دخلت اسرائيل في الاسبوع الاخير حالة من الضغط النفسي والسياسي العام مع توارد الانباء حول "التصيم الامريكي" على ضرب العراق، وتداعيات ذلك وآثاره المحتملة على الساحة الاسرائيلية، التي تغلي انتخابيا هذه الايام كالمرجل.
وبينما تمحور العنوان الرئيسي للأخبار الانتخابية في مطلع الاسبوع في قرار المستشار القانوني لحكومة شارون شطب قائمة "التجمع الوطني الديمقراطي"، والعودة الى سياسة نزع الشرعية عن القيادات السياسية العربية في اسرائيل، احتلت – في الشارع اليهودي – قضية الفساد الحزبي عناوين الاخبار في مختلف وسائل الاعلام، التي تتابع على مدار الساعة ما يستجد على صعيد فضيحة الكراسي في "الليكود"، و "العبر" التي استخلصها منها ارئيل شارون، رئيس الحزب ومرشحه لرئاسة الحكومة القادمة.
وفي انتظار ما ستتمخض عنه مداولات "لجنة الانتخابات المركزية" الاسرائيلية بشأن طوفان طلبات الشطب المتبادل عشية اقرار القوائم، عندما ستجتمع يوم الاحد القادم للبحث في 15 طلبا من هذا النوع، يسعى رؤساء القوائم الانتخابية العربية الى استغلال هذا المنبر الرسمي الهام (وربما، لاحقا، منبر المحكمة الاسرائيلية العليا في حال صدور قرار بشطب "التجمع") لايصال رسالة "دولة كل مواطنيها" الى الرأي العام الاسرائيلي، من خلال التأكيد على عدم وجود تناقض بينها وبين الإقرار الرسمي بأن اسرائيل دولة "يهودية وديموقراطية".
ويُعوَّل هنا كثيرا على هذا الخط الاستراتيجي الذي تبلوره القيادات السياسية العربية بواسطة مجموعة من الخبراء والقانونيين العرب واليهود، في التصدي للالتماسات العشرة المقدمة الى لجنة الانتخابات المركزية ضدهم وضد قوائمهم. بهذه الطريقة سيحاول "التجمع" التغلب على المذكرة المتشددة التي قدمها الياكيم روبنشتاين الى لجنة الانتخابات المركزية ضده وضد رئيسه عزمي بشارة، المتهم بالدعوة الى الكفاح المسلح ضد اسرائيل، وبالتنكر للصبغة اليهودية لها. ويشار الى ان التماسات الشطب المقدمة في الاسبوع الماضي قالت ان القثوائم العربية الثلاث وقادتها، وكذلك رئيس "العربية للتغيير" احمد الطيبي، خالفوا تعليمات البند 7-أ من قانون اساس الكنيست، الذي يحدد ان "أي قائمة او مرشح سيلقون الشطب اذا كانت اهدافهما تأييد الارهاب او الكفاح المسلح ضد اسرائيل".
وتقول اوساط "عدالة"، المركز القانوني للدفاع عن حقوق العرب في اسرائيل، انهم يعتزمون طرح "السؤال الكبير عما اذا كانت فكرة دولة كل مواطنيها تمس بأسس الدولة في خانة كونها يهودية وديموقراطية؟". ويعتمد مركز "عدالة" في ذلك على الاجابة السلبية على السؤال التي اعطتها المحكمة العليا سنة 1996 وسيدعي في المرافعة ان "اسرائيل ملزمة بالاعتراف بصورة متساوية بحقوق العرب على الصعيد المدني وملزمة بالاعتراف ايضا بحقوقهم الجماعية وباللغة العربية والثقافة العربية وبالعرب كأقلية قومية".
* الشّطب، كبرنامج انتخابي!
على رغم هذه الثقة التي يتميز بها رد القوائم العربية على طلبات الشطب، الا ان هناك مخاوف حقيقية من ان يتحول هذا المطلب – شطب "التجمع" على الاقل – الى جزء من البرنامج الانتخابي لحزب "الليكود" في المعركة الحالية!
فهذا الحزب الذي خسر في الاستطلاعات خلال اسبوع ستة مقاعد محتملة في البرلمان القادم، بحاجة الى "معجزة" توقف التدهور الحاصل على شعبيته بسبب ما تكشف من قضايا الفساد، وكذلك نتيجة للجرف الحاصل في الرأي العام الاسرائيلي نحو "الوسط" كقطاع انتخابي كبير وهام يمثله هذه الايام حزب "شينوي".
لذلك لا تستبعد اوساط المحللين ان تنقلب رأسا على عقب نتائج استطلاعات الرأي العام التي تتوقع فوز الليكود في الانتخابات القادمة، وذلك في الايام الاخيرة على موعها المحدد – 28 يناير المقبل.
وقد توقع المعلق السياسي في "معريف" حيمي شليف في قراءته لنتائج استطلاعات الاسبوع الاخير، حدوث مثل هذا "الانقلاب"، خاصة وأن "الليكود" لا يتقدم الى هذه المعركة الانتخابية ببرنامج سياسي او انتخابي مختلف. وتوقف شليف عند النسبة العالية من مصوتي الاحزاب الكبرى في الاستطلاعات (ليكود، العمل وشينوي) الذين لم يعلنوا انهم سيصوتون لها بكل تأكيد ويكتب ان ثمة ما يستدعي قلق اقطاب "الليكود" في حال وسعت الشرطة من تحقيقاتها في ملف الرشاوى لتطال الكبار.. "ما يعني ان كل شيء ما زال مفتوحا".
في هذه الاستطلاعات قال 54% فقط من ناخبي "الليكود" انهم متأكدون تماما من تصويتهم للحزب.. "وهذا معناه ان مستوى تمثيل الحزب في الكنيست في اسوأ سيناريو بالنسبة له قد يهبط الى مستوى تمثيله في الكنيست الحالية – 19 مقعدا. فيما باقي المقاعد التي يحصل عليها في الاستطلاعات الحالية "مرنة" وقد تتحرك يسارا او يمينا.. فالامر رهن التطورات".
ولا يختلف الوضع بالنسبة لـ "العمل" و "شينوي"، علما بأن ثلث من اعلنوا انهم سيصوتون لحزب "شينوي" اكدوا انهم متأكدون من ذلك. وفي هذه النقطة يكتب حيمي شليف في "معريف": "ان تردد المصوتين، كما يفترض، هو وجه اخر لانعدام ثقة الجمهور بالجهاز السياسي، وليس هناك أي حزب يملك رصيدا ايجابيا يجعل ناخبيه يتراكضون نحوه من دون التفكير مرتين". في هذه الحالة، ومع انه بقي اقل من 35 يوما على الانتخابات، هناك اهمية مصيرية لسلوك الاحزاب حتى موعد الاقتراع ولمستوى نجاعة حملاتها الانتخابية التي بها ستخوض الانتخابات. لا يقل اهمية عن ذلك ما قد يستجد من احداث خارجية تفرض نفسها على الاجندة الانتخابية، فسخونة الجبهة العراقية، مثلا، قد تساعد "الليكود"، فيما التورط الاقتصادي – وكم بالحري: الجنائي – قد يعزز على نحو دراماتيكي من قوة "الجناح اليساري" على الخريطة الانتخابية. وعليه فان الحديث عن جمهور اسرائيل متعب لا اوهام لديه بل قناعة شبه راسخة بأن ما كان هو ما سيكون اما الحزب الذي ينجح في ايجاد السبيل الى قلب الاحباط القومي العام وبث وميض امل في نفوس الاسرائيليين فقد ينجح في كسب غلة – انتخابية - وافرة.
كل شيء متوقع في هذه الانتخابات، وليس مستبعدا ان يتوصل الاسرائيليون الى نتيجة قد تصعق الجميع.