بعد وقت قصير من الإعلان عن سلسلة خطوات التطبيع، الإماراتي ثم البحريني وبعده السوداني مع إسرائيل، بدأت التكهنات بشأن نية مجموعة أخرى من الدول العربية والإسلامية إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، وعقد اتفاقيات تعاون تجاري واقتصادي معها. ولم يتوقف الأمر عند التكهنات والتوقعات فوزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين أعلن في مقابلة مع "يديعوت أحرونوت" في الثالث عشر من تشرين الثاني الماضي أن جهودا تبذل لإقامة علاقات مع خمس دول عربية وإسلامية هي السعودية وعمان وقطر والمغرب والنيجر.
كان يمكن توقع الدول العربية الأربع المذكورة، فهي إما تقيم علاقات مع إسرائيل من تحت الطاولة أو من فوقها، وسبق أن كان بينها وبين إسرائيل مكاتب تمثيل تجاري في الماضي القريب، ولكن لماذا النيجر؟ وما مصلحة إسرائيل، الدولة صاحبة السجل الإشكالي في مواقفها تجاه التمييز العنصري، مع هذه الدولة الأفريقية التي تتناهشها المجاعة والحروب الأهلية والعرقية والفساد؟
الحرب ضد الفساد السلطوي هي سلسلة من المعارك المستمرة والمتتالية، دائماً. ليس بالإمكان تحقيق نصر حاسم فيها، وخاصة حيال قوة الإغراء في الفساد والإفساد وحيال القوة غير المحدودة تقريباً، في أحيان كثيرة، التي يتمتع بها أصحاب السطوة والنفوذ، مما يمنحهم شعوراً (ولو مزيفاً) بأنهم محصّنون ولا يمكن للقانون أن يطالهم. وتشكل الشعبوية أحد أسلحة الفاسدين والمفسدين السلطويين المركزية، وخصوصاً في حربهم التحريضية التشويهية ضد سلطات وهيئات إنفاذ القانون في الدولة، بغية نزع الشرعية عنها، إضعافها ووضعها موضع الشك والاتهام، بما يمكن ـ وفق أجندة هؤلاء ـ أن يقيد أيدي هذه الهيئات وخطواتها في محاربة الفساد السلطوي ومعاقبة الفاسدين.
هذه العلاقة التداخلية الخطيرة ما بين الفساد السلطوي والشعبوية، بخلفياتها وإسقاطاتها، تشكل محور المؤتمر الدراسي الذي ينظمه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، اليوم الاثنين، تحت عنوان "شرعية الكفاح ـ الفساد السلطوي في ظل النزعات الشعبوية"، ويخصصه للبحث في مسألة الفساد السلطوي، في ضوء مجموعة من الدراسات التي أجراها باحثو المعهد حول الموضوع ونُشرت في مجموعة من الكتب صدرت عن المعهد في السنوات الأخيرة، كان آخرها اثنان صدرا خلال السنة الجارية، ضمن البرنامج البحثي الذي يطبقه المعهد "لمكافحة الفساد السلطوي"، في إطار "مركز القيم والمؤسسات الديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، وذلك في إطار الرؤية المبدئية التي تعتبر الفساد السلطوي واحداً من أخطر التهديدات الوجودية على دولة إسرائيل، إن لم يكن أخطرها على الإطلاق.
علّمت التجربة السياسية الإسرائيلية أن إقرار الكنيست قانون حل نفسه بالقراءة التمهيدية، أو حتى الأولى، ليس نهاية المطاف، فقد حصل وتم توقيف مسار التشريع لإطالة عمر الحكومة، أو حتى تغيير الائتلاف، في اللحظة الأخيرة، كما جرى في ربيع العام 2012. وهذا قد يحدث الآن أيضا، ولكن سيكون على الحكومة أن تقر ميزانية واحدة على الأقل، حتى يوم 23 الشهر الجاري، وإلا فإن الكنيست سيحل نفسه تلقائيا، بفعل عدم إقرار ميزانية، وتكون إسرائيل لأول مرّة في تاريخها تدير شؤون ماليتها من دون ميزانية لعامين، ولهذا انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، بحسب كل التحليلات؛ خاصة وأن المانع هو حسابات بنيامين نتنياهو الشخصية.
وكان الكنيست أقر بالقراءة التمهيدية (الأولية) مشروع قانون حل الكنيست، يوم الأربعاء الماضي، 2 كانون الأول الجاري، وعلى القانون الذي عارضه الليكود وحلفاؤه، وأيدته كتلة "أزرق أبيض"، أن يمر بالقراءات الثلاث، حتى يصبح نافذا، وهذه عملية ممكن أن تتم في غضون يوم واحد، ولكن قد تمتد أياما، وستكون أيام مد وجزر بين الشريكين الأكبرين في الحكومة: الليكود و"أزرق أبيض". ولا يدور أي خلاف سياسي بين الفريقين، بل إن كل المسألة تدور حول انقلاب نتنياهو على الاتفاق المبرم مع "أزرق أبيض" ويتضمن نقل رئاسة الحكومة لبيني غانتس، في خريف 2021، ولا يريد نتنياهو الوصول إلى ذلك التاريخ. كما أن نتنياهو شعر بأن الاتفاق يفرض عليه قيودا في التعيينات الكبرى، خاصة في كل ما يتعلق بجهاز القضاء والشرطة والنيابة العامة، وكلها تعيينات على علاقة بمحاكمته بقضايا الفساد.
ضمن مسلسل الحرائق التي يشعلها رئيس الحكومة اليمينية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا تزال مسألة تعيين الضابط الكبير السابق، صاحب الممارسات والمواقف العنيفة والفاشية، إيفي إيتام، لترؤس مؤسسة "ياد فشيم" مشتعلة.
وتحمل "ياد فشيم" خصوصية وحساسية، إسرائيلياً، لكونها مؤسسة إسرائيلية رسمية أقيمت العام 1953 بموجب قرار الكنيست كمركز أبحاث للهولوكوست، لذلك فإن القضيّة تشغل شرائح جديّة، سياسياً وإعلامياً وأكاديمياً. وتعود لتُبرز، سطحاً وعُمقاً، الأزمة
قد يكون في التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وفي مقدمتها اتفاقيات السلام التي جرى التوقيع عليها بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، من جهة، ثم التسريبات الإسرائيلية عن زيارة سرية خاطفة قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مصطحباً معه رئيس جهاز الموساد، يوسي كوهين، إلى المملكة العربية السعودية، نهاية الأسبوع قبل الأخير، واجتماعه خلالها مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى التقدم الذي حصل
يروي الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد واحدة من القصص التي تلخص بإيجاز مكثف طبيعة العلاقة المعقدة بين إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة وقضية الجاسوس اليهودي الأميركي جونثان بولارد، ومحاولات المزاوجة في الخطاب والسلوك بين كونه بطلا في عين جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، وبين التنصل منه ومن أفعاله أمام الإدارات الأميركية في ذات الوقت.
الصفحة 135 من 324