المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تفاعلات القدس المحتلة.. فاعل رئيس في المشهد الداخلي الإسرائيلي. (أ.ف.ب)
تفاعلات القدس المحتلة.. فاعل رئيس في المشهد الداخلي الإسرائيلي. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 906
  • برهوم جرايسي

تقترب الحكومة الإسرائيلية من مرحلة تحديد مصيرها، على الأقل في المرحلة القريبة، إذ إنه بقي أسبوعان حتى افتتاح الدورة الصيفية للكنيست، في التاسع من أيار المقبل، وفيها ستشتد المناورات الحزبية البرلمانية، في ظل ائتلاف بات يرتكز على 60 نائبا، مقابل 60 نائبا في صفوف معارضة ليست موحدة، بطبيعة الحال. إلا أن اعتداءات الاحتلال على القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية بشكل عام، وضعت الشريكة في الحكومة، كتلة "القائمة العربية الموحدة"، أمام ضغوط شعبية، وصلت إلى صفوف قيادة الحركة الإسلامية- الشق الجنوبي، التي تعد "الموحدة" ذراعها البرلماني. ولا تزال مسألة الانتخابات البرلمانية المبكرة هي الفرضية الأقوى، لكن توقيتها لا يزال مجهولا.

وكما هو معروف، فإن أزمة الائتلاف القائمة حاليا بدأت حينما أعلنت رئيسة الائتلاف، عيديت سيلمان، من حزب رئيس الحكومة "يمينا"، انسحابها من الائتلاف. وبات الائتلاف يرتكز على 60 نائبا، وهذا حسب القانون لا يؤدي إلى سقوط الحكومة، بل إلى شل عملها أمام الكنيست بقدر كبير.

بحسب القانون الإسرائيلي، فإن الحكومة ممكن أن تتشكل بكل أغلبية عادية في الهيئة العامة للكنيست، لكن حجب الثقة عنها سيحتاج إلى أغلبية لا تقل عدديا عن 61 نائبا، وكذا بالنسبة لحل الكنيست، الذي بحسب القانون يحتاج لأغلبية أعضاء الكنيست (61 نائباً).

وعلى هذا الأساس، فإن الائتلاف الحاكم بات يرتكز على 60 نائبا، وقد يخسر من هذا العدد في حال وقع تمرد آخر في الائتلاف، وذلك مقابل 60 نائبا في معارضة ليست متكتلة على نفسها، إذ إن 6 مقاعد منها هي للقائمة المشتركة التي لا يمكنها أن تكون ضمن فريق واحد مع كتل المعارضة من اليمين الاستيطاني، وفي ذات الوقت هي معارضة للحكومة الحالية.

كما أنه ليس واضحا كيف سيكون أداء النائبة عيديت سيلمان، بمعنى: هل ستصوت بشكل دائم ضد الحكومة، ومع حجب الثقة عنها؟ أم أن تصويتها سيكون مشروطا بحسب ما يتم طرحه؟ وفق ما ورد في تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عن سيلمان.

إلا أنه في الأسبوعين الماضيين، مع تصاعد اعتداءات قوات الاحتلال على القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، وأيضا على مناطق عدة في الضفة الغربية، وسقوط عدد من الشهداء، فإن كل هذا ولكن بالذات الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، باتت الحركة الإسلامية الجنوبية وذراعها البرلماني- "القائمة العربية الموحدة" الشريكة في الائتلاف الحاكم، في وضعية محرجة أمام الشارع، وهذا عكس نفسه على قيادات حالية وسابقة في الحركة جاهرت في دعوتها لانسحاب كتلة "الموحدة" من الائتلاف الحاكم فورا.

الأنظار على "الموحدة" و"يمينا"

حينما أعلنت النائبة سيلمان انسحابها من الائتلاف، صباح يوم السادس من نيسان الجاري، تم توجيه الأنظار إلى كتلة "يمينا" التي يترأسها رئيس الحكومة نفتالي بينيت، واحتمال أن يتمرد نائب آخر منها، بما يعني أن يصبح في المعارضة 61 نائبا، ما يفسح المجال لأمرين، وهو أن ثلاثة نواب متمردين من "يمينا" يمكنهم تشكيل كتلة برلمانية جديدة، كونهم يشكلون أكثر من ثلث الكتلة الأم، "يمينا"، التي حازت على 7 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، إذ إنه سبق سيلمان النائب عميحاي شيكلي، الذي تمرد على كتلته ورفض الانضمام إلى الائتلاف. إلا أنه مع مرور ما يقارب 3 أسابيع على اعلان سيلمان، لا يبدو أن هناك نائبا ثالثا على الأقل من هذه الكتلة سيتمرد، ولكن هذا احتمال يبقى قائما، خاصة مع بدء الدورة البرلمانية الصيفية في التاسع من أيار المقبل، وتستمر حتى النصف الثاني من شهر تموز المقبل، هذا إذا صمدت الحكومة، وإذا لم يتم حل الكنيست حتى ذلك اليوم. والأمر الثاني أنه حينما يكون في المعارضة 61 نائبا، سيكون بالإمكان تمرير قانون حل الكنيست، الذي بخلاف مشاريع حجب الثقة عن الحكومة، لا يحتاج إلى موضوع سياسي، وترشيح مرشح آخر لرئاسة الحكومة، ما يجعل كل كتل المعارضة تتوحد خلف هذا المشروع، وعلّمت التجربة أنه في حالة كهذه، فإن الحكومة ذاتها تبادر لحل الكنيست، لتبعد الاحراج عن كتلها أمام الرأي العام.

وطالما لا يوجد متمرد آخر من كتل الائتلاف، فإن الوضع سيكون معلقا، بين ائتلاف متماسك من 60 نائبا، ومعارضة ليست متكتلة من 60 نائبا، وهذا نظريا يُمكّن الحكومة من الاستمرار في عملها، برغم الصعوبة في تمرير قوانين ذات شأن، منها ما بات في مسار التشريع، وهذه الحال، أيضا نظريا للتأكيد، ممكن أن تستمر حتى يوم 31 آذار العام المقبل، وهو الموعد القانوني الأخير لإقرار ميزانية العام المقبل 2023، وإلا فإن الكنيست يحل نفسه تلقائيا.

ولا أحد يستطيع التخمين بصمود الحكومة لعام كامل من الآن، طالما استمر الوضع القائم، ولم تحدث مفاجأة غير مرئية حتى الآن، لصالح الائتلاف الحكومي، مثل تراجع النائبين المتمردين من "يمينا".

لكن في الأيام الأخيرة، باتت الأنظار تتجه أكثر إلى مصير شراكة كتلة "القائمة العربية الموحدة" في الائتلاف الحاكم، على ضوء تصاعد العدوان والتضييقات على القدس والمسجد الأقصى المبارك، وأيضا إذا ما تحققت تقديرات إسرائيلية بأن تقود الأحداث إلى تصعيد عام في الضفة، وحتى أمام قطاع غزة.

حينما أعلنت سيلمان عن تمردها، كان قد مرّت أربع أمسيات شنت فيها قوات الاحتلال اعتداءات على المحتفلين بشهر رمضان المبارك، عند باب العمود في القدس المحتلة، وظهرت بوادر تصعيد، إلا أن كتلة "الموحدة" لم تبد أي موقف، حتى جاء يوم الاعتداء الأوسع في شهر رمضان، على المسجد الأقصى، يوم الجمعة 15 نيسان الجاري، وأمام المشاهد الصادرة والأجواء التي عمّت شبكات التواصل والحلبات السياسية، بدأت ضغوط على الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) لسحب كتلتها من الائتلاف الحاكم. وهذه الضغوط وصلت إلى الكتلة البرلمانية، وإلى الصفوف القيادية الأولى في الحركة، وكان أولها بيان صادر عن عضو الكنيست مازن غنايم من كتلة "الموحدة"، الذي بعث برسالة إلى رئيس حكومته نفتالي بينيت، يبلغه فيه بأنه إن استمرت الاعتداءات على المسجد الأقصى، فإنه سيرى نفسه خارج الائتلاف الحاكم، ولكن حتى مطلع الأسبوع الجاري فإن غنايم لم ينفذ تهديده، رغم تكرار الاعتداءات والاقتحامات للمسجد الأقصى. وبعده أصدر رئيس مجلس الشورى في الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي)، د. محمد سلامة، بيانا يطالب فيه الموحدة بالانسحاب الفوري من الائتلاف الحاكم. وصدرت دعوة مشابهة عن عضو الكنيست الأسبق ورئيس الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) الأسبق، الشيخ إبراهيم صرصور. كما أعلن المرشح السادس في القائمة الموحدة، الذي عمليا هو من سيدخل الكنيست في حال استقال أحد نواب قائمته، علاء الدين جبارين، من أم الفحم، براءته مما يجري، ما فسّره كثيرون على أنه انسحاب من القائمة، ولم ينف جبارين هذه التفسيرات لمقولته؛ إذ كتب في صفحته في "الفيسبوك"، تحت صورة لجندي الاحتلال: "وصل السيل الزبى... هنا انتهت القصة". وردا على معقبين على المنشور، يشيرون إلى تواجد "الموحدة" في الحكومة ومسؤوليتها عما يجري، كتب جبارين: "أعلن البراءة أمام الله وأمامكم".

إلا أن مجلس الشورى للحركة الإسلامية المذكورة عقد اجتماعا له، وقرر أن تجمد كتلة "الموحدة" عضويتها في الائتلاف الحاكم، وأيضا في الكنيست، كما دعت "الموحدة" كتلة القائمة المشتركة للانضمام لها في تجميد عضويتها في الكنيست. ولا يوجد شيء في القانون الإسرائيلي يسمى "تجميد عضوية برلمانية"، وهو مجرّد تصريح سياسي، صدر خلال عطلة الربيع للكنيست التي ستستمر حتى التاسع من أيار. وقالت وسائل إعلام عبرية إن قرار مجلس الشورى كان بتنسيق مسبق بين رئيس "الموحدة"، عضو الكنيست منصور عباس، ورئيس حكومته نفتالي بينيت، ورئيس الحكومة البديل، وزير الخارجية يائير لبيد، في سعي لامتصاص الغضب وإزالة الضغوط عن "الموحدة"، خاصة وأن القرار يصدر في فترة عطلة برلمانية.

قرار الحركة الإسلامية الجنوبية، ومعها كتلتها "الموحدة"، دلّ على أنه لا يوجد قرار بترك الائتلاف، طالما استمرت وتيرة الأحداث على حالها، وكما يبدو هناك من يراهن على عامل الزمن، وعودة الهدوء بعد انتهاء شهر رمضان وعيد الفطر، ومعها ذكرى قيام إسرائيل، ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني وفق التقويم العبري، يوم الخامس من أيار المقبل. ووفق هذا التقدير، فإنه إذا ما حلّ الهدوء، فإن هذا سيخفف الضغوط على الحركة الإسلامية، التي تتهم خصومها، والقصد أحزاب القائمة المشتركة، وأيضا جهات سياسية خارج الحلبة البرلمانية في المجتمع العربي، بأنها هي من توجه الضغوط على الحركة للانسحاب من الحكومة.

بعد اجتماع مجلس الشورى سابق الذكر، صدرت قائمة مطالب تضعها "الموحدة" كشروط لاستمرار مشاركتها في الائتلاف، إلا أن هذه الشروط هي ما نصت عليها اتفاقية انضمام "الموحدة" للائتلاف، مثل خطة لزيادة ميزانيات للمجتمع العربي، واعتراف بقرى عربية في صحراء النقب، ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بوجودها على الأرض، وتطبيق خطة مكافحة الجريمة، وهذه المطالب كانت "الموحدة" قد أعلنت سابقا أنه تمت المصادقة على غالبيتها، بينما تطرحها الآن من جديد.

من يريد انتخابات مبكّرة؟

كما ورد سابقا في عدد "المشهد الإسرائيلي" السابق، (11 نيسان 2022)، فإن حجب الثقة عن الحكومة يحتاج إلى تأييد أغلبية لا تقل عدديا عن 61 نائبا، هي أغلبية النواب الـ 120، وكل أغلبية تقل عن هذا العدد، وحتى بتساوي الأصوات، لاغية وفق القانون الإسرائيلي. وهناك إشكالية جدية، تمنع القائمة المشتركة المعارضة من الانضمام إلى اقتراحات حجب الثقة الواردة من اليمين، لأنها ستعني في ذات الوقت تأييد تشكيل حكومة برئاسة إحدى كتل اليمين الاستيطاني المعارض. من ناحية أخرى، فإن كتل المعارضة لن تغامر في طرح مشروع حل الكنيست طالما ليس لديها 61 نائبا مضمونا، لأنه أيضا في هذه الحالة كل أغلبية تقل عن هذا العدد لاغية، وفي هذا الموضوع بالذات، بمعنى في حال سقط مشروع حل الكنيست، لا يمكن لأي كتلة برلمانية، أن تطرح مثل هذا المشروع، إلا بمرور 6 أشهر على يوم التصويت على ذات المشروع وسقوطه؛ باستثناء الحكومة التي يمكنها التقدم باقتراح حل الكنيست في كل وقت.

إذا قلنا إن جميع كتل المعارضة معنية بانتخابات مبكّرة طالما لم تجد كتلة كبيرة تنشق عن الحكومة وتنضم لها بما يضمن لها أغلبية، من دون القائمة المشتركة بطبيعة الحال، لتشكل حكومة بديلة، فإن السؤال بشأن من هو معني بانتخابات مبكرة يوجّه أساسا لكتل الائتلاف الحاكم.

بالإمكان القول إنه لا توجد كتلة واحدة، من جميع الكتل البرلمانية الثماني التي تشكل الائتلاف الحاكم، معنية بانتخابات مبكّرة، لأنها ستخرج جميعها خاسرة، وهذا استنتاج نكرره منذ تشكيل هذه الحكومة، وهو صحيح حتى الآن، إذ أن الخسارة ستكون في القوة البرلمانية، أو في المكانة السلطوية.

وإذا ما اعتمدنا الاستطلاعات المبكرة، التي لا يمكن اعتمادها كواقع نهائي بل كمؤشر للواقع السياسي، فإن أكثر المتضررين من انتخابات مبكرة ستكون ثلاث كتل ائتلاف من حيث حجم القوة البرلمانية، وهي: كتلة "أمل جديد" اليمينية الاستيطانية، برئاسة جدعون ساعر، وكتلة "إسرائيل بيتنا" وهي أيضا من اليمين الاستيطاني برئاسة أفيغدور ليبرمان، والقائمة الثالثة كتلة حزب ميرتس المحسوب على ما يسمى "اليسار الصهيوني"، وفق القاموس السياسي الإسرائيلي.

التهديد الأكبر سيكون على "أمل جديد" وهو حزب منشق عمليا عن حزب الليكود، واستند في حملته الانتخابية على رفض استمرار شخص بنيامين نتنياهو في الحكم، بسبب تورطه بالفساد السلطوي، وخضوعه للمحاكمة، لكن هذه ورقة ستكون ضعيفة أمام جمهور اليمين الاستيطاني، بعد استبعاد نتنياهو عن الحكم لقرابة عام، ورؤية أي حكومة بديلة نشأت، وحينما تمنح استطلاعات الرأي 4 مقاعد لهذا الحزب فهذا يعني أنه سيصارع نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة، واستمرار وجوده في الحلبة البرلمانية تحت علامة سؤال.

أما بالنسبة لحزب "إسرائيل بيتنا"، وزعيمه ليبرمان، فإنه سيتضرر أيضا من باب ذات الورقة التي لوّح بها "أمل جديد"، ولكن أيضا كونه يفقد من انتخابات إلى أخرى قسما من قاعدته الانتخابية الأساسية، وهم المهاجرون إلى البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة. وفي هذا الصدد، نقول مجددا إن ليبرمان حطّم مقولة إن الأحزاب التي تقوم على أساس شخص واحد، دون هيئات حزبية واضحة المعالم، لا تعمّر طويلا، وهذا صحيح لكل الأحزاب التي سبقت ليبرمان وظهرت بعده، إلا أن ليبرمان ما زال يقود حزبا بشكل انفرادي منذ 23 عاما.

حزب ميرتس هو أيضا يعود إلى دائرة احتمال عدم اجتياز نسبة الحسم، لأنه خسر في ظل الحكومة القائمة ورقته السياسية بمناهضة الاحتلال، رغم محدودية موقفه المتراجع من عام إلى آخر، لأنه يشارك في حكومة عززت كل سياسات الاحتلال والاستيطان، دون اعتراض منه. لذا نلاحظ أن ميرتس بات يركّز أكثر على القضايا الاجتماعية، ومن أبرزها قضايا مثليي الجنس، ومعها جهاز الصحة، لكون رئيس الحزب نيتسان هوروفيتس وزير الصحة. ولكن كما هي حال باقي الأحزاب من الصعب حسم مصيره منذ الآن.

سيفتتح الكنيست دورته الصيفية القصيرة نسبيا، شهرين ونصف الشهر، في التاسع من أيار المقبل؛ وفي السياسة فإن أسبوعين ليسا بالفترة القصيرة، وكل الاحتمالات تبقى مفتوحة، إما لعودة استقرار الائتلاف ولو بشكل محدود، أو أن يحدث ما لا يمكن للائتلاف الحاكم أن يستمر أكثر.

في حال تم حلّ الكنيست في شهر أيار، فإن الانتخابات المبكرة قد تكون في أيلول أو تشرين الثاني، كون تشرين الأول يشهد ثلاثة أعياد يهودية، وإذا ما تجاوزت الحكومة شهر أيار، فإن كل انتخابات ستكون ابتداء من تشرين الثاني ولاحقا. ومن الصعب رؤية أن الحكومة ستصمد طويلا، وفق الظروف القائمة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات