تعتبر نهاية كل عام مناسبة للعديد من المؤشرات والإحصائيات بما في ذلك التي تظهر أبعاد التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في إسرائيل والذي يتغذّى على سلطة تؤمن بعسف الأغلبية وعنفها، وبحرمان الأقلية من التمتع بحقوقها الأساسية كأفراد، وبمنعها من ممارسة ثقافتها وحقوقها الجماعية.
ومن هذه المؤشرات اخترنا أن نتوقف هنا عند مؤشر "جودة الحياة في إسرائيل" الذي يفضح هذا التمييز عبر الإشارة إلى ما ترتّب على تراكماته من فجوات بين العرب واليهود على مدار الأعوام في مجالات الحياة كافة. ومن نافل القول إن هذا النمط الممنهج من التمييز هو ما دجّج ولا يزال يدجّج سيل القوانين العنصرية والسياسات التمييزية، ناهيك عن وضع الأسس لنشوء أجواء عامة في إسرائيل تسود فيها ثقافة عنصرية قائمة على إقصاء الآخر وتكريس دونيته وإنكار حقوقه الجمعية والفردية.
وقد أشارت معطيات "مؤشر جودة الحياة في إسرائيل" للعام 2021، التي نشرها المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء يوم 16 كانون الثاني الحالي، إلى تلك الدونية، عبر إشارتها إلى استمرار اللامساواة بين السكان اليهود والعرب في جميع المستويات.
وبحسب التقرير الموسّع الذي نشرته صحيفة "دافار" الإلكترونية الناطقة بلسان نقابة العمال العامة (الهستدروت) حول تلك المعطيات، بلغ متوسط دخل السكان العرب في إسرائيل العام 2021 ما يعادل 35% من متوسط الدخل بين اليهود. كما أن متوسطالعمر المتوقع بين الرجال العرب أقل بخمسة أعوام من متوسط العمر عند الرجال اليهود، بينما لدى المقارنة بين النساء العربيات والنساء اليهوديات تبلغ الفجوة أربعة أعوام لمصلحة هذه الفئة الأخيرة.
وتعكس المعطيات، مثلما أسلفنا، وضعاً من انعدام المساواة بين المجتمعين في سلسلة من المجالات، بما في ذلك الصحة، والاقتصاد، والتحصيل العلمي، وفرص العمل، والأمن الشخصي.
وفقاً للمعطيات، بلغ معدل العاملين من مجمل السكان العرب 39.4% العام 2021 مقابل 63% بين مجمل السكان اليهود. وعلى الرغم من نسبة التشغيل المنخفضة، تظهر المعطيات انخفاضاً طفيفاً في معدلات البطالة طويلة الأمد بين العرب: من 27.6% العام 2018 إلى 26.6% العام 2020، مقارنةً باليهود الذين سُجّل بينهم ارتفاع ملحوظ في التشغيل في تلك الأعوام: من 19.5% إلى 31.2%. وبلغ متوسطدخل الأسرة الواحدة بين اليهود 18042 شيكلاً شهرياً مقابل 11811 شيكلاً بين العرب، أي بفارق 34.6%.
بالنسبة إلى مجال الأمن الشخصي، كان معدل حالات القتل في العام 2020 بين السكان العرب أعلى بكثير مما هو بين السكان اليهود. كما أن نسبة النساء العربيات اللاتي قُتلن أعلى بـ 7.5 مرة: 1.5 لكل 100000 امرأة مقابل 0.2 بين النساء اليهوديات. ومعدل القتلى من الرجال العرب أعلى من اليهود بـ 10 مرات: 7.6 لكل 100000 مقارنة بـ 0.7 بين اليهود. الصورة مشابهة أيضاً في حوادث الطرق: 5.6 من كل 100000 عربي قتلوا في حوادث طرق و30.6 أصيبوا بجروح خطرة، مقارنة بـ 3.2 من كل 100000 يهودي قتلوا في حوادث طرق و24.9 أصيبوا بجروح خطرة.
كما تظهر المعطيات أن هناك فجوة تبلغ حوالي 5 أعوام في متوسط العمر المتوقع بين الرجال اليهود وبين الرجال العرب (81.5 و76.3 على التوالي). وهناك فجوة مماثلة بين النساء من المجموعتين، لكنها أصغر (85.1 و81.2 على التوالي). في كلتا المجموعتين، متوسط العمر المتوقع للمرأة أطول بحوالي 5 أعوام من متوسط عمر الرجل المتوقع.
وفي حين أن نسبة الأطفال في مرحلة الصف الأول الذين يعانون من زيادة في الوزن، متشابهة في كلتا المجتمعين، هناك فجوة كبيرة في مرحلة الصف السابع، 32.4% من الأطفال اليهود في الصف السابع يعانون من زيادة الوزن مقارنة بـ 43.3% بين الأطفال العرب من نفس المرحلة. كذلك، في مؤشر نمط الحياة الصحي، يتضح أن هناك فجوة، ففي حين أن 15.3% من اليهود أفادوا بأنهم يحافظون على نمط حياة صحي، هناك نسبة 13.2% فقط من العرب أفادوا بذلك.
في مجال السكن، يبلغ متوسط عدد الأفراد في الغرفة الواحدة بين اليهود 0.78، بينما يبلغ بين العرب 1.29. كما يتبيّن أن نسبة العرب الراضين عن منطقة السكن وعن الدار التي يقطنون فيها أقلّ قياساً بنسبة اليهود الراضين عن ذلك.
أما في مجال التربية والتعليم فإن السكان العرب راضون عن المدارس بنسبة أقل (58.3%) مما بين السكان اليهود (63%). ولكن في كلتا المجموعتين، الرضى عن المدرسة الابتدائية أعلى من الرضى عن المدرسة الإعدادية والثانوية. كما أن ثمة فجوة بين اليهود والعرب في استحقاق شهادة البجروت (التوجيهيّ): 58.6% بين اليهود و40.5% بين العرب. هناك فجوة أكبر في نسبة الحاصلين على التعليم العالي: 58.4% بين اليهود و29.5% بين العرب. ويمكن ملاحظة أنه بينما ينتقل جميع حاملي شهادة البجروت من بين اليهود إلى مسار مواصلة التعليم العالي، هناك فجوة بين العرب تبلغ حوالي 10% بين نسبة حاملي البجروت وبين نسبة الحاصلين على التعليم العالي. ويستخدم 91.3% من اليهود الإنترنت و83.3% لديهم إمكانية استخدام الحاسوب. بينما تبلغ نسبة مستخدمي الإنترنت بين العرب 85.9%، لكن 64.7% فقط لديهم إمكانية استخدام الحاسوب. هذه المعطيات تؤثر على استخدام الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، حيث تبلغ نسبة المستخدمين بين اليهود 61.8% وبين العرب 34.6% فقط.
يتضح من المعطيات ذاتها كذلك أن هناك اختلافاً بين المجتمعين في أنماط ثقافة أوقات الفراغ، فيخرج نحو 36% من اليهود إلى فعاليات ثقافية ورياضية مقابل 20.7% من العرب.
وأعرب حوالي 51.2% من اليهود و47.6% من العرب، في العام 2021، عن ثقتهم بالجهاز القضائي الإسرائيلي، الذي يقف هذه الأيام في مركز الجدل الجماهيري. أما الثقة بالحكومة بين المجموعتين فهي أقل بكثير (31.6% و23.8% على التوالي). ولكن تزداد الفجوة بين المجتمعين عندما يتعلق الأمر بالكنيست (نحو 72% من اليهود صوتوا للكنيست مقابل 44.2% من العرب). كما تظهر المعطيات أن 13.6% من اليهود أظهروا انخراطاً مدنياً مقابل 3.3% من العرب!