أود إسداء نصيحة بسيطة لزملاء ومعاوني وأنصار شارون المخلصين: إياكم أن تتبجحوا أو أن ترقصوا فرحا، إياكم أن تبالغوا في شرب الأنخاب، ذلك لأن مناورة الإنتخابات قد تظهر كفوز أو انتصار "بيروس" على شارون. ولمن لا يعلم فـ "بيروس" هو ملك أبيروس ومحارب باسل هزم الرومان ولكنه فقد جيشه، وهو صاحب القول الشهير في القرن الثالث قبل الميلاد "نصر آخر كهذا وعلينا السلام".هزم شارون حزب "العمل" المهزوم أصلا، وعزز قوة الليكود بنسبة كبيرة، وبذلك هزم نفسه بالدرجة الأولى. ففي ظل انحراف الجمهور نحو اليمين وانهيار قوى السلام، يقف شارون أمام كابوس تشكيل حكومة متطرفة ضيقة. فقد الوجاهة التي وفرها له حزب العمل كورقة تين لسياسة القوة والبطش التي انتهجتها حكومته (حكومة الوحدة السابقة)، حيث دافع عنه بيرس خلال جولاته حول العالم، في حين تحدث بنيامين بن إليعزر عن السلام وعمل كل ما رغب به شارون. ولعله من الصعب فهم كيف ترك شارون بن إليعزر يخرج من الحكومة بسبب حفنة قليلة من الأموال التي طلب الحصول عليها من ميزانية الدولة لأجل تحسين مركزه في الإنتخابات التمهيدية في حزب العمل.
الصعوبة في تقسيم الحقائب الوزارية في حكومة شارون القادمة تكبر كلما كبر حجم الحكومة: اذا كانت حكومة وحدة مع حزب "العمل"، كما يرغب شارون، فسيكون الصراع على توزيع الحقائب مريراً، والمتضررون منه كثيرين، واذا كانت هذه حكومة وحدة "علمانية"، مع "العمل" و "شينوي"، فسيكون الصراع على الحقائب الوزارية اصعب، واذا شكل شارون حكومة يمين ضيقة، او حكومة يمين مع "شينوي"، فسيكون وضعه اسهل.
تعود التعقيدات هذه المرة لعدة اسباب: منها ان شارون التزم بتقليص عدد الوزارات في الحكومة الى 18 وزارة، لكنه لم يلتزم بتقليص عدد الوزراء الى 18 وزيراً، ما يعي انه سيكون قادراً على تعيين عدد من الوزراء – ثلاثة او اربعة – بدون وزارة.
بدأت مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الاسرائيلية، التي ضمنت وجود "كتلة يمين مانعة" في البرلمان الاسرائيلي السادس عشر، الاتصالات والمشاورات الحزبية لتشكيل حكومة جديدة في اسرائيل، يرئسها، مرة اخرى، رئيس الوزراء الحالي ارئيل شارون.
ويتوقع العالمون بخفايا الامور ان تكون مهمة شارون الجديدة "الأصعب في حياته"، عندما سيحصل على تكليف من الرئيس الاسرائيلي موشيه قصاب بتشكيل حكومته الجديدة، بعد أن أكد قادة "العمل" بعد ظهور نتائج الهزيمة الانتخابية موقفهم الرافض للانضمام الى حكومة وحدة وطنية بقيادة شارون، وبنفس الخطوط العريضة التي سارت بموجبها حكومته الاولى.
يعتبر فوز شارون فريداً من نوعه، ليس لأنه أول رئيس وزراء ينتخب للمرة الثانية على التوالي منذ مناحيم بيغن، ولا لأنه فاز رغم الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي المخزيين. فمثل هذه الأمور حصلت في السابق. إنه إنجاز مميز لأن رئيس الوزراء يواجه فيه مشكلة سياسية عويصة بشكل منقطع النظير مع قسم من معسكره ذاته، فهو مدعو إلى "عدم ابتلاع" اليمين المتطرف وإلى عدم لفظ هذا اليمين في الوقت نفسه. تلك هي النتيجة العددية لما حدث في صناديق الإقتراع من مفارقة. فالغالبية أرادت زعيماً لا تؤيد غالبية الشعب مواقفه السياسية..
كتب: محمد دراغمة
استقبل الفلسطينيون الانتخابات الإسرائيلية الثلاثاء بكثير من الفتور لأنهم لم يتوقعوا أن تحمل لهم جديداً..
وقالت فتون قادري 25 عاماً موظفة من نابلس: غداً سيكون مثل اليوم، فلا جديد تحت الحصار وحظر التجول.
كتب محمد دراغمة:
لم تحمل قياسات الرأي العام الإسرائيلي في هذه الحملة الانتخابية الكثير من المفاجآت، لكن واحدة كانت كافية للدلالة على حجم الأزمة التي يعيشها هذه المجتمع، وهي تلك التي كشفت عن تفوق حرب العمل تحت قيادة شمعون بيرس، صاحب لقب الخاسر دوماً، على حزب الليكود بقيادة شارون، الموصوف بالرابح حتى في أسوأ الأحوال والظروف.
الصفحة 101 من 119