المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1558
  • أنطوان شلحت

دلّ آخر تقرير صادر عن "مجلس التعليم العالي" في إسرائيل في مناسبة افتتاح السنة الدراسية في الجامعات ومعاهد التعليم العالي وكلياته على أنه بالرغم من أن نسبة النساء في الدراسة الأكاديمية على درجاتها كافة تبلغ أكثر من نصف مجموع الطلبة الجامعيين (نحو 60 بالمئة)، فإن ما توصف بأنها "قطبية جندرية" وخصوصاً في اختيار المواضيع والمهن الدراسية لم تتزحزح من الوضع الدائم الذي هي عليه منذ عدة أعوام. وهذا الوضع يقف في طليعة العوامل التي تتسبّب بتفاقم اللامساواة في سوق العمل نظراً إلى أن الطالبات، في أغلبيتهن، ما زلن يختَرْنَ دراسة مواضيع ومهن تتميز، منذ البداية، بالرواتب المتدنية نسبياً، مقارنة بالرواتب التي كان بإمكانهن الحصول عليها في قطاعات عمل أخرى كقطاع الهايتك مثلاً، حيث إن متوسط الأجور في هذا القطاع يعادل ضعفي متوسط الأجور في الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام.

ووفقاً للتقرير، تصل نسبة النساء الإسرائيليات من بين طلبة الدرجة الجامعية الأولى إلى نحو 58 بالمئة، ولكن نسبتهن في دراسة مجالات الهندسة على اختلاف تخصصاتها والفيزياء والرياضيات وعلوم الحاسوب تتراوح بين 30 و40 بالمئة فقط، في حين أن نسبتهن في دراسة

مجالات التربية والتعليم والمهن الطبيّة المساعدة مثل التمريض تصل إلى نحو 80 بالمئة، كما أن نسبتهن في دراسة مجالات العلوم الاجتماعية والبيولوجيا تصل إلى نحو 70 بالمئة. ولعل النسبة المتساوية الوحيدة بين الذكور والإناث هي في دراسة مجالات الحقوق والطب والزراعة.

وفيما يخص طلبة الدرجة الجامعية الثانية، تصل نسبة النساء الإسرائيليات إلى نحو 63 بالمئة، ولكن نسبتهن في دراسة مجالات الهندسة على اختلاف تخصصاتها والفيزياء والرياضيات وعلوم الحاسوب تتراوح بين 25 و30 بالمئة، في حين أن نسبتهن في دراسة مجالات التربية والتعليم والمهن الطبيّة المساعدة مثل التمريض تصل إلى نحو 85 بالمئة.

وتصل نسبة النساء الإسرائيليات في صفوف طلبة الدرجة الجامعية الثالثة إلى نحو 54 بالمئة، ولكن نسبتهن في دراسة العلوم الدقيقة ضئيلة جداً (أقل من الثلث)، في حين أن نسبتهن في دراسة مجالات التربية والتعليم والمهن الطبيّة المساعدة مثل التمريض والعلوم الاجتماعية تصل إلى أكثر من الثلثين.

بالإضافة إلى ذلك فإن نسبة النساء اللاتي يدرسن في كليات أعلى من نسبة النساء اللاتي يدرسن في الجامعات. ونسبة النساء الإسرائيليات في الكليات تظل مرتفعة حتى في حال استثناء الكليات المتخصصة في تدريس التربية والتعليم. وتصل نسبة النساء الإسرائيليات اللاتي يدرسن المهن الطبية المساعدة في الكليات إلى 91 بالمئة، بينما تصل نسبتهن في كليات التربية والتعليم إلى 93 بالمئة.

ويشير التقرير إلى ارتفاع عد النساء العضوات في سلك التدريس الجامعي الرفيع في مؤسسات التعليم العالي غير أنه في الوقت عينه تنخفض نسبتهن في المراتب العليا لهذا السلك، فبينما تشكل النساء نصف أعضاء سلك التدريس من ذوي رتبة محاضر في الجامعات والكليات فهنّ يشكلن أقل من خُمس سلك التدريس من ذوي لقب بروفيسور.

ينضاف هذا التقرير إلى كمّ يصعب حصره من التقارير التي تتناول بصورة دورية معطيات مستجدة تتعلق بمؤشرات تُبيّن حالتي اللامساواة والقطبية الجندريّة في إسرائيل، ونتوقف عندها بين الفينة والأخرى. وتبرز من بين هذا التقارير تلك التي تصدر عن وزارة المالية وكان آخرها قبل فترة وجيزة وتطرّق من بين ما تطرّق إليه من أمور إلى موضوع انخفاض عدد النساء العاملات في قطاع الهايتك الإسرائيلي. وعزا التقرير ذلك إلى سبب مركزي هو العدد المتدني من النساء اللاتي يخترن دراسة المواضيع العلمية ذات العلاقة والأهمية الضرورية للانخراط في الصناعات المتقدمة عموماً، والهايتك خصوصاً، وفي مقدمتها بالطبع: علوم الحاسوب والرياضيات والهندسة والفيزياء. وأكثر ما شدّد التقرير عليه أن الفجوات، بين الرجال والنساء، تبدأ بالتكوّن في مرحلة الدراسة الثانوية لكنها تتعمق وتتفاقم حدتها في أطر التعليم العالي المختلفة، من جامعات ومعاهد عليا وكليات أكاديمية. وبناء على ذلك تكون النتيجة المباشرة استمرار حالة اللامساواة في حين أن النتيجة الأبعد مدًى هي موضعة المرأة، بصورة مسبقة البرمجة، في موقع ثانوي إن لم يكن في هامش المجتمع.

كما تنهي وزارة المالية تقريرها هذا بالتشديد على أنه بالرغم من الزيادة الواضحة والكبيرة نسبياً، التي حصلت في نسب مشاركة النساء في قوة العمل وسوق العمل خلال العقود الثلاثة الأخيرة على نحو خاص، فإنه لا تزال ثمة فجوات عميقة وفوارق كبيرة في الأجور ما بين النساء والرجال، في مختلف القطاعات والفروع الاقتصادية في إسرائيل. وقد بلغ متوسط الفرق بين أجور الرجال وأجور النساء نحو 3700 شيكل بالمعدل!

لا شكّ في أن مثل هذه التقارير تثبت من باب أوليّ مبلغ ترسخ التقسيمة الطبقية المتسقة إلى درجة كبيرة مع القطبيّة الجندرية، فضلاً عن أنها تنطوي على ما ينسف الرواية الإسرائيلية الذاهبة إلى أن دولة الصهيونيّة محت هذه القطبيّة ووحّدت الجميع في مسار تقدّم مُوحّد.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات