المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية
  • كلمة في البداية
  • 56
  • أنطوان شلحت

يؤكد تقرير موثق نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم الاثنين (13/1/2025) بقلم مراسلها لشؤون الاستيطان في أراضي 1967، إليشع بن كيمون، بعنوان "الاستيطان في مسار سريع: أسلوب سموتريتش لتسريع وتيرة البناء في الضفة الغربيّة"، أنه منذ تولي الحكومة الإسرائيلية الحالية مقاليد الحُكم في نهاية العام 2022 تشهد الضفة الغربية أكبر حركة استيطان فيها منذ بدايات حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية العام 1974.

ووفقاً للتقرير فإنه منذ بداية كانون الأول الفائت (2024) يجري على نحو أسبوعي الدفع قدماً بمخططات إقامة عشرات ومئات الوحدات السكنية في المستوطنات صوب مراحل المصادقة النهائية عليها بغية الانتقال إلى مرحلة التنفيذ. وتعمل مديرية خاصة أنيطت بها مهمة المصادقة على هذه المخططات أنشأها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي هو وزير ثان في وزارة الدفاع، وتتولى المسؤولية عن البناء في المستوطنات، على تأسيس جهاز خاص يصدر رخص بناء بوتيرة أسبوعية، في حين أن استصدار رخص كهذه كان يستغرق في الماضي أشهراً طويلة.

ويكشف التقرير ذاته عن أنه خلال الأسابيع الستة الأخيرة فقط تم الدفع قدماً بخطط إقامة 2377 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الأراضي المحتلة منذ 1967 من جانب مجلس التخطيط الأعلى، وخلال يوم الأربعاء الماضي وحده جرى تحويل خطط إقامة نحو 440 وحدة سكنية جديدة إلى مراحل المصادقة المتعددة عليها.

وإزاء ذلك يجدر أن نعيد إلى الأذهان بهذا الشأن من ضمن ما سبق أن نشرناه في إطار "مركز مدار" ما يلي:

أولاً، منذ أن أدّت الحكومة الإسرائيلية الحالية (الحكومة الـ37) اليمين الدستوريّة في أواخر كانون الأول 2022، وإلى حين عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول 2023 وبداية الحرب في قطاع غزة، تركز النقاش والخطاب العام في إسرائيل حول ما عرف باسم خطة "الإصلاحات القانونية" التي تروّج لها الحكومة، والتي رأت فيها المعارضة أنها بمثابة انقلاب قانوني. غير أن منظمات حقوقية إسرائيلية أكدت أنه إلى جانب هذا الانقلاب القانوني المُعلن، كان يجري أيضاً ما وصفته بأنه "انقلاب صامت آخر" هو انقلاب ضم مناطق من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، وهو "الانقلاب الهادف إلى تغيير طابع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية"، كما جاء في تقرير مشترك صدر في تموز 2024 عن 4 جمعيات، وتمحور حول تفصيل التغييرات الهيكلية والقانونية وكيف تُترجم ميدانياً.

وشدّد التقرير على أن الحكومة الإسرائيلية تعمل بشكل منهجيّ ومُنظم لتنفيذ استراتيجية مصممة لتحقيق رؤية سياسية هي عبارة عن فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، أي ضمّها، إلى جانب إنشاء واقع الأبارتهايد الذي يرسّخ التفوّق اليهوديّ ودفع الفلسطينيين القاطنين في المنطقة صوب حيّز جغرافي محدود ومقلّص قدر الإمكان.

وأشير في التقرير إلى أن العديد من الخطوات التي اتخذتها الحكومة تغيّر وجه الضفة الغربية وهيكل السيطرة الاسرائيلية فيها، وذكر في هذا السياق ما يلي: تعيين وزير المالية بتسلئيل سموتريش كوزير إضافي في وزارة الدفاع ونقل صلاحيات واسعة إليه من قيادة الجيش الإسرائيلي؛ تخصيص ميزانيات ضخمة لتوسيع المستوطنات وتحسين البنية التحتية وجودة الحياة؛ شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية؛ الإعلان عن تخصيص أراضي دولة ومحميات طبيعية لتوسعة المستوطنات؛ غضّ الطرف عن عنف المستوطنين وعدم إنفاذ القانون؛ إساءة معاملة مجتمعات وجماعات فلسطينية مما يؤدي ويدفع إلى تهجيرهم قسراً من منازلهم.

وفي الخلاصة التي توصل إليها التقرير جاء ما يلي: "تنزع الحكومة الإسرائيلية الحالية القناع الذي اعتمرته الحكومات الإسرائيلية السابقة حتى الآن أمام العالم. وقد صوّر هذا القناع إسرائيل لأعوام طويلة كما لو أن حكمها وسيطرتها على الأراضي المحتلة يفيان بالالتزامات القانونية السارية عليهما في أراضي الضفة الغربية، وكما لو أن قراراتها خاضعة إلى مراجعة قضائية من طرف المحكمة العليا. الآن، تسعى سياسة الحكومة علناً إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية ومأسسة الفوقية اليهودية في الضفة الغربية".

ثانياً، تحتاج الخطوة الأخيرة التي ذكرها التقرير في إطار تعداد الخطوات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية من أجل تغيير وجه الضفة الغربية وهيكل السيطرة الاسرائيلية فيها (خطوة إساءة معاملة السكان الفلسطينيين) إلى وقفة موسعة خاصة في سياق آخر، ولا سيما في ضوء تواتر التصريحات التي تصدر عن وزراء إسرائيليين في هذا الصدد وتدعو إلى ما هو أشد أدهى من الإساءة. وكان آخر هذه التصريحات إشارة سموتريتش، خلال لقاء عقده مع قادة المستوطنين في الضفة الغربية يوم الثلاثاء الماضي، إلى أنه وضع خطة من شأنها أن تجعل البلدات والمدن الفلسطينية الفندق ونابلس وجنين تبدو كما لو أنها جباليا في شمال غزة، حتى لا تتحول مدينة كفار سابا في وسط إسرائيل إلى مستوطنة "كفار عزة" في منطقة الحدود مع غزة، على حد تعبيره. وأكد الخبير الحقوقي الإسرائيلي إيتاي ماك أن دعوات سموتريتش المتكررة إلى محو قرى وبلدات فلسطينية، والتي بدأها بعد فترة وجيزة من تسلمه مهمات منصبه الوزاري بدعوته إلى محو بلدة حوارة عبر تشديده على أن من واجب دولة الاحتلال أن تتبنى بنفسها ارتكاب مثل هذه الجرائم وأن تضع حدّاً لما وصفه بأنه  "خصخصتها"، تشبه التحريض الذي أدّى إلى ارتكاب إبادة جماعية ضد عرق الروهينجا في ميانمار (بورما سابقاً)، وإلى ارتكاب إبادة جماعية ضد التوتسي في رواندا ("هآرتس"، 13/1/2025).

ثالثاً، مثلما ذُكر سالفاً قامت الحكومة الإسرائيلية، في أيار 2024، بنقل السيطرة على إدارة مناطق الضفة الغربية من الجيش إلى أيدي المستوطنين من خلال تعيين نائب لرئيس الإدارة المدنية يكون تابعاً لوزير المالية الإسرائيلي سموتريتش الذي هو وزير ثان في وزارة الدفاع ومستوطن في أراضي 1967، وأعربت أكثر من جهة قانونية في إسرائيل عن اعتقادها بأن هذا النقل ينطوي على ما يمكن اعتباره بمثابة انتقال من حالة الاحتلال العسكري المؤقت إلى حالة ضم مدني دائم. فبهذا التعيين ستكون للمستوطنين سيطرة تامة على مسائل البناء في المستوطنات، وعلى مسألة هدم منازل الفلسطينيين، إلى جانب ضمان مبالغ هائلة من الميزانية الأمنية من أجل حراسة المستوطنات.

رابعاً، يتمثّل الهدف من هذه الخطوة، حسبما أعلن سموتريتش نفسه، في إحباط فرصة إقامة دولة فلسطينية بصورة نهائية. وقال سموتريتش في تسجيل صوتيّ نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية (نهاية تموز 2024): "إن هذا الأمر هائل جداً. ومثلُ هذه التغييرات سوف تغيّر الشيفرة الوراثية للنظام"، كما أكد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على عِلم بالخطة، ويتعاون معها بصورة تامة.

خامساً، منذ ثلاثة أشهر لفت ليئور عميحاي، المدير العام لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، إلى أنه في الوقت الذي يراقب سكان إسرائيل تطوّرات الحرب في قطاع غزة، تقود الحكومة البلد، بصمت وبإصرار، نحو الهاوية في إحدى الجبهات التي يقلّ الحديث عنها، وهي جبهة الضفة الغربية. وأضاف أنه إلى جانب قضايا الأسرى، والحرب في قطاع غزة، وفي الشمال، وعشرات الآلاف من النازحين، باتت المهمة المركزية للحكومة خلال العام الماضي واضحة، وهي ضمّ أراضي الضفة وتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية مسيانية.

وفي قراءة عميحاي، هذه هي نتيجة الصفقة السياسية التي تتيح بقاء الائتلاف الحكومي الأكثر يمينيةً في تاريخ إسرائيل، حيث يحصل اليهود الحريديم على إعفاء من التجنيد، ويحصل بنيامين نتنياهو وحزب الليكود على السلطة (في الوقت الذي يتم تدمير الديمقراطية)، ويحصل اليمين الاستيطاني المتطرف على قرار ضمّ الضفة الغربيّة على طبقٍ من ذهب ("هآرتس"، 14/10/2024).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات