وفقاً لآخر القراءات الإسرائيلية حول المحطة الراهنة التي وصلت إليها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما يمكن أن تؤول إليه في قادم الأيام، يمكن ملاحظة ما يلي:
أولاً، هناك اتفاق واسع على أن سلوك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ناجم قبل أي شيء عن مصلحته الشخصية والسياسية الضيقة من جهة، وعلى أن هذه المصلحة منفصلة تماماً عن حاجات إسرائيل في الواقع، من جهة أخرى. ولعلّ أكثر ما دفع في اتجاه هذا الاتفاق الواسع في أوساط المحللين الإسرائيليين هو موضوع صفقة التبادل التي من شأنها أن تؤدي إلى وقف الحرب، ولكنها ما زالت متعثرة، فقط بسبب الشروط التي يضعها نتنياهو، وكان آخرها ضرورة استمرار سيطرة إسرائيل على كل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا في منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر.
تصاعد في الفترة القليلة الفائتة خطر اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله على خلفية عدة تطورات مستجدّة، وكذلك في ظل الوضع القائم في منطقة الحدود مع لبنان والذي يقف في صلبه موضوع إخلاء عشرات ألوف الإسرائيليين من منازلهم في تلك المنطقة إلى أجل غير مسمى لم يتضح إلى الآن متى قد يحين. في الوقت عينه أظهرت استطلاعات للرأي العام في إسرائيل أن نحو 50 بالمئة منه يعتقدون أنه يتعين على إسرائيل أن تبادر بنفسها إلى خوض هذه الحرب لتغيير هذا الوضع القائم.
حدثت في الفترة القليلة الفائتة تطوّرات كثيرة في كل ما يتعلق بتداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى حرب استنزاف على عدة جبهات أبرزها الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان.
أعلن الوزيران في "كابينيت الحرب" الإسرائيلي بيني غانتس وغادي أيزنكوت أمس الأحد (9/6/2024) استقالتهما من حكومة الطوارئ الإسرائيلية التي أقيمت بعد اندلاع الحرب على غزة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي خطوة كانت مُقرّرة بالنسبة إلى غانتس منذ يوم السبت الماضي، لكنه أجّلها على خلفية قيام الجيش الإسرائيلي باستعادة 4 مخطوفين إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة، وهم أحياء.
(1) تتوقف آخر التحليلات الإسرائيلية بشأن الحرب المستمرة على قطاع غزة عند مستجدات كثيرة يصعب الإحاطة بها كافتها، وفي مقدمها الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة الفائت من أجل وضع نهاية للحرب من خلال التوصل إلى اتفاق يشمل صفقة تبادل أسرى، والتي يبدو أن الأضواء ستظلّ مسلطة عليها إلى حين معرفة المصير الذي ستؤول إليه في أرض الواقع.
وحرص مساعدو الرئيس الأميركي ومستشاروه على تأكيد أن خطته المعروضة هذه تستند إلى وثيقة تمت المصادقة عليها في "كابينيت الحرب الإسرائيلي" وبضوء أخضر من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ووفقاً لما أشار إليه المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم الاثنين (3/6/2024)، وهو ما أكده غيره من المحللين المختصين في الشؤون العسكرية والأمنيّة، فإن خطوة بايدن هذه ترمي إلى أن تضع أمام الرأي العام في إسرائيل ما وافق عليه نتنياهو في المحادثات التي تجري من وراء الكواليس من خلال وسطاء وبمشاركة فاعلة من الولايات المتحدة.
حمل الأسبوع الفائت مزيداً من المؤشرات إلى ما يصفه معظم المحللين في إسرائيل بازدياد تعقيد وضع إسرائيل سواء على المستوى العسكري أو في الساحة الدولية.
ومن بين المؤشرات المتعلقة بالساحة الدولية لا بد من التوقف عند اثنين منها:
الأول، القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي، يوم 24 أيار الحالي، والذي نصّ على أنه يجب على إسرائيل وقف هجومها العسكري على الفور وأيّ عمل آخر في محافظة رفح قد يُلحق بالجماعة الفلسطينية في قطاع غزة ظروفاً يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي، كلياً أو جزئياً. ويبدو أن الصيغة المستخدمة في القرار تسمح، حتى لإسرائيل، بتفسيرها بأنها تسمح لها بالقيام بالعملية العسكرية في رفح. كما أنه بحسب تفسير 4 قضاة في المحكمة، هذا الأمر لم يكن مباشراً وشاملاً بوقف العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، بل كان محدوداً يأمر إسرائيل بعدم انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في تلك العملية العسكرية.
الصفحة 3 من 45