المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3860
  • هشام نفاع

"لا يخفى على أحد منا حجم الألم والمأساة الذي نشعر به بعد كل حادثة قتل تعصف بمجتمعنا. يؤلمنا جدا إزهاق كل هذه الأرواح لأننا نعلم أن خلف كل روح تقتل أحلاما يتم القضاء عليها، عائلة تتشتت، نؤمن أن لكل شخص قصة وحياة ونسعى دوما لتذكير الناس بحجم المأساة ولذلك نقوم بجمع المعطيات حول ضحايا القتل في مجتمعنا العربي"- هذا ما افتتح به "مركز أمان- المركز العربي للمجتمع الآمن" المعطيات الدقيقة لضحايا القتل في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل من مطلع العام 2012 إلى يوم 9 تشرين الثاني الجاري.

وبلغ عدد ضحايا جرائم القتل العرب بالسلاح من مطلع العام 2000 ولغاية 9 تشرين الثاني 1237 ضحية، بينهم 63 ضحية سقطوا منذ مطلع العام الحالي- 2017. وفي أيلول الماضي أعلنت وزارة الأمن الداخلي عما سمتها "حملة شرطية لجمع الأسلحة غير المرخصة.. الذين يسلمون السلاح لا يقدمون للمحكمة". وجاء في نص نُشر بالعربية: "بمبادرة الوزير إردان، تقوم شرطة إسرائيل سوية مع وزارة الأمن الداخلي، بحملة لجمع الأسلحة غير المرخصة، بالتعاون مع السلطات المحلية العربية. في نطاق الحملة التي ستجري من 10 إلى 19 أيلول الجاري، لن تتخذ إجراءات جنائية ضد الذين يرجعون الأسلحة التي بحوزتهم، ويحظون بحصانة تحول دون مقاضاتهم. وسيتم نشر الحملة في وسائل الإعلام وباللغة العربية في عشرات البلدات. وقد تم اختيار السلطات المحلية العربية بمصادقة شرطة إسرائيل. تهدف الحملة إلى زيادة مكافحة ظاهرة السلاح غير المرخص في المجتمع العربي".

بحسب الحملة "يمكن إرجاع الأسلحة بدون الكشف عن هوية أصحابها، ولن تتخذ إجراءات قانونية ضدهم، ويمنح المواطنون الذين يرجعون الأسلحة حصانة ضد تقديم لائحة اتهام ضدهم بامتلاك أسلحة نارية".

وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان انتهز الفرصة ليعلن أن: "الوسط العربي هو المتضرر الرئيسي من ظاهرة السلاح غير المرخص، وقد قررنا تركيز الجهود لمكافحة السلاح غير المرخص. لذلك انطلقنا بحملة غير مسبوقة لإعطاء المواطنين فرصة للتخلص من السلاح غير القانوني الذي يمتلكونه بدون اتخاذ إجراء جنائي ضدهم. امتلاك السلاح يعتبر مخالفة قاسية، وفي بعض الأحيان يصل السلاح إلى أيدي إرهابيين وجنائيين. نحن نعمل على مكافحة هذه الظاهرة بجميع الوسائل من اجل تخفيض الحوادث التي يتم فيها استعمال السلاح غير المرخص".
هذا كلام جميل بالمجمل، حتى انه يعكس زعماً بأن حياة العرب الفلسطينيين في إسرائيل تقلق الحكومة ووزير أمنها الداخلي. وهذا يسبب إرباكاً كبيراً إذ تكاد الشرطة لا تكشف الحقيقة في الغالبية الساحقة من جرائم القتل المُشار اليها أعلاه، بالألوف، ناهيك عن إطلاق الرصاص الذي يتسبب بإصابات وإعاقات جسدية مختلفة.

الحملة استمرت من 10 إلى 19 أيلول الفائت. وقد اعترفت كل من الشرطة ووزارة "الأمن الداخلي" بأن الحملة لم تسفر سوى عن تسليم عدد ضئيل جداً من قطع السلاح. إذ وصل عددها إلى 14 قطعة سلاح فقط. وهي تشكل نسبة تؤول إلى الصفر قياساً بالتقديرات عن الكمية الضخمة من السلاح غير المرخص المتفشي في المجتمع العربي. للتذكير، سبق أن نشرنا هنا تقريرا موسعاً اقتبس وثيقة داخليّة صادرة عن وزارة "الأمن الداخليّ"، وبموجبها قدّرت الشّرطة في العام 2013 عدد الأسلحة غير القانونيّة بنحو 400 ألف قطعة سلاح! هذا الرقم ازداد كالمتوقع منذ ذلك الحين، ما يعني أن الحديث هو عن عشرات ألوف قطع السلاح غير القانونية (على الأقل!) المتفشية في المجتمع العربي.

وقد علّقت صحيفة "الإتحاد" بعد انتهاء العملية: "من دون التقليل من قيمة أية وسيلة لتقليص ومكافحة السلاح غير المرخص، بما فيها مثل تلك الحملة، فلا بدّ من إعادة التأكيد على ان تقييمنا لجهود وجدية الشرطة مشابه لنتيجة حملتها هذه: تؤول إلى الصفر.. ولا نزال نتهم الشرطة (والحكومة المسؤولة عنها كلها) بالتقاعس والإخفاق في معالجة ظاهرة فوضى السلاح القاتلة في المجتمع العربي، خصوصاً. ولا نزال نتهم الشرطة والحكومة بأن استخفافهما عنصريّ الدوافع، ولو كان هذا السلاح يهدد يهوداً من طبقات اقتصادية قوية، لاختلف التعامل مع الظاهرة بـ 180 درجة! إننا نكرر مطالبتنا الشرطة بالقيام بحملة حقيقية مبرمجة ومتواصلة لتخليص المواطنين العرب من آفة وخطر الإجرام والرصاص و"الخاوة" والتهديد وكل ما يرافقها، ونطالب الحكومة بمعالجة كل ما ينتج تلك الآفة! وإلى جانب تأكيدنا على واجب المجتمع العربي في رفع درجات التثقيف والتوعية والتربية ضد ممارسات الإجرام، فإننا نرفض المزاعم السلطوية التي تطالب مواطنين عُزّل بالوقوف أمام السلاح والمسلحين.. لا يوجد دولة تستحق اسمها في العالم تطالب مواطنيها بمواجهة مسلحين.. هذا هو دور الشرطة ودور السلطة ودور الحكومة الإسرائيلية، وكل زعم غير هذا هو تبرير عنصري ساقط ومرفوض".

حملة "نظّف بيتك" برسائل متعددة المستويات رسمياً وشعبياً

بالتعاون مع لجنة مكافحة العنف المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، أطلقت الشهر الفائت حملة توعية لجمعيّة "مبادرات صندوق إبراهيم" هدفها محاربة ظاهرة السلاح في البلدات العربية. وحملت رسالتين: واحدة للوزير إردان والشرطة مفادها: "واصلوا حملات جمع السلاح بالتعاون مع السلطات المحلية العربية من خلال منح الحصانة وعدم محاكمة من يسلّم السلاح والذخيرة"؛ وأخرى للقيادات العربية جاء فيها: "ادعموا الجهود لجمع السلاح من خلال اسماع صوتكم في حملات دعائية".

يقول مخططو ومنفذو الحملة: ينطلق قرار إطلاق هذه الحملة من الفهم العميق بأن كمية الأسلحة الكبيرة التي يملكها المواطنون تغذي موجات العنف والجريمة في المجتمع العربي وتفاقم من حدتها التي حصدت منذ مطلع السنة الحالية حياة خمسة وخمسين ضحية من أبناء وبنات المجتمع العربيّ. ظاهرة حيازة السلاح في المجتمع العربيّ تنبع أيضا من الشعور الحاد بانعدام الأمن الشخصي لدى العديد من المواطنين العرب. ويرجع ذلك إلى انعدام الخدمات الشرطية وضبط القانون على نحو كافٍ. تشير استطلاعات الرأي التي قامت بها الجمعية المذكورة إلى أن 32% من المشاركين في الاستطلاع يشعرون بعدم الأمان في بلداتهم. كما عبر 54% من المُستطلَعين عن وجود مشاكل عنف، وأفاد 59% أنهم لا يثقون بالشرطة.

ويقول مديرو الحملة: حجم حيازة الأسلحة غير المشروعة ليس واضحاً كفاية، لكن يبدو أن الحديث عن ظاهرة واسعة، وتشمل عشرات آلاف قطع السلاح، بل يذهب البعض إلى أن هنالك سلاحا في كل بيت رابع في البلدات العربية. وتشير إلى أن بعض حاملي السلاح هم مواطنون عاديون يشعرون بالقلق على أمنهم وأمن عائلاتهم، لا علاقة لهم بجهات إجرامية. وهي تطالب وزير الأمن الداخلي والشرطة الإعلان عن حملة متواصلة في البلدات العربية لتسليم السلاح والذخيرة بشكل طوعي، وبشراكة كاملة مع السلطات المحلية العربية ومن خلال منح الحصانة وعدم محاكمة من يسلّم السلاح. مؤكدة ان هنالك رغبة في المجتمع العربي للقضاء على العنف، وعلى الشرطة أن لا تيأس بعد الحملة التجريبية الأولى لجمع السلاح التي جرت قبل أسبوعين وأتت بنتائج ضعيفة. ثمة حاجة للقيام بحملات أخرى مشابهة تعزز بشكل تدريجي ثقة المجتمع العربي بهذه الحملات وجدواها. كما دعت إلى تكثيف التحقيقات في حوادث القتل والجريمة الخطرة في المجتمع العربي والكشف عن منفذيها، والعمل على تطبيق القانون ومعاقبة كل من يقبض عليه وبحوزته سلاح غير مشروع لم يقم بتسليمه خلال حملات جمع السلاح ذات الشأن.

ودعت الحملة القيادات العربية إلى دعم تلك الجهود عبر حملة جماهيرية وتأييد حملات جمع الأسلحة. وبدورها أكدت لجنة مكافحة العنف المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية: "إن السلاح هو سرطان في جسد المجتمع العربي، ونحن ندعو جميع المواطنين العرب للانضمام إلى دعوتنا لتنظيف البيوت من أسلحة القتل وتنظيف الرأس من سلوكيات العنف والجريمة. نظفوا بيوتكم من السلاح".

عشرات حالات انفلات الرصاص غير المقصود كل سنة

منذ عدة سنوات تنشط مجموعات قليلة لمواجهة ظاهرة انتشار السلاح في الحيّز المدني الإسرائيلي، أي السلاح غير المخصص لأغراض عسكرية ولا شرطية، بل الذي يحوزه مواطنون. إحدى المجموعات تنشط ضمن منظمة "مرأة للمرأة النسوية" وعنوانها "المسدس على طاولة المطبخ" في إشارة إلى السلاح في البيوت، وخصوصاً الذي يحمله عاملون في مجال الحراسة إلى البيت بعد ساعات دوام العمل.

تذكر المجموعة على صفحتيها في موقعي "فيسبوك" و"تويتر" آخر الأحداث المرتبطة بالحملة. ومنها على سبيل المثال من الأسابيع الأخيرة: إطلاق نار في كيبوتس رشافيم حيث قام أحد أعضاء الكيبوتس بإطلاق نار على مسؤول فيه فسبب له جروحا بالغة، وجاء في لائحة الاتهام انه في أعقاب خلاف مالي بين المتهم وبين منظمة الكيبوتس تطور الأمر إلى تهديدات ووقف خدمات مختلفة لذلك الشخص. وبسبب منالية السلاح كانت هذه هي النتيجة، وفقا للمجموعة.

وتشير أيضا إلى عشرات حالات انفلات الرصاص المفاجئ وغير المقصود التي تقع في كل سنة مسببة القتل أو الإصابات. وتشير مثلا إلى حادثة وقعت في مطلع هذا الشهر، حين كان جندي يحمل سلاحه في حيز مدني فانطلقت رصاصة غير مقصودة من بندقيته عن بعد صفر وأصابت احد اقرب أصدقائه. وتشير المجموعة الناشطة أيضا إلى فتاة في السابعة عشرة من عمرها أصيبت برصاصة انطلقت من بندقية صديقها الجندي. وتقول إن هذه الحالات ناجمة عن إخفاق وفشل في صيانة وحيازة الأسلحة وان الجيش عادة ما يتهم الجنود بعدم التمسك والانضباط بأوامر الأمان وأن هذا هو ما يؤدي إلى تلك الحوادث!

وعلى نحو مرتبط باتساع مظاهر عسكرة الحياة المدنية، فإن من بين القضايا التي سلطت المجموعة عليها الضوء، مشروع جديد لوزير الأمن الداخلي إردان يتيح لحراس المراكز التجارية احتجاز مواطنين، وهي تقول إن الأمر يهدد بالمساس بالأقليات خصوصا، كما تؤكد جمعيات ومنظمات حقوق إنسان في إسرائيل. وتشير إلى أن هذا المشروع ينضم إلى خطوات سابقة للوزارة/ الحكومة منها السماح بإجراء فحص جسدي حتى من دون وجود شبهات على أجسام مواطنين، وقبلها توسيع دائرة السماح لحراس في مراكز مدنية عامة بأخذ أسلحتهم إلى بيوتهم.

وزارة الأمن الداخلي تبرّر هذا المشروع الأخير الذي يعود إلى نحو سنتين بما تسميه "تردّي الوضع الأمني وزيادة العمليات الإرهابية"، وتنوه الوزارة إلى أن قرارها لا ينطبق على جميع الحراس بل "من اجتازوا دورة تأهيل من قبل الشرطة". جمعية حقوق المواطن كانت أعلنت في حينه أن كل تحويل في صلاحيات الشرطة لجهات مدنية، هو أمر إشكالي وان هذه المهمات يجب أن تظل بأيدي سلطات الدولة ولا يمكن جعل هيئات وشركات خاصة تقوم بهذه المهمات.

سبق أن أعلنت المجموعة أن ما دفعها إلى هذا النشاط هو ازدياد عدد الضحايا من النساء اللاتي قتلن في الحيز الخاص العائلي بأسلحة أزواجهن أو أقربائهن. وهي تشير خصوصا إلى العديد من الحالات التي كان السلاح فيها بأيدي عاملين في الحراسة وشركات الأمن الخاصة. وأشارت إلى أن الأبحاث من مختلف دول العالم قد أكدت انه في البيوت التي يحمل احد أفرادها سلاحا ناريا، يرتفع خطر قتل النساء بثلاثة حتى خمسة أضعاف. وتنوّه أن السلطات الإسرائيلية تقر بحقيقة أن وجود الأسلحة في داخل الحيز الأسري في إسرائيل هو عامل مؤكد وواضح لزيادة هذا الخطر.

تعليقاً على ذلك، كتب حاييم هار زهاف مقالا في موقع مستقل الشهر الفائت عن إعلان وزير الأمن الداخلي توسيع دائرة أصحاب رخص السلاح بأكثر ما يمكن، وذلك خلال افتتاح مكتب لترخيص السلاح في الرملة (تشرين الأول 2017). يقول الكاتب: منطق إردان هو أن زيادة عدد المواطنين المسلحين بالمسدسات يزيد من احتمالات إحباط عمليات إطلاق نار أو وقفها فور القيام بها. ولكن ما يقوم به الوزير عمليا، وفقا للكاتب، هو التنصل من مسؤوليته السياسية والأمنية، كوزير وكجزء من الحكومة، في حماية المواطنين من خلال جعلهم مسؤولين بأنفسهم عن أمنهم الخاص.. ويقول الكاتب إن الوزارة لا تقدم أية معلومات ومعطيات تثبت أو تظهر على الأقل عدد الحالات التي منع فيها هذا السلاح عمليات إطلاق نار، وكانت منظمة "مرأة للمرأة" المشار اليها أعلاه، قد توجهت إلى المحكمة العليا بالتماس لفحص عدد الحالات التي استخدم فيها مواطنون أسلحتهم الشخصية المرخصة لوقف عمليات مسلحة، ولكن على الرغم من امتناع السلطات عن تقديم معطيات فإن ذلك الرقم يؤول إلى الصفر.

يقتبس المقال المحامية غاليت لوفيتسكي إذ تقول إن فرضية قدرة مواطن مسلح على منع مصيبة تستند على عدد من الفرضيات المجتمعة معا. وهي فرضيات لا تأخذ بالحسبان إمكانية اختطاف السلاح من المواطن ولا كون صاحب السلاح مختصا وقادرا على استخدامه بما لا يشكل خطراً، وتؤكد بالمقابل أن هذه الشروط غير قائمة تقريبا أبداً، بل من الجهة الأخرى، قتل سنويا ما بين 5- 8 أشخاص معظمهم من النساء منذ العام 2000 بأسلحة في أيدٍ مدنية.

المصطلحات المستخدمة:

كيبوتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات