العنوان مكتوب على الحائط، والحروف آخذة في التشكل: أريئيل شارون يطبخ حكومة وحدة، خطوةً فخطوةً. حاليًا، كل التطورات تسير بحسب الخطة الأصلية، وربما أسرع منها بقليل. هكذا ستبدو الحكومة الجديدة: "الليكود"، "شينوي"، "العمل" و"المفدال". وكلما تقدمت المحادثات بين طومي لبيد زعيم "شينوي" وبين أيفي أيتام زعيم "المفدال"، كلما اتضح أن شارون سيعرض أمام عمرام متسناع ورفاقه حكومة من دون "حريديم"، لا يمكن أن يرفض "العمل" الانضمام إليها.
فوز أرئيل شارون في انتخابات الكنيست على رأس قائمة الليكود منحه ما يدحض به الكليشيه المألوفة: فرصة ثانية لترك انطباع الوهلة الأولى. فحتى الآن كان يترأس حكومة تستند إلى كنيست انتخبت مع إيهود باراك. والآن غدا وحده على القمة، ومسؤوليته جسيمة مثل الامتحان الذي يواجهه.
وجهة نظر إسرائيليةكانت الانتخابات الإسرائيلية في 28 كانون الثاني محورًا لمبادرتين مهمتين أحاديتي الجانب، إحداهما عربية، والأخرى إسرائيلية. وكلتاهما فشلتا في الظاهر. وفي الواقع فإن الانتخابات، في الجانب الإسرائيلي على الأقل، وفرت دواعي لتفاؤل حذر.
وجهة نظر إسرائيليةثمة صلة مباشرة بين الهجوم الأميركي المقبل في العراق والتدخل الدبلوماسي المصري الحثيث في المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية العنيفة التي بدأت قبل نحو ثلاثين شهرا. حاولت مصر إرغام الفصائل الفلسطينية المشاركة في الإرهاب ضد إسرائيل على هدنة من جانب واحد لا تكون مرتبطة بما تقوم به إسرائيل.
خلال الـ 26 شهرا الماضية عانت دولة إسرائيل من العنف، والاختناق الاقتصادي. وطلب رئيس الوزراء أرئيل شارون معونة عسكرية واقتصادية جديدة من الولايات المتحدة بمبلغ 12 بليون دولار لمساعدتها في مواجهة متاعب البلاد. إلا أنه غير مستعد للنظر في وقف تدفق الأموال التي تنفق بسخاء على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وغزة. وهي سياسة تبعثر ثروات إسرائيل، وتضعفها عسكريا، وتهدد مستقبل إسرائيل باعتبارها دولة ديموقراطية.وتؤيد حركة "السلام اليوم" الأمريكية منح إسرائيل المعونة المطلوبة باعتبارها ضرورية لتعزيز الدفاع الإسرائيلي في جيرة معادية، وتساعد على تنمية اقتصادها. بيد أنه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب حقيقة في إظهار إنشغالها على مستقبل إسرائيل وجب عليها الأصرار على شروط في منح المعونة ترغم إسرائيل على عكس سياستها الاستيطانية.
جيد انه من الصعب على شارون تشكيل حكومة على هواه وكما يريد. انه يريد توليفة واسعة، تقطر وحدة واتفاقاً، مزرعة مشتركة يقطن فيها الذئب والحمل. جيد ان هذا صعب عليه، لأنه في هذه المرة، أكثر بكثير مما كان قبل سنتين، سوف يضطر المنتصر الى الانحناء لكي يستطيع تربيع الدائرة السياسية ـ الحزبية. وسوف تتضح في الأسابيع المقبلة قدرة رئيس الحكومة على اثبات الادعاء القديم حول طاقته المخبوءة في المرونة والمناورة. حتى الآن، يدير شارون دفة الأمور بشكل غير سيء من جانبه. لكز اللغز لن يحل الا لاحقا.لا يوجد بحوزة شارون انتصار كبير فقط. انه يستطيع النظر الى ائتلاف آخر في أزمة. الخلاف بين أمريكا وأوروبا ـ من الصنف الذي تحول الى فصل هام في كتب التاريخ ـ يؤثر لصالحه. أية قوة ستتمتع بها منذ الآن مبادرات "مجموعة الأربعة"، تلك االنخبة الدبلوماسية التي حاولت غالبية مركباتها ـ باستثناء الولايات المتحدة ـ ممارسة الضغوط عليه في السنتين الأخيرتين؟ وأي ضغط أمريكي هو الذي على شارون أن يخشاه بينما ثلاثة أرباع هذه المجموعة ـ الاتحاد الأوروبي، روسيا والأمم المتحدة ـ معلق على خطوط الضغط العالي مع واشنطن؟ بوش، الغاضب على خيانة "اوروبا القديمة"، لم يكن حتى الآن مصدر ضغط حقيقي لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وطالما لم يسجل انجًازا في الحرب ضد صدام، وربما بعد ذلك أيضا، سيظل شارون في حل من ضغوطاته.
الصفحة 96 من 119