المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 2114

ثمة إدعاء يتردد كثيرا في هذه الأيام، وهو أن تعنت الفلسطينيين في موضوع تجميد البناء في المستوطنات إنما هو مجرّد محاولة لصرف الانتباه عن الموضوع الحقيقي الذي يتمحور حوله النزاع الإسرائيلي- العربي، وهو الاعتراف بالدولة اليهودية.

عدا عن السؤال هل حقا هذا هو الموضوع الحقيقي؟ ثمة سؤال آخر وهو: هل يشكل ذلك أصلا موضوعا في حد ذاته؟!

 

إن الاعتراف الوحيد المتبع بين دول العالم هو الاعتراف بشرعيتها في العيش والبقاء كدول. عندما قامت دولة إسرائيل، اعترف بها المجتمع الدولي باستثناء عدد من الدول العربية. في المقابل، ليست هناك أية دولة في العالم، ما عدا تركيا، تعترف بقبرص التركية، وما زلنا نذكر كيف حاول عدد من الأثرياء الإيطاليين الذين ملوا من دفع الضرائب، في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، إقامة دولة في قلب إحدى المدن في شمال إيطاليا، فاكتشفوا أن ما يسمح هناك للبابا محظور عليهم!

لقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية في الواقع بحق إسرائيل في الوجود في نطاق اتفاق أوسلو، كما أن مجرد إجراء مفاوضات للسلام من منطلق نية لإقامة دولتين، يشكل اعترافا إضافيا بأن إسرائيل هي دولة لها حق في الوجود، ومنذ العام 1993 لا خلاف بيننا وبين الفلسطينيين حول هذا الأمر. مع ذلك، هل هناك دولة في العالم "تعترف" بطابع دولة أخرى؟! هل هناك وزارة خارجية على وجه الأرض "تعترف" بإسبانيا كدولة "الشعب الإسباني"؟! هل ثمة من أحد "يعترف" بسكوتلندا كمكان وحيد يرتدي فيه الرجال التنانير في جلسات البرلمان، أم أننا جميعا ندرك ونعلم أن ذلك هو الواقع (وهو واقع مضحك بعض الشيء) حتى بدون أن نعترف بذلك؟! إن اعترافا بهذا المعنى لا وجود له في أي مكان على وجه الأرض. هذه ليست مهمة أية دولة أخرى أن تعترف بطابع أو صبغة تريد دولة إسرائيل أن تعطيها لنفسها، إنه موضوع إسرائيلي داخلي. وقد أجاد الرئيس أبو مازن حين صاغ ذلك بقوله "من جهتي سموا أنفسكم إن شئتم إمبراطورية صهيونية". ولعلها فكرة جيدة بالذات.

إذن، فإن "الاعتراف" في حد ذاته ليس بالأمر المهم، في المقابل فإن السلوك أو الممارسة العملية هما أمران مهمان جداً. وهذا ما نريد الوصول إليه في المفاوضات مع الفلسطينيين في نهاية المطاف. إذا لم يتنازل الفلسطينيون عن حق عودة لاجئي العام 1948 إلى إسرائيل فهل سيساعدنا أن "يعترفوا" بنا كدولة يهودية؟! أو لنقل، إذا لم يتنازلوا عن حق العودة هل يهمنا أو يعنينا ما يعترفون به وما لا يعترفون به؟!

ليست هناك علاقة بين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وبين الاستعداد لتقديم تنازلات. هل يمكن لأحد أن يبين، عدا عن الكلمات الفلسفية الغامضة وعديمة المعنى في عالمنا العملي، ما هي أهمية هذا الاعتراف، إذا ما تم التوصل لاتفاق حول جميع المواضيع والمسائل العملية؟! من الواضح أن رئيس حكومتنا ليس بالإنسان الغبي... فهو أيضا يدرك جيداً أنه لا أهمية على الإطلاق لاعتراف أو عدم اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، طالما أن هناك اتفاقا حول قضايا الحدود والأمن واللاجئين. إن السبب الحقيقي للإلحاح على هذا الموضوع هو الرغبة في التقليل سلفا من فرص المفاوضات في التوصل إلى تسوية. إن بنيامين نتنياهو، هكذا يبدو، يدرك الأهمية الحقيقية والوحيدة لموضوع الاعتراف بإسرائيل كيهودية، وهذه الأهمية تكمن في جبهة الرأي العام (الإسرائيلي). ربما يقبل الفلسطينيون بالتنازل فعليا عن حق العودة مقابل تعويضات ملائمة وكذلك بالنسبة للموافقة على تبادل أراض أو سكان.. في المقابل لن تستطيع الزعامة الفلسطينية أبداً الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، إذا ما كانت هذه الزعامة ترغب في البقاء في موقعها القيادي، تماما كما أنه في حال إقدام رئيس حكومة في إسرائيل على "الاعتراف" بالقدس الشرقية عاصمة أبدية للشعب الفلسطيني فإنه سيضطر إلى مغادرة مكتبه بسلام ليبدأ بتخطيط ما يريد أن يكتبه في مذكراته عن وزير دفاعه. ومثلما أن هذا الموضوع العديم القيمة يثير أصداء في الجانب الإسرائيلي، فإنه يثير أيضا أصداء معاكسة ومتناظرة في الجانب الفلسطيني.

وعلى ما يبدو فإن نتنياهو يريد أن يرسم لنفسه صورة زعيم شجاع من جهة ولكن من دون أن يثير حنق وغضب ائتلافه من جهة أخرى. فكيف يمكن القيام بذلك؟! بواسطة طرح شرط مسبق للمفاوضات ليست له أية أهمية، من جهة، ولكن لا يمكن للفلسطينيين القبول به من جهة أخرى، وهذا وضع سيكون الخاسرون الوحيدون فيه هم الإسرائيليون والفلسطينيون معًا.

ثمة أسباب كافية يمكن للمفاوضات أن تفشل من جرائها. ولذا من الأفضل التركيز على الأسباب التي توجد لها أهمية ما بالنسبة لحياتنا.

_______________________

 

(*) الكاتب هو بطل العالم في الجدل التنافسي للجامعات للعام 2010، ومدرب منتخب إسرائيل في الجدل التنافسي للشباب. المصدر: الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت". ترجمة خاصة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات