المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 2953
  • هشام نفاع

المعطيات من دول العالم تؤكد خطورة انتشار السلاح، في الولايات المتحدة مثلا، حيث فيها أعلى نسبة جرائم قتل لهذا السبب. وتقتل في عاصمة السلاح العالمية بسلاح زوج أو زوج سابق، امرأة كل 16 ساعة. كذلك في سويسرا التي يتفاخر مؤيدو التسليح المدني بأنها تضع سياسات ليبرالية في مجال حيازة الأسلحة، بالرغم من أن عدد جرائم القتل فيها منخفض جدا قياسا بالولايات المتحدة، فإن الجرائم التي تقع فيها تتم في 90 بالمئة من الحالات بذلك النوع من السلاح.

في إسرائيل تعبّر منظمات ضحايا الرصاص ومنظمات نسوية عن أملها في أن يمتنع وزير الأمن الداخلي عن تقويض السد الذي من شأنه إغراق شوارع البلاد بالمسلحين. وفي الوقت نفسه تطالب بكشف معطيات تفسّر هذه السياسة وتتساءل عن سبب رفض الوزارة والوزير توفيرها! وذلك في تجاهل تام لما لا يحصى من أبحاث تؤكد أن انتشار السلاح القانوني لا يوقف مجرمين، بل يزيد بشكل دراماتيكي احتمالات وقوع جرائم قتل بذلك السلاح. وتؤكد احدى الناشطات: إن سلاح الدفاع عن النفس يشكل خطراً عاليا جدا على مواطنين أبرياء أكثر بكثير من الشعور بالأمن الذي يوفره لحامله.

منظمة "المسدّس على طاولة المطبخ"، وهي ائتلاف يوحّد 13 من المنظّمات النسويّة والمجتمع المدنيّ، دعت وزير الأمن الداخلي الى التمسّك بسياسة ضبط النفس في مجال السلاح، وتجنّب منح التّسهيلات في ترخيص الأسلحة الناريّة. كما طالبت قوات الأمن الإسرائيلية بالاستناد إلى القانون وتطبيقه، إذ لا يجيز القانون الإسرائيلي إطلاق النار بهدف القتل.

وترى ان تشجيع الأشخاص على حمل السّلاح بشكل مطّرد وعلى إطلاق النار بطريقة تفتقر إلى الخبرة، والذي شوهد مؤخّراً، يشكّل تحوّلاً جوهرياً وخطيراً في قانون الأسلحة الناريّة وثقافة ضبط النفس في استخدام هذه الأسلحة. هذه الخطوة هي إجازة كاسحة لعمليّات الإعدام بدون محاكمة. في دولة القانون، لا يُسمح بإطلاق النار على الأفراد بهدف الانتقام أو الردع. إن هذه الخطوة تخلق أرضاً خصبة أيضا لإلحاق الأذى بالأبرياء، بمن فيهم المارة، والتعرّض لإطلاق النار نتيجة خطأ في تحديد الهوية، وجرائم القتل داخل فضاء الأسرة والتي تروح النساء ضحيّتها في الأساس.

تذكر المنظمة بأن الحكومة نفسها كانت حذرت من فيضان السلاح. ففي العام 2005 أوصت لجنة حكومية بالحدّ من حجم تسليح حرّاس الأمن في إسرائيل. وقد حذرت اللجنة من "وجود عدد كبير جداً من الأسلحة النارية في السوق ومن حرّاس الأمن المسلحين بشكل يفوق الحاجة الحقيقيّة". وقد صادقت الوزارات الحكومية على التوصيات وشرعت في تنفيذها.

تقول المنظمة: كانت تلك أياماً عسيرة، في أواخر الانتفاضة الثانية، ولكن رأي المهنيين كان واضحاً وحازماً. بالإضافة إلى الأسلحة التي تتواجد في حوزة الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطة، يوجد في إسرائيل حالياً أكثر من 150000 سلاح خاصّ مرخّص. يُطلب من أصحاب هذه المسدسات والبنادق تخزينها بشكل آمن والاحتراس في استخدامها. إنّ إضافة الأسلحة إلى الشوارع ليست حلاً. حتّى أنّه من المتوقع أن تزيد الوضع سوءاً. أظهرت دراسات عديدة في الخارج وبشكل قاطع أن سياسة الأسلحة المتساهلة تزيد من نسبة الجريمة المنفذة بالأسلحة الناريّة، ومن نسبة الانتحار. بدون إطلاق كلمة "إرهاب" التهديديّة، لا تُسجّل هذه الآثار في الوعي العامّ، لكن في واقع الأمر يدور الحديث حول إرهاب مدنيّ. وتغيير سياسة التسلح في إسرائيل سيحدث آثاراً خطيرة وعنيفة على المدى الطويل.

السياق الصناعي الربحي لتقديس السلاح

نشرت صحيفة "هفينغتون بوست" قبل نحو شهر ونصف الشهر تحقيقاً عن الصناعة العسكرية الإسرائيلية التي أصبحت من أهم ركائز الاقتصاد الإسرائيلي، وتحولت معها إسرائيل إلى واحدة من أشهر الدول المصدرة للأسلحة والعتاد العسكري. ما يهمنا في هذا التقرير أنه يوفر صورة لسياق صناعي ربحي لتقديس السلاح.

في بداية الثمانينيات من القرن العشرين بدأت تتصاعد الصناعات العسكرية الإسرائيلية وتتطور، ودخل القطاع الخاص بقوة في هذه الصناعة التي بدأت تحقق مزيداً من الأرباح، فتم تأسيس مئات الشركات المتخصصة في الصناعات الحربية. في بداية التسعينيات من القرن العشرين قفزت الصناعات العسكرية الإسرائيلية قفزة كبيرة، فقد وصلت نسبة تصدير الأسلحة الإسرائيلية إلى حوالي 25 في المئة من قيمة إجمالي الصادرات الإسرائيلية كلها، وذلك نتيجة للنقص في سوق السلاح الذي أحدثه غياب الاتحاد السوفييتي، واضطرار كثير من الدول التي كانت تعتمد على السلاح الروسي إلى أن تبحث عن بدائل.

استخدمت إسرائيل تجارة السلاح ورقة ضغطت من خلالها على دول عديدة في مقاربتها لصراعها مع العرب، فقد لوحت إسرائيل بتقديم مساعدات عسكرية لبعض الدول الإفريقية مقابل تغيير موقف هذه الدول. وتطورت وتوسعت صناعة الأسلحة في إسرائيل لتصبح ركيزة هامة من دعائم الاقتصاد الإسرائيلي، بل إن الفترة الممتدة من بداية تسعينيات القرن العشرين ولغاية النصف الأول من العقد الأول من الألفية الثالثة كانت فترة عنوانها الاقتصاد العسكري الإسرائيلي؛ إذ قامت إسرائيل بتصدير الأسلحة والعتاد الحربي والأجهزة والمعدات الأمنية إلى كل من القارة الإفريقية بشكل رئيسي، على صورة تعاقدات سرية وبعضها كان علنياً، كما قامت بتصدير السلاح إلى كل من الهند والصين، وقامت إسرائيل بتوفير الأسلحة للجماعات والأطراف في مناطق النزاعات والحروب الأهلية والصراعات الطائفية، التي عادة تخشى الدول المنتجة والمصدرة للأسلحة من شحن أسلحتها إلى مثل هذه الأسواق التي يحاسب عليها القانون الدولي، لكن إسرائيل التي تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية قامت وتقوم بتصدير أسلحتها وتضعها بين أيدي هذه الجماعات حين ترى أن ذلك يخدم أهدافاً لها ويحقق مصالحها. ومنذ العام 2006 بدأ مؤشر مبيعات الأسلحة الإسرائيلية يرتفع بشكل ملحوظ.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات