منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تقوم الإدارة الأميركية باتخاذ مواقف تصفها بأنها أكثر تشدداً من بعض ممارسات المستوطنين، خصوصاً تلك التي تنطوي على العنف والإرهاب داخل مناطق الضفة الغربية المحتلة. ليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت الإدارة الأميركية تغير من لهجتها حيال "التوسع الاستيطاني" بحد ذاته، أم أنه مجرد موقف من الإرهاب والعنف المتصاعد، وبالتالي هو اعتراض على الأسلوب. لكن العقوبات المتلاحقة التي تفرضها أميركا على عدد متصاعد من المستوطنين، تتجاوز كونها مجرد "قرصة أذن" إلى ما يبدو أنه سياسة جديدة.
منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في أعقاب هجوم طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تزايدت الأصوات الإسرائيلية التي أعادت الفشل، من بين أمور أخرى، إلى بنية الجيش الإسرائيلي من ناحية أن حجم القوات البرية في الجيش صغير جداً مقارنةً بالتحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها إسرائيل على الجبهات المتعدّدة (إهمال العنصر البشري من حيث العدد والقدرات لصالح التركيز على عنصر التكنولوجيا). واللواء إسحق بريك كان من أبرز الشخصيات التي روّجت لمثل هذا الادّعاء حتى قبل هجوم طوفان الأقصى وما رافقه من فشل أمني وعسكري إسرائيلي واضح.
أكدت نتائج استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، ونشرها قبل أيام، استمرار التراجع في نسبة الإسرائيليين الذين يبدون تفاؤلاً تجاه مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، مقارنة بالأشهر السابقة، وعلى استمرار التراجع أيضاً في نسبة الإسرائيليين المتفائلين حيال مستقبل الأمن القومي؛ بما يقرّب هذه المعدّلات من مستواها الأكثر انخفاضاً في صيف العام الماضي، 2023. واللافت في نتائج الاستطلاع الأخير أن نسبة المتفائلين في كلا هذين المجالين، مستقبل النظام الديمقراطي ومستقبل الأمن القومي، هي أقل بين المشاركين العرب في الاستطلاع عنها بين المشاركين اليهود (مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل ـ العرب: 24 بالمائة، اليهود 37 بالمائة؛ مستقبل الأمن القومي ـ العرب: 17 بالمائة، اليهود: 38 بالمائة). وكما بينت نتائج الاستطلاع السابق، في شباط الأخير، كذلك أيضاً أشارت نتائج الاستطلاع في آذار الأخير إلى أن الفجوات بين المشاركين اليهود، وفقاً لتوزيعة المعسكرات السياسية، هي أكبر في موضوع مستقبل النظام الديمقراطي عمّا هي في موضوع مستقبل الأمن القومي: المنتمون إلى "معسكر اليسار والوسط" هم أكثر تفاؤلاً بشأن مستقبل الأمن.
بعد أكثر من ستة أشهر على الحرب المتواصلة، يفيد العديد من التقارير الإسرائيلية المهنية وحتى الرسمية أن المشاكل الاقتصادية في تفاقم متزايد، ووصلت حتى إلى صحن الأكل. ووفقاً لتقرير نشرته منظمة "لتيت" (عطاء) فقد أفاد 30.7% من الإسرائيليين أن وضعهم الاقتصادي تدهور مقارنة بالعام الماضي، وشهد 14.9% أن دخل الأسرة تضرر بشكل كبير منذ اندلاع الحرب. وترسم نتائج استطلاع بعنوان "صورة للوضع" نشر قبيل عيد الفصح العبري، وأوردها موقع "دفار"، صورة قاتمة لتدهور ملحوظ في الوضع الاقتصادي للإسرائيليين، وخصوصاً سكان الجنوب والشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في الحرب.
تجمع التحليلات في إسرائيل على أن يوم الثالث عشر من نيسان 2024 سوف يسجل في تاريخ منطقة الشرق الأوسط باعتباره يوماً تاريخيّاً أعلنت فيه إيران لأول مرة شنّ هجوم غير مسبوق على إسرائيل بواسطة مئات المُسيّرات والصواريخ البالستية التي تم إطلاقها في اتجاه إسرائيل من الأراضي الإيرانية، وأيضاً من العراق واليمن.
طرأ ارتفاع متسارع وغير مسبوق على عنف المستوطنون الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية. وتدعو السلطة الفلسطينية باستمرار إلى "إدراج منظمات المستوطنين العنيفة على قائمة الإرهاب العالمي"،[1] إذ يشكّل هذا العنف خطراً يومياً ملموساً على المجتمع الفلسطيني عموماً، ويشكّل تحدياً للسلطة وقواها الأمنية، ويضر بفعاليتها ويسهم في تراجع شعبيتها. وعلى الرغم من صدور بعض الإدانات عن مسؤولين إسرائيليين فإنه نادرًا ما تُوجه للمستوطنين لوائح اتهام أو تُتخذ إجراءات قانونية ضدهم، مما يعكس سياسة إسرائيلية منهجية تقوم على غض النظر عن إرهاب المستوطنين، بل والسماح لهم بأن يكونوا سيفاً آخر مسلطاً على رقاب الفلسطينيين.
الصفحة 20 من 324