المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
جدعون ساعر أثناء إطلاق حملته لقيادة حزب "الليكود" في تل أبيب - 16 ديسمبر 2019 - AFP
جدعون ساعر أثناء إطلاق حملته لقيادة حزب "الليكود" في تل أبيب - 16 ديسمبر 2019 - AFP
  • كلمة في البداية
  • 1222
  • أنطوان شلحت

لعلّ أفضل توصيف يمكن أن يصادفه المتابع لكمّ التحليلات الإسرائيلية حيال الغاية الواقفة وراء خطوة الانشقاق عن حزب الليكود الحاكم، التي أقدم عليها عضو الكنيست جدعون ساعر، الأسبوع الفائت، هو التوصيف التالي: "تحرير إسرائيل من إمساك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بخُنّاقها".  ولكن في الوقت عينه سرعان ما أثبتت خطوة ساعر هذه، على الأقل وفقاً لنتائج أحدث استطلاعات الرأي العام، أنه حتى في حال النجاح في تحقيق هذه الغاية فإن هدف التحرّر من إمساك اليمين بُخنّاق إسرائيل ما زال بعيد المنال، بل إنه غير مطروح أصلاً.

بناء على ذلك، لا بُدّ لنا من تكرار أن بقاء نتنياهو في سدّة الحكم أو إزاحته منها ما زالا المسألة الأقل أهمية في سياق التعاطي مع خصائص الوضع الإسرائيلي القائم الآن، وما يُحيل إليه بالنسبة للصراع مع دولة الاحتلال. يبقى الأمر الأهم كامناً في التغيرات التي تخضع لها هذه الدولة ونظامها السياسي في ظل هيمنة اليمين، وكيف يجري إقرار جوهر سياستها الخارجية عالمياً وإقليمياً، بتأثير هذه التغيرات من جهة، وارتباطاً بالتحولات الطارئة في العالم والإقليم من جهة أخرى مكملة وموازية.

على صلة بالوضع الإسرائيلي القائم وبالتحولات الإقليمية والعالمية، يمكن أن نشير إلى تطورين برزا في الأيام القليلة الفائتة، يرتبط الأول بقيام المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة التي اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية؛ فيما يرتبط الثاني بإعلان ثاني دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، هي تشيكيا، عن قرارها افتتاح بعثة دبلوماسية لها في مدينة القدس، بعد هنغاريا.

ومع أن نتنياهو يتمنى في قرارة نفسه، أكثر من أي شيء آخر، أن تساعده مثل هذه التطورات في البقاء بالرغم من تقديمه إلى المحاكمة بشبهة ارتكاب مخالفات فساد، إلا إنه في الوقت ذاته يعوّل عليها بأن تساهم أيضاً في الدفع قدماً بسياسته حيال قضية فلسطين، كما لا ينفك يصرّح، متباهياً بنجاح السياسة التي يتبعها في قطف ثمار التحولات العالمية والإقليمية لصالح تأييد الاستمرار في التنكّر لحقوق الشعب الفلسطيني. وما عاد سرّاً أن علاقات إسرائيل مع اليمين المتطرّف في أوروبا تتمحور حول صيغة مركزية قوامها مساهمة أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية وزعمائها في "تبييض الاحتلال والمستوطنات"، في مقابل إسباغ إسرائيل الشرعية على عنصرية هذه الأحزاب وعلى ممارساتها القومجية المتعصبة.

ما نستطيع قوله هو أن الأنظار في إسرائيل ستبقى متجهة في الفترة القريبة المقبلة نحو ما ستؤول إليه خطوة انشقاق ساعر عن الليكود، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الحالة السياسية الراهنة، والقائمة منذ فترة طويلة، تشي ليس فقط بعدم وجود خطاب سياسي مناقض لخطاب اليمين حيال القضية الفلسطينية بل كذلك بعدم وجود معارضة حقيقية منافسة لهذا اليمين.

في هذا الصدد ربما يجدر بنا أن نستعيد رؤية سبق أن عبّر عنها المؤرخ الإسرائيلي يغئال عيلام قبل عدة أعوام، وأكد فيها أن معظم المقاربات التي تقدم تفسيرات لمسألة صعود اليمين في إسرائيل ومواصلته الحكم على مدى عشرات الأعوام لا تضع يدها على الجذور الحقيقية لهذه المسألة. ومما كتبه في حينه أنه لا استعلاء النخب القديمة، ولا تجاهل الثقافة الشرقية، هما اللذان أديا الى أفول ما يُسمى بـ"اليسار"، ولا حتى التمييز والغبن على أساس اجتماعي، لافتاً إلى أنه حان الوقت للاعتراف بحقيقة أن "هذا الشعب (الإسرائيلي) كان يمينياً في أساسه. ومنذ البداية كان يتبنى فكراً يقول إنه شعب مختار، وحيد وفريد، لا تنطبق عليه القواعد الإنسانية العامة. وفقط في الأزمنة الصعبة عندما كان أقلية تمسك بالفكر اليساري، الكونيّ في جوهره، كي ينال الدعم في العالم المتنور ويضمن بقاءه". وبرأيه فإن الدعوات التي توجه في الآونة الأخيرة إلى "معسكر اليسار" لبذل كل جهد من أجل استعادة الحكم، مثيرة للشفقة. فما المعنى من تغيير القيادة الإسرائيلية الحالية إذا كانت مناسبة لهذا الشعب في هذا الزمن بتطابق تام؟ وما المعنى إذا كان "اليسار" لهذا الغرض مطالباً بأن يتخفى في هيئة اليمين وبأن يتبنى سياسة حكومة اليمين القائمة؟ فاليمين يفعل هذا بطريق مباشر وطبيعي، ولن ينجح "اليسار" أبداً في أن يمثل تلك السياسة بصدقية أفضل من اليمين الحاكم.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات