد تعهد الرئيس الأمريكي بوش في خطاب له في حزيران الماضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ووجدت تعهدات بوش تعبيرها في خطة خريطة الطريق التي تعرضت حتى اليوم لثلاث تعديلات.

ورغم ملاحظاتهم النقدية الكبيرة على الخطة إلا أن الفلسطينيين يرون فيها عاملين هامين كما يقول هاني الحسن، وهما أن الدولة المستقلة والقدس لم يعودا موضوعين تفاوضيين كما كانا في اتفاق أوسلو.

ويلخص الحسن قائلاً: "المهم في خريطة الطريق أن بوش وضع خطة لقيام دولة مستقلة، وأن القدس ستكون عاصمة للدولتين، ويتبقى التفاوض على الحدود وموضوع اللاجئين.."

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات