تصادف هذه الأيام ذكرى مرور عقد بالتمام والكمال على انتخابات الكنيست الـ19 التي جرت يوم 22 كانون الثاني 2013، وتأدّى عنها تأليف حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة (الحكومة الإسرائيلية الـ33) والتي قامت بأداء اليمين الدستورية يوم 18 آذار 2013 واستمرت ولايتها حتى 14 أيار 2015.
وعلى أعتاب تلك الانتخابات أكدنا في "المشهد الإسرائيلي" أنه بالرغم من أنه يصعب اعتبار المستوطنين في الأراضي المحتلة منذ 1967 ظاهرة عابرة أو غير مألوفة في الحياة السياسية العامة في إسرائيل، نظراً إلى حقيقة أن الاستيطان ونهب الأرض الفلسطينية كانا ولا يزالان جوهر مشروع الحركة الصهيونية ولبّه منذ تأسيسها، إلا إن تصاعد مكانتهم ونفوذهم في سياق معركة الانتخابات الإسرائيلية المذكورة ربما كان بمثابة السمة الأبرز خلالها، والتي لا بُد من أن تطبع بميسمها مرحلة ما بعد تلك الانتخابات.
ولم ينعكس تصاعد نفوذهم هذا آنذاك، في اتساع شعبية حزب "البيت اليهودي" (بزعامة نفتالي بينيت) وفي علو مكانته فحسب، وإنما انعكس أيضاً في تعزيز سيطرتهم على حزب الليكود الذي أصبح "أكثر استيطانياً" بلغة أحد المعلقين، ونجاحهم في احتلال مرتبات متقدمة في قائمة "الليكود- بيتنا" (بين حزبَي الليكود و"إسرائيل بيتنا")، وفي واقع فرض التماهي أو التعاطف مع أجندتهم على جميع الأحزاب الصهيونية.
ونوهنا بأنه يكفي لإثبات ذلك التماهي والتعاطف قراءة بعض وقائع متعلقة بهذا الشأن شفّـت عنها المعركة الانتخابية، مثل:
- قيام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يوم 9 كانون الثاني 2013، بجولة في البؤرة الاستيطانية "رحيليم" التي صادقت الحكومة على تحويلها إلى مستوطنة دائمة، وُصفت بأنها أول جولة يقوم بها خلال ولايته الثانية في رئاسة الحكومة خارج "الكتل الاستيطانية الكبرى" في الضفة الغربية. وقد أعلن خلالها أن تعزيز قوة تحالف "الليكود - بيتنا" في الانتخابات سيتيح له إمكان القيام بمزيد من المناورات في كل ما يتعلق بضمان مستقبل المستوطنات في الضفة الغربية.
- المحاولات المتكرّرة لزعيمة حزب العمل في ذلك الوقت، شيلي يحيموفيتش، الرامية إلى منافسة الليكود في تأييد المستوطنين، وفي تقديم الميزانيات المالية لهم. وقد بدأت بهذه المحاولات في أثناء حملة الاحتجاج الاجتماعية التي شهدتها إسرائيل خلال صيف 2011، حين قالت في مقابلة صحافية أدلت بها إلى صحيفة "هآرتس" إنها لا ترى أن المشروع الاستيطاني يعتبر خطيئة أو جرماً، وأنه في حينه كان هناك إجماع مطلق من حول ذلك، وأن من نهض بالاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 هو حزبها- حزب العمل- وهذه حقيقة تاريخية. ورفضت الادعاء القائل إن سبب تدهور الأوضاع الاجتماعية - الاقتصادية وغياب دولة الرفاه في إسرائيل يعود إلى رصد ميزانيات وموارد هائلة للاستيطان في الأراضي المحتلة.
- اختيار زعيم حزب "يش عتيد" ("يوجد مستقبل") يائير لبيد أن يطلق حملته الانتخابية من جامعة "أريئيل" التي أقيمت في المستوطنة التي تحمل الاسم ذاته.
- أما مقدار تأييد رئيسة حزب "هتنوعا" (الحركة) ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني للمستوطنين فكان معروفاً، بحيث لا يحتاج إلى عناء الإثبات.
على صعيد آخر، أظهر استطلاع للرأي العام أجراه "معهد بانيلـز" وشمل 591 شخصاً بالغاً يشكلون عينة تمثل جميع فئات السكان في إسرائيل، وتم عرضه خلال مؤتمر "منتدى اختيار ميزانية ذات طابع اجتماعي" الذي عقد يوم 14 كانون الثاني 2013، أن نحو 64 بالمئة من الإسرائيليين أكدوا أن الميزانية المخصصة للبناء في مستوطنات الضفة الغربية هي التي يجب إجراء أكبر تقليص فيها من أجل مواجهة العجز المالي المتراكم في الميزانية العامة للدولة. غير أن هذا الميل ظلّ بعيداً عن التأثير في المواقف العامة للأحزاب الإسرائيلية كلها، إذ إن آخر تقرير صادر عن حركة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان على أعتاب انتخابات 2013، بيّن أن عدد الوحدات الاستيطانية التي أقرت حكومة نتنياهو إقامتها في العام 2012 ازداد بأربعة أضعاف عما أقرت إقامته في العام 2011. وبالأرقام، أشار التقرير إلى أن حكومة نتنياهو صادقت في ذلك العام على خطط تقضي بإقامة 6676 وحدة استيطانية أغلبها شرقي الجدار الفاصل، مقارنة بـ 1607 وحدات صودق عليها في العام 2011، ومئات الوحدات التي صودق عليها في العام 2010.
لدى قراءة هذه الوقائع منذ عقد كتبنا في مجرى استحصالها ما يلي: لا شك في أن هذا الواقع الذي ينطوي على مثل هذه الوقائع، يطرح عدة أفكار فيما يتعلق بطبيعة مرحلة ما بعد انتخابات 2013 في الساحة السياسية الإسرائيلية، لعل أكثرها أهمية فكرة أن "الخلافات" بين الإسرائيليين إزاء مستقبل الأراضي المحتلة منذ 1967 قد حُسمت لمصلحة المستوطنين، وأن نُذُر هذا الحسم قد بدأت تلوح منذ تنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة في خريف 2005. وينبغي أن نعيد التذكير في هذا الصدد بأن عدداً من المحللين في إسرائيل أشار، بالتزامن مع تنفيذ تلك الخطة، إلى أن رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، بوصفه أباً روحياً وعملياً لمفهوم الانفصال، كان مدركاً على نحو جيّد أن هذه "الخلافات" قد حُسمت آنذاك لمصلحة المستوطنين، ولذا فإنه بواسطة إبراز الصعوبة الكبيرة التي واجهت عملية إجلاء عدة آلاف من المستوطنين في قطاع غزة أظهر للعالم كله الصعوبات الأكبر التي من المتوقع مواجهتها في حال الإقدام على عملية إجلاء تشمل أعداداً تفوق عدد أولئك المستوطنين بعشرين ضعفاً وربما أكثر (ويقصد هؤلاء المحللون المستوطنين في أراضي الضفة الغربية).
وتابع محللون آخرون القول: لا شك في أن معظم الإسرائيليين على استعداد للتسليم بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، غير أن الدولة التي يقصدونها لا تختلف كثيراً عن السلطة الفلسطينية الحالية، سواء من الناحية الجغرافية، أو من الناحيتين السياسية والعسكرية. ويجوز أن أكثر ما يدل على هذا القصد هو أن أقلية من بين الإسرائيليين وفقاً لاستطلاعات الرأي العام تؤيد إجلاء مئات ألوف المستوطنين من الضفة الغربية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قواعده العسكرية في غور الأردن، وترسيم خط حدودي جديد في القدس، وتحويل المناطق (المحتلة) إلى بلد يستوعب مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين وخصوصاً من مخيمات لبنان.
ولدى استشراف ما يمكن أن تسفر عنه تلك الانتخابات أشير إلى أنه سواء نجح نتنياهو، بعد ظهور النتائج، في أن يشكل حكومة يمينية صرفة، أو في أن يشكل حكومة تكون مطعمـة بحزب واحد أو أكثر من معسكر الوسط، فإنه سيبقى أسيراً في يد "حزبه الجديد"، وفي قبضة حلفائه الطبيعيين الذين تصاعد نفوذ المستوطنين بين صفوفهم بصورة غير مسبوقة.
كما يجب الإشارة إلى أن تلك المعركة الانتخابية لم تكن ضنينة بتحليلات إسرائيلية حاولت أن تستشرف، بكفاءة ملفتة، ما يمكن أن يترتب عليها من تغيرات ذات مغزى ارتباطاً بما تقدّم، وكان أبرزها التحليل الذي رأى أن إسرائيل ستكون عرضة إلى ما وصف بانه "احتلال جديد" آخر عدا احتلال 1967، هو "احتلال سياسي"، ويهدف بالأساس إلى سلب الإسرائيليين "القدرة على إنهاء الاحتلال السابق، والذي كان الهدف الرئيس منه هو سلب الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، وفي إقامة دولته المستقلة".
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, هآرتس, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, شيلي يحيموفيتش, يائير لبيد, نفتالي بينيت