توفي مطلع الأسبوع الماضي طفل، يبلغ أربعة شهور، في روضة أطفال لطالبي اللجوء الأفارقة في جنوب تل أبيب. وهذا الطفل الخامس الذي يتوفى في مثل هذه الروضة خلال شهرين. وقبل ذلك بيومين توفيت طفلة أخرى، في الشهر الرابع من عمرها أيضا. ويوجد في جنوب تل أبيب حوالي 85 روضة أطفال كهذه، ويبلغ عدد الأطفال فيها، حتى سن ثلاث سنوات، قرابة 2500 طفل، وباتت تعرف باسم "مخازن الأولاد".
وتؤكد المنظمات التي تعنى بطالبي اللجوء أن أيا من هذه الروضات لا تحظى بإشراف رسمي من جانب الدولة. والكثير من هؤلاء الأطفال يبقون للمبيت في هذه الروضات لأيام، وفي حال وجد والداهم عملا خارج المدينة فإن مبيتهم في الروضات قد يمتد لأسابيع أيضا. وبغياب قوى عاملة كافية، فإن هؤلاء الأطفال قد يبقون أياما بأكملها في أسرتهم من دون أن يلتفت أحد إليهم والتأكد من سلامتهم.
وحذرت عاملات منظمة "مسيلا"، التي تنشط من أجل مساعدات طالبي اللجوء من قبل بلدية تل أبيب، من أن كل يوم يمر من دون وفاة أحد هؤلاء الأطفال هو بمثابة "معجزة". ويوجد في كل واحدة من هذه الروضات 40 طفلا، وتشرف عليها امرأة، من طالبات اللجوء، ولكن من دون أن تكون مؤهلة لمثل هذا العمل مع الأطفال. ولا توجد رقابة على هذه الروضات المقامة في مخازن، ويعيش فيها الأطفال في ظروف قاسية، وأحيانا بدون طعام أو أية خدمة يحتاجها الطفل وخاصة في مجال النظافة.
وأشار تقرير حول أوضاع "مخازن الأولاد"، تم إعداده قبل شهر في أعقاب مداولات في بلدية تل أبيب، إلى أن قسما من هذه الروضات موجود في ملاجئ تخلو من فتحات تهوئة أو مخازن في بنايات كانت توضع فيها حاويات الغاز. وقد يصل القسط الشهري للطفل في هذه الروضات إلى 600 شيكل، لكن في غالب الأحيان هو أقل من ذلك بكثير.
ويبدو أنه إضافة إلى رفض السلطات الإسرائيلية لطالبي اللجوء الأفارقة وسعيها إلى طردهم، فإن هناك عوامل بيروقراطية وصراعات داخل الحكومة تزيد من تعقيدات حياة الأفارقة. إذ أنه من الناحية الإدارية تخضع الروضات لوزارة الاقتصاد، لكن الوزارة لا تهتم بشؤون الأطفال وإنما بشؤون إدارية ومالية، مثل رواتب الحاضنات. وقد تم طرح اقتراح بنقل المسؤولية عن هذه الروضات إلى وزارة التربية والتعليم، لكن وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، رفض ذلك.
وفي هذه الأثناء يبقى أطفال طالبي اللجوء بدون حل. وقالت مديرة "مسيلا"، ميري إلكاييم، لصحيفة "هآرتس"، الأسبوع الماضي، "إننا نعرف جيدا ما يحدث في الروضات، ونحن موجودون هناك ونعرف أنه لو أرادوا ذلك، لأمكننا الاعتناء وتقديم المساعدة، لكن هذا لا يحدث".
ورغم أن بلدية تل أبيب تحاول تقديم المساعدة للروضات الموجودة في منطقة نفوذها، إلا أن منظمة "مسيلا" لا يمكنها تحمل مسؤولية ما يحدث في "مخازن الأولاد"، لأن الوزارات لا تُخضع الروضات لمسؤوليتها وللأنظمة المتعارف عليها في الروضات الإسرائيلية. كذلك فإن "مسيلا" تتلقى التمويل من التبرعات، وليس من أية جهة رسمية، وبإمكانها أن تشغل عاملة اجتماعية واحدة وإلى جانبها عاملة جماهيرية بنصف وظيفة فقط.
وفي موازاة ذلك، يحصل أبناء طالبي اللجوء من سن ثلاث سنوات فما فوق ومن ذوي الاحتياجات الخاصة على مساعدات، وإن كانت غير كافية. وقد رصدت وزارة الرفاه مبلغ أربعة ملايين شيكل من أجل إقامة نواد علاجية. لكن الأطفال دون سن الثالثة من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يحصلون على أي نوع من المساعدة أو الدعم.
وكان مراقب الدولة قد حذر في تقرير أصدره في أيار العام 2013، من أن أطفال طالبي اللجوء يمكثون في روضات تسودها ظروف تشكل خطرا على حياتهم. وتبين من فحص أجراه مراقب الدولة بعد فترة أنه لم يتم إجراء أي تحسين في ظروف الروضات. والجهات التي ما زالت تقدم المساعدة لهذه الروضات هي جمعيات تطوعية، لكن قدراتها محدودة جدا.
وفي أعقاب النشر عن وفاة الطفل، مطلع الأسبوع الماضي، أجرى مكتب رئيس الحكومة مداولات حول الموضوع. لكن لم يتم اتخاذ قرارات، وإنما دراسة إمكانية تحويل 14 مليون شيكل إلى بلدية تل أبيب، لتحول بدورها المبلغ إلى جمعيات عديدة، لكي تساعد روضات الأطفال.
تجاهل حكومي قاتل
لفت محلل الشؤون التربوية في "هآرتس"، أور كاشتي، إلى أن البند الثاني في ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل ينص على وجوب احترام الحقوق المفصلة في الميثاق بما يتعلق بكل طفل، من دون التمييز من أي نوع ومن دون علاقة مع المكانة القانونية للطفل أو والديه. كما أن البند السادس ينص على الالتزام بضمان بقاء الطفل على قيد الحياة ونموه. ويحمل البند الثالث في هذا الميثاق الدولة مسؤولية تحديد الأنظمة للمؤسسات التي تعنى بالأطفال، خاصة في مجالات الأمان والصحة وعدد العاملين والمشرفين على الأطفال.
وشدد كاشتي على أن الفجوة بين هذا الميثاق، الذي وقعت عليه إسرائيل في العام 1991، وبين الواقع الميداني في "مخازن الأولاد" هائلة. وأضاف أن لهذا الإهمال تأثيرا على قدرة الأطفال بالبقاء على قيد الحياة "ولا مبالاة الحكومة قاتلة".
وأكد كاشتي أن أوضاع أطفال طالبي اللجوء، ووفيات الأطفال في الروضات في جنوب تل أبيب، "هي ظاهرة ليست جديدة، ومعروفة لجميع الوزراء ذوي العلاقة وكبار الموظفين. والضحايا وحدهم هم الذين يتغيرون. ولذلك يصعب قبول الادعاء بأن الحديث يدور عن ثغرة قانونية، مثلما حاول المسؤولون في وزارة الاقتصاد الادعاء، وأن هذه الثغرة لا تسمح بعناية ومساعدة حكومية".
وأشار كاشتي إلى محاولات الحكومة التنصل من مسؤولياتها، وفي الوقت نفسه التلميح إلى أن المسؤول عن وفاة الأطفال هم ذووهم، الذين ترفض الدولة الاعتراف بحقهم في اللجوء، والعيش والعمل بكرامة.
ولفت إلى أن وزيري الداخلية في حكومتي نتنياهو السابقتين، ايلي يشاي وغدعون ساعر، "آمنا بأنه ينبغي جعل طالبي اللجوء ييأسون من حياتهم بقدر الإمكان. وتخلي الدولة عن حوالي 2500 طفل حتى سن الثالثة هو جزء من السياسة التي تتعامل مع هؤلاء الأشخاص كأنهم أعداء، ومع الأطفال كأنهم سرطان"!.